أخبار

حق الطفل في الجنسية بين التشريع العماني والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل

متى تُسحب الجنسية العمانية ومتى تُسقط؟ وكيف تُرد؟
متى تُسحب الجنسية العمانية ومتى تُسقط؟ وكيف تُرد؟ متى تُسحب الجنسية العمانية ومتى تُسقط؟ وكيف تُرد؟

عدوية أحمد المجذوب وهاجر راشد الخضيرية- كلية الحقوق جامعة السلطان قابوس

تضم مرحلة الطفولة السنين الأولى والأهم لنمو الإنسان، وفيها تظهر أهم التطورات الفسيولوجية والنفسية، ويبدأ الطفل بالاستجابة والتأقلم في البيئة المحيطة به، والأطفال هم أساس المجتمعات، وجيل المستقبل القادم، الذي يجب الاهتمام به، وكفالة كل ما يضمن نموه في بيئة آمنة وسليمة؛ ليكون جيلاً منتجاً مستقبلاً، لذلك فإن من حق الطفل أن يكون تحت رعاية الدولة التي ينتمي إليها، ويتمتع بجنسيتها، فإذا كان الإنسان يتمتع بأهلية الوجوب الكاملة، والحق في الشخصية القانونية منذ ولادته حيًا، فإن حقه في الجنسية لا يقل أهمية عن ذلك، وهو ما أكدت عليه المواثيق الدولية، خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

ويلاحظ أن الطفل قد يولد بدون جنسية إذا وُلد على أرض دولة تأخذ بحق الدم، ولا يُعرف أبواه، وقد لا يتيسر تحديد مكان ميلاده عندما يأتي إلى إحدى الدول مهاجرًا، ولذلك يجد نفسه بلا حماية من أية دولة، فلا يحق له المطالبة بحقه في التعليم أو الرعاية الطبية، أو حقوقه الأخرى كافة المقررة للمواطن. ولما كانت قواعد الجنسية هي التي تحدد الصفة الوطنية أو الأجنبية، فإن ثبوت الصفة الأجنبية قد يحرمه العديد من الحقوق، وتزداد الأمور تعقيدًا عندما يكون الطفل معدوم الجنسية، فيصبح أجنبيًا عن كل الشعوب، ومن هنا انضمت سلطنة عُمان إلى الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عام 1996 وإلى بروتوكولات هذه الاتفاقية، والتي أكدت على حق الطفل في الجنسية، ولهذا يتعين علينا إلقاء الضوء على هذه الاتفاقية وأثر انضمام السلطنة إليها على حقوق الطفل، لاسيما حقه في أن تكون له جنسية، ويحظى بحماية دولة معينة، ترعى حقوقه كافة.
تأكيدًا على حرص السلطنة على الحفاظ على حقوق الأطفال داخل أراضيها صدر قانون الطفل العُماني عام 2014، والذي يعد استكمالاً لمشاريع السلطنة نحو الاهتمام بالطفل وحمايته، ويشمل القانون 13 فصلاً و79 مادة، تكفل للطفل حقوقاً متعددة، فالفصل الثاني يُعنى بالحقوق المدنية الشاملة لحقه في الحياة والبقاء والنمو والحق في المشاركة وإبداء الرأي بما لا يتعارض مع النظام والآداب العامة، كما أشار إلى حق الطفل منذ ولادته في الجنسية، وتحدث الفصل الثالث عن حقوقه الصحية الشاملة -قبل الولادة وبعدها -كحقه في الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية بالمجان، كما أكد القانون على حماية الطفل من المخاطر، فحظر على غير الأطباء البشريين والمولدات والقابلات مزاولة مهنة التوليد، وحظر الممارسات التقليدية الضارة بصحة الطفل، تلاه الفصل الرابع المؤكد على الحقوق الاجتماعية المتمثلة في حق الطفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والنفسي والاجتماعي، وحق الأطفال الأيتام ومجهولي الأب أو الأبوين في الرعاية البديلة والضمان الاجتماعي، وأكد الفصل الخامس على حق الطفل في التعليم المجاني في المدارس الحكومية، وحقه في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب، وجعل القانون الفصل السادس متعلقًا بالحقوق الثقافية، وأكد المشرع في الفصل السابع حرصه على حماية الطفل بحظر أشكال الاستغلال والعنف والإساءة كافة، ورتب عقوبات على كل من يعتدي على هذه الحقوق.
ومن أبرز الحقوق التي نص عليها قانون الطفل العُماني واتفاقية حقوق الطفل هي حق الجنسية، فنصت المادة 10 من قانون الطفل على أن “للطفل منذ ولادته الحق في أن تكون له جنسية، وتكفل له الدولة التمتع بهذا الحق وفقا لأحكام قانون تنظيم الجنسية العُمانية”، ونصَّت الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في المادة 7 منها على أن “يسجل الطفل بعد ولادته فورا، ويكون له الحق منذ ولادته في اسم، والحق في اكتساب جنسية” كما أكدت على التزام الدول الأطراف في الحد من ظاهرة انعدام الجنسية لدى الأطفال، وذلك بقولها في المادة ذاتها: “تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقا لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان، ولاسيما حيثما يعتبر الطفل معدوم الجنسية في حال عدم القيام بذلك”، واستجابةً لقانون الطفل واتفاقية حقوق الطفل نصًّ قانون الجنسية العُماني في المادة 11 منه على أنه “يعتبر عُمانيا بصفة أصلية: من ولد في عُمان أو خارجها من أب عُماني، من ولد في عُمان أو خارجها من أم عُمانية وكان أبوه عُمانيا، وأصبح بلا جنسية، من ولد في عُمان أو خارجها من أم أجنبية، وكان أبوه عُمانيا بصفة أصلية، وأصبح بلا جنسية، شريطة أن يكون زواج أبويه قد تم بالموافقة المسبقة من الوزارة، من ولد في عُمان أو خارجها من أم عُمانية، ولم يثبت نسبه شرعا لأب، من ولد في عُمان من أبوين مجهولين”.
وعند سبر أغوار هذه المادة يتضح أن قانون الجنسية العُماني منح الجنسية في حالات عدة تنطوي على محاربة منه لظاهرة انعدام الجنسية لدى الأطفال، فمنح الطفل الجنسية إذا ولد لأب عُماني بصفة أصلية أو كان الأب أجنبياً لحظة ميلاد الطفل كما تم تفعيل دور الأم الاحتياطي في منح الجنسية إذا ولد الطفل من أم عُمانية، ولم ينسب شرعاً لأب، وتم تفعيل دور الإقليم في منح الجنسية، فمنح المشرع الجنسية للطفل الذي يولد في سلطنة عُمان لأبوين مجهولين.



