أثير- مكتب أثير بتونس
حاوره : محمد الهادي الجزيري
كلّما تقدّم به الزمن ازداد ارتدادا إلى الطفولة، جميعهم يلقبونه في المغرب بالفلتة الكبرى أو المبدع الفذّ أو ما شئت من الألقاب باستثناء قلّة منها أنا؛ فهو صديق صديقه وصاحب البشاشة الدائمة ..برغم إصراره على قول القصيدة أو قول العالم دفعة واحدة، هو أحمد لمسيح أحد أهمّ الزّجالين المغاربة ..، حاولت أن أستدرجه للحوار ..لمعرفة ماذا يدور في رأسه من أفكار وهواجس وأحلام ..، فباح لقرّاء “أثير” بعفويته وانسيابه بهذا الردّ الصافي :
ـ قال عنك كبار الشعراء والنقاد مثل عبد الرحمان مجيد الربيعي ومثل شوقي بزيع
وكالدكتور أحمد زنيبر وغيرهم كثير ..قالوا :
” أنّك ومنذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي، عملت على التقليل من حضور الموضوعات الكبرى وهيمنتها داخل القصيدة. وهو أمر تمثلته بعض وجوه القصيدة الزجلية بالمغرب ..” ، وصرت رمزا لهذا الانعتاق في القصيدة الزجلية ، فما ثقل المسؤولية الموكلة لك ..، حين يصبح التشريف تكليفا باهظا ؟
ـ قال عنك كبار الشعراء والنقاد مثل عبد الرحمان مجيد الربيعي ومثل شوقي بزيع
وكالدكتور أحمد زنيبر وغيرهم كثير ..قالوا :
” أنّك ومنذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي، عملت على التقليل من حضور الموضوعات الكبرى وهيمنتها داخل القصيدة. وهو أمر تمثلته بعض وجوه القصيدة الزجلية بالمغرب ..” ، وصرت رمزا لهذا الانعتاق في القصيدة الزجلية ، فما ثقل المسؤولية الموكلة لك ..، حين يصبح التشريف تكليفا باهظا ؟
عسيرة أن تمجد وتخلص للجمالي في الكتابة ، وقليلون ، بل نادرون من وُفِّقوا في تحقيق الحسنيين في منجزاتهم الفنية سواء كانت في الشعر أو السرد أو السينما والمسرح والتشكيل، لست غير تلميذ حاول أن يتعلَّـم من الكبار الذين ” ناضلوا ضد أنفسهم كي يتحرروا من وهم الأيديولوجيا ” و بقوا مخلصين لمواقفهم الإنسانية النضالية وانخرطوا في معارك جمالية يختلقها عديمو الاطلاع والمتابعة وأسرى المخيال الماضوي الكاره لكل جديد يحاول الانتساب إلى الأفق الإنساني الجديد والتعلم من مؤسسي الحداثات و التخلص من عبادة وتقديس الموروث بل محاورته و نقده والتعلم من اللحظات المشرقة فيه والتي كانت في أغلبها تمرداٌ وابتكارا أو على الأقل إضافة متحررة ووفية في نفس الآن للانتساب المحلي قيداً أو معبداُ ، بل وفاء لا يكتمل إلا بالانفتاح الحر …وفاء لا يكتمل إلا بالاندماج..
وبقدري ما سعينا – لست وحدي – إلى الخروج من شرنقة التكرار والنمط لنحلق فراشات فقد كنا نمارس عملية انتحارية ونحن نعبر بالإبداع الزجلي من الشفوية والشعبوية والجاهزية المقولبة إلى الانتساب إلى الشعر بممارسة الكتابة الواعية بجماليات الفنون ، لم نكن ندري أن هذه المغامرة لن تكون سهلة ومقبولة ولكننا كنا غاوين للشعر وليس للقول فاندفعنا بأحلامنا و أوهامنا ولم نكن نبالي بالحواجز ، بل كنا أوفياء لقناعاتنا واخترنا الخسارة ، فقدنا الكثير من الجمهور الشعبوي ولكننا اكتسبنا كثيرا من المجتمع الثقافي الأكاديمي ، راهنَّـا على الشعر فكافأنا بفتح أبواب الجامعات لإنجاز بحوث على مستوى الدكتوراه والماجستير والإجازة ، وهذا بالنسبة لي أهم من ” غبار القاعات وتصفيقاتها ” التي تستجيب للهتاف والصراخ ونحريك الأيادي للأعلى وضرب المنبر ـ المسكين ـ بالقبضة الغبية …،إلقاؤنا أصبح هادئاً ومخاطبا للعقل وليس لتملق الجماهير والخضوع لرغبات المتلقي …….
