خاص- أثير
كاتب المقال: الشاعر العربي الكبير أدونيس
نشر الشاعر العربي الكبير أدونيس خلال الفترة الماضية مجموعة من المقالات بصورة حصرية في “أثير”، ونعيد نشرها للقارئ الكريم.
ــ 1 ـــ
أمسِ، كان يُنظَرُ إلى فكرِهِ بِوَصْفهِ أفُقاً ،
واليومَ، يُنظَرُ إليهِ بوصفِهِ نَفَقاً.
ماذا حدثَ لكي يتَغَيَّرَ النّظَر؟
وأينَ الخطأ؟
ـــ 2 ـــ
” ثورات ” العرَب الحديثة، وتحديداً منذ الثّورة في العراق 1958، انتهَت جميعُها بوصفِها ” كَوارِث ” ـــ في تَواطُؤاتٍ خيانيّة، في صراعاتٍ شَرِسةٍ، في انشقاقاتٍ مُثَبِّطةٍ، في اغتيالاتٍ، في انهياراتٍ، في تَراجُعاتٍ …إلخ.
لماذا، وأين الخَطَأ؟
ـــ 3 ـــ
يبدو الفرد في المجتمعات العربيّة شديدَ الافتقار إلى حرّيّة الإرادة، وإلى استقلاليّة الفكر والرّأي، وإلى الحياة بكرامةٍ وانفتاحٍ.
ما سببُ هذا الافتقار؟
ولماذا يتَقَبّلُه العربيُّ راضِخاً، صامِتاً ؟
أهو تقليدٌ ووراثة؟
أم هو قيْدٌ داخليٌّ ــ خارجيّ لا يستطيع أن يُفلِتَ منه؟
ـــ 4 ـــ
” الثّورةُ ” في الممارسة السياسيّة العربيّة ” ثَرْوَةٌ “، وإذاً سلطة، وليست بناءَ مجتَمَعٍ جديد، ومؤسَّساتٍ جديدة،وثقافةٍ جديدة، وإنسانٍ جديد.
لماذا؟
ـــ 5 ـــ
هل يلتقي الحَدْسُ السّياسيّ ـــ الاجتماعيّ عند العرب مع الحَدْس الفلسفيّ عند سبينوزا في قَوْلِه ما خُلاصَتُه: ” جوهَرُ كلِّ شيء هو رغبةُ الانغراسِ في كينونتِه الأصليّة، في ماهيّتِه الأولى “؟
وهذان، كما نعلم جميعاً، يتمثّلان عند العربيّ، في البَداوة والقَبَليّة.
إنْ صحَّ ذلك، فما الذي يسجنُنا، إذاً، أو يغرسُنا أبَدِيّاً في ثقافة البَداوةِ والقبيلة؟
ـــ 6 ـــ
الوحدانيّةُ نقيضُ الاتِّحاد، لأنّها نقيضُ التَّجَزُّؤ. وعليها تنبني رؤيتُنا الرّاهنة للإنسان والعالم.
لماذا، إذاً، يمتلىء عالمُ الوحدانيّة، في كلّ ما يتعلّق بالطّبيعة وما وراءها، بالتّصدُّعات، والانشقاقات، والحروب ؟
ـــ 7 ـــ
” المُعتَقَداتُ ـــ المَذاهِبُ “: يوقِنُ كلٌّ منها بأنّه المعرفةُ المُطْلَقة، والحقيقةُ الأخيرةُ المُطلَقة، وما سواه باطِل. هكذا تضعُ أصحابَها أمامَ نموذجٍ فكريٍّ كامِلٍ ونهائيّ. ولا قيمةَ للإنسان أو الفكر أو الفنّ إلاّ بقدرِ ما يتطابقُ مع هذا النّموذج.
أليسَت الإيديولوجيّة القائمةُ على هذا النّموذج، هي، إذاً، في الممارَسَة، نوعاً من ” العدوان ” على الآخر (المُختَلِف)؟ فهي جوهرِيّاً ” إدانةٌ ” له، فيما هي ” تَبْرِئةٌ ” للذّات. غير أنّها تبرِئةٌ ليست، في العمق، هي أيضاً، إلاّ نوعاً من الإدانة، أخلاقيّاً وإنسانيّاً، في المقام الأوّل.
ألَيسَت ” تبرئةُ ” الذّات و “إدانةُ الآخَر ” قاعدةً راسِخةً في الحياة العربيّة، وفي الثقافة العربيّة، معاً ؟
وها هي الكتابات السّائدة، اليوم: أليسَت ميداناً ضخماً من الاتِّهامات والمُحاكَمات و” الإعدامات “… حتّى أنّنا نكاد أن نرى عياناً كيف يتفجّرُ الدّمُ من الأبجديّة العربيّة، دون توَقُّفٍ أو انقطاع، وفي جميع الاتِّجاهات.
أفَلا يمكن القَوْلُ، انطلاقاً من هذا الواقِع، إنّ العربيَّ يبدو في حياته وكتابته وثقافته، كأنّه يفكّر ويعمل ويحيا بعيداً عن ذاته العميقة، وعن كلّ ما هو حميمٌ وشخصيٌّ خاصٌّ به وحده؟ وأنّ القارىء العربيّ يقرأ لغايةٍ أولى هي أن يتأكّد: هل ما يقرأ يخالِف رأيَه أم يتطابَق معه؟ وكأنّ القراءة ليست إلا نوعاً من الاستطلاع أو من التّجَسُّس.
لماذا؟ لماذا؟
*
*
شرارة
شُرفةٌ ـــ مُفتَرَقْ :
هل نرى ؟ ولماذا
لا نرى غيْرَ وَجْهِ الغَسَقْ ؟
*
نعَم. تتعَدَّدُ عوائقُ الحرّيّة والتّقَدُّم في العالم الإسلاميّ العربيّ.
إنّها أوسعُ من أن تنحَصِرَ في حدود السّلطة.
*
لا تزالُ أطرافُ العالم تتلاقى ـــ
لكن غالِباً، حولَ موائدَ غابَتْ عنها الحقيقة.
ذلك أنّها مأخوذةٌ
بالبحْثِ عن اسمها الذي يتنقّلُ وحيداً ضائعاً في غابات الأبْجَديّة.
*
الحقيقةُ التي ترفضُ هي نفسُها الأسئلةَ عنها وحولَها،
ليست إلاّ جواباً كاذِباً.
*
هيمنةٌ تقنيّةٌ ـــ استهلاكيّة جامِحة.
فقرٌ أخلاقيٌّ إنسانيٌّ مُتَزايِد :
أهذا هو زمنُنا الرّاهِن؟
*
أكادُ أن أميلَ إلى الشكّ في أنّ النّهارَ يُصَدِّقُ يدَه اليُسرى، عندما تقولُ ليده اليُمنى: أنتِ أختي. أو يثِقُ بيده اليُمنى عندما تقول لليُسرى:
نحن ننتمي إلى هيكلٍ عظمِيٍّ واحِد.