ولكن تثور إشكالية اذا ما ولد الطفل لأبوين كلاهما معدوم الجنسية أو ولد لأم عُمانية وأب معدوم الجنسية، خاصةً أن المشرع العُماني لم يعط الأم حقًا أصليًا في نقل جنسيتها لأطفالها، وفي ذلك مخالفة لمبدأ دستوري، وهو مبدأ المساواة بين الجنسين الذي نُص عليه في المادة 15 من النظام الأساسي للدولة، ولذلك فإن مصير هؤلاء الأطفال أن يكونوا معدومي الجنسية، كما يتعارض هذا – أيضا- مع ما ورد في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي ألزمت الدول الأطراف بمكافحة ظاهرة انعدام الجنسية بين الأطفال، ومع أن المشرع العُماني حارب ظاهرة انعدام الجنسية في حالات عدة، نجده لم ينظم الحالات المذكورة آنفًا.

ولجدير بالذكر أن لجنة حقوق الطفل الدولية ومؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان قد تقدمتا بعدة ملاحظات مختصة بتنفيذ السلطنة لاتفاقية حقوق الطفل، وكان منها أنه ستنشأ حالات انعدام للجنسية لدى الأطفال إذا لم يتم منح المرأة العُمانية الحق في نقل جنسيتها لأبنائها إذا ما ولد طفلها لأب معدوم الجنسية، أو ولد الطفل لأبوين معدومي الجنسية، وأوصت اللجنتان بمنح الحق للمرأة العُمانية في نقل جنسيتها لأبنائها؛ للحد من ظاهرة انعدام الجنسية، وجاء رد السلطنة في تقاريرها الدورية المقدمة إلى لجنة حقوق الطفل أن ذلك سيؤدي لازدواج الجنسية، وفي ذلك مخالفة لتشريعات السلطنة التي تحظر ازدواج الجنسية، وأن للدولة حرية في تشريع مادة جنسيتها.

ونرى أنه لن يوجد ازدواج في الجنسية إذا ما مُنحت الجنسية العُمانية في الحالات التي تؤدي إلى انعدام جنسية الطفل المذكورة أعلاه، فيُفعل دور الأم الاحتياطي في حال الطفل المولود لأم عُمانية وأب معدوم الجنسية، مثل ما فعله المشرع في حال ولادة الطفل لأم عُمانية، ولم يثبت نسبه شرعًا لأب، كما نرى أن يتم تفعيل حق الإقليم إذا ما ولد الطفل في سلطنة عُمان لأبوين معدومي الجنسية مثل ما تم تفعيله في حالة ولادة الطفل في سلطنة عُمان لأبوين مجهولين؛ وذلك محاربة لظاهرة انعدام الجنسية.
ختاماً، مما تقدم يتضح أن هناك علاقة وثيقة بين قانون الطفل وقانون الجنسية، والدليل على ذلك حرص المشرع على اكتساب الطفل لجنسية وقت ولادته في حالات عدة، أبرزها أخذه بحق الإقليم لمنح الجنسية العُمانية للطفل مجهول الأبوين، ولكنه مع ذلك ترك فراغاً قانونياً، فلم ينظم كيفية اكتساب الطفل للجنسية في حال ولادته لأم عُمانية وأب معدوم الجنسية أو لأبوين كلاهما معدوم الجنسية، خاصة أن القانون لا يعطي المرأة حق نقل جنسيتها لأبنائها، وفي ذلك مخالفة لأحكام النظام الأساسي للدولة، لذلك نهيب بالمشرع تعديل قانون الجنسية العُماني، وإجازة نقل جنسية الأم العُمانية لأطفالها المولودين لأب معدوم الجنسية، ومنح الجنسية للأطفال المولودين في السلطنة لأبوين معدومي الجنسية؛ تفعيلا لحق الإقليم، فلا يقبل من المشرع العُماني إغفاله تلك الحالات مع كونه حريصاً كل الحرص على مكافحة ظاهرة انعدام الجنسية، ولذلك يتعين عليه حسب هدف الاتفاقية أن يعمل جاهداً على تفادي مشكلات انعدام الجنسية كافة؛ حرصا على مصلحة الطفل على الإقليم العُماني، واستجابة لما أكدت عليه المواثيق الدولية كافة. وبالتالي نتقرح أن يكون نص المادة 11 من قانون الجنسية العمانية على النحو التالي يعتبر عمانياً بصفة أصلية: 1- ….2 ….. 3……
4 من ولد في عمان أو خارجها من أم عمانية، ولم يثبت نسبه شرعاً لأب أو كان الأب منعدم الجنسية 5- من ولد في عمان من أبوين مجهولين، أو منعدمي الجنسية.


Your Page Title