ـ قطعت العلاقة مع القصيدة الفصيحة من ثمانيات القرن الماضي ..وأوغلت في الزجل فأبدعت فيه وقدّمت الإضافة المرجوة..، لكن مساحة جمهورك أمست ضيّقة فشتّان بين قرّاء اللغة الفصحى وقرّاء اللهجة المحلية..ما رأيك بصراحة؟
لنعترف هل أثر شعراء العربية في تقلبات الكتابة العالمية مثل ألف ليلة والمثنوي . كثير من المستشرقين كشفوا سحر التراث العربي ـ الإسلامي ، ولكن المبدعين عالميا تأثروا وانتسبوا بل انخرطوا في انقلابات إبداعية غربية أو أمريكولاثنية أو آسياوية إذا لم ننجز انقلابا جذريا في منجزك خارج النادي الكوني ….
أومن بأن الشعر أقل المبيعات والجمال للندرة
ولا بد من الإشارة إلى لاإخوة في المشرق فهم يتداولون مصطلح الزجل لتنعيث القول الشعري بالعامية ويعتبرون ممارسيه فطريين وشعبيين ، وهناك الشعر الشعبي والشعر العامي وشعر المحكية .. بينما في المغرب نسمي كل شعر قيل أو كتب بالعامية هو زجل وفاءُ للتسمية الأولى التي وُلِد بها فيما كان يسمى الغرب الإسلامي في الأندلس وقد كتب فيه متصوفة وفقهاء وأمراء ودكاترة مثل مراد القادرس ومحمد بوستة …
وقد كان الزجل مجرد ضيف على فنون أخرى في المغرب وسعى إلى الاستقلال مع منتصف السبعينات وسعى إلى الاستقلال مع منتصف سبعينات القرن العشرين لينسل ـ خجولا في البداية ـ إلى الانفصال و الكتابة باسمه الشخصي وليس تابعا تحت رداء آخر وهنا كان ” الضلال ” بالنسبة للكثيرين ، لكن التاريخ يمر بمخاضات لا ينتبه إليها المقيدون بالمحافظة ، ويعبر لمحطات لا تلتفت للماضي إلا من خلال مرآة السياقة للتعرف على إمكانية التجاور
ـ القارئ الفطن يهتدي إلى ما لا ينقال ، فالحياة هي ما يكمن و يسرّ ما لا ينفضح و يظهر. الحقيقة هي ما لا ينقال..، الكلام قناع طامس ، ما يقال هو طريق فقط إلى ما نريد قوله هو في حقل البياض بياض..لقد قلت هذا الكلام في الكلمة التي ألقيت في حفل تكريمك الذي نظمته الرابطة المغربية للزجل يوم 19 – 12 – 2000 ..، هل وجدت القارئ الفطن ..وهل وصلت إلى حقل البياض ..، بمعنى آخر هل ارتويت من الشعر الصافي؟
القارئ الفطن هو المغتني بالمعارف والمطلع على منتوجات فنيىة ومعرفية وتاريخية وسياسية ويجعل من خطته المكتسبة مفتاحاً لولوج أي نص مرئي أو مكتوب أو مقروء ، ليعوض في تضاريسه وتفاصيله. وبفضل الدراسات الجامعية الرصينة تمكنا وفزنا بمقاربات أكاديمية نبيهة وتفاعلٍ لقراءٍ يفككون النص بمرجعيات ثقافية واعية ومتحررة من عبء الترديد والإشادة البلهاء بالماضي. والسابح في الخسارات ، السابح ضد التيار يعرف ويتوقع الخسارات وعنف المحافظة . إني مقتنع ، ليس بالصدفة أو الاندفاع العاطفي ، مقتنع في الحياة والكتابة بالحداثة ، وفيٌّ لنفسي ،لأصدقائي ، لأساتذتي ، لمن تعلمت منهم التحليق والتمرد ، لم ألج فضاء التجديد من فراغ لأكتب الهذيان ، علمني أساتذتي في الجامعة والكتاب الذين كنت أقرأ لهم، ميولاتي اليسارية ربتني واخترت استقلاليتي وأنا في عز الانخراط الحزبي كما علمني أستاذي محمد برادة . وحاليا لست منشغلاً برضى المشرق ، القارئ المبدع يكتشف أسرار صنعة الكاتب ويتفاعل معها ولو سرا، وتلك صلاة نحمينا من الغوغائية وتمنحنا طاقة اعتناق الشعر وطقوسه .
ـ القارئ الفطن يهتدي إلى ما لا ينقال ، فالحياة هي ما يكمن و يسرّ ما لا ينفضح و يظهر. الحقيقة هي ما لا ينقال..، الكلام قناع طامس ، ما يقال هو طريق فقط إلى ما نريد قوله هو في حقل البياض بياض..لقد قلت هذا الكلام في الكلمة التي ألقيت في حفل تكريمك الذي نظمته الرابطة المغربية للزجل يوم 19 – 12 – 2000 ..، هل وجدت القارئ الفطن ..وهل وصلت إلى حقل البياض ..، بمعنى آخر هل ارتويت من الشعر الصافي؟
ـ في الكلمة نفسها قلت ما يلي :
” الشاعر يسعى إلى اللغة الملتبسة ليخلخل الساكن ، هو سمكة تبدع ماءها لتسبح فيه . وإذا ما كان الماء راكدا سيتعفـّن… هذه قناعتي ولا تلزم أحدا “
إلى أيّ مدى مازلت مقتنعا بهذه الفكرة قد مرّ عليها قرابة ربع قرن من الزمن ..وتخطّاها جيش من المرتزقة والدمى المتحركة؟ .
ـ في الكلمة نفسها قلت ما يلي :
” الشاعر يسعى إلى اللغة الملتبسة ليخلخل الساكن ، هو سمكة تبدع ماءها لتسبح فيه . وإذا ما كان الماء راكدا سيتعفـّن… هذه قناعتي ولا تلزم أحدا “
إلى أيّ مدى مازلت مقتنعا بهذه الفكرة قد مرّ عليها قرابة ربع قرن من الزمن ..وتخطّاها جيش من المرتزقة والدمى المتحركة؟ .
إذا لم تلسعني الدهشة أمزق ما خربشت، إذا لم تربكني الصورة قبل أن أنجزها وأخجل من قصوري في الفعل الشعري ، الصورة و اللغة ما لأسعى إلى اقتناصه وسط هيامي بمغريات النص الموهوم أصبحت أفكر في كتابة وكأنني أنجز سيناريو قبل الشروع في الكتابة ، لست من الذين يولدون النص من بيت وَرَدَ عفو الخاطر و أسذ منه نصاً
ـ كيف ترى المشهد المغربي في الزجل وفي الشعر الفصيح..؟ وهل يقف خلفك شبّان وطاقات زجلية شعرية ..قادرون على حمل المشعل ؟
في المشهد الزجلي أصوات جديدة تتجاوز مرحلة القنطرة بحكم ثقافتهم المتنوعة والاطلاع على منتوجات الغير في السينما و المسرح والموسيقى والرواية ، وليسوا أسرى الشفوي الموروث إلا عشقاً ، بدؤوا يؤسسون لصيغ إبداعية منتسبة للإبداع الإنساني غير متوهمة في جدارة الانغلاق المحلي . هم متجاوزون للمحتفلين بالإبداع الشعبي الصارخ بدون خلقية ثقافية ….. أنا منحاز للمبدعين الجدد و أعتبر نفسي في سفينة إبداعهم ..
ـ ما جديدك ؟ هل تعدّ شيئا ..بمعنى آخر : هل سنقرأ لك شيئا في المسقبل القريب؟
صدر لي مؤخرا ” جزيرة في السما ” اشتغلت فيه على العابر والزائل من خلال عشق مستحيل بين الظل والسحابة , وقبله صدر ” بلا عنوان مسافر “