أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
تعد العلاقات العمانية المصرية ضاربة في أعماق التاريخ وتمتد لأكثر من 3500 سنة، حيث تاجر العمانيون مع الفراعنة بنفس السلع التي تاجروا بها مع بلاد ما بين النهرين: الفضة والنحاس والأخشاب الثمينة وأشجار المر والصمغ، كما أشارت النصوص الفرعونية إلى أن معاملات المصريين كانت كبيرة مع ظفار (بلاد بونت) بسبب وجود اللبان والصمغ والبخور، بل إن الملكة المصرية حتشبسوت، زارت ظفار في رحلة تاريخية، ويعد النقش الذي وجد على جدران معبد الدير البحري بوادي الملوك تخليداً لتلك الرحلة.
أما في التاريخ المعاصر فقد جمعت بين الطرفين روابط سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة لا يمكن حصرها في هذا التقرير الذي ستسعى “أثير” من خلاله إلى تقديم لمحات مقتضبة من تلك العلاقات.
الزيارات
قام عدد من السلاطين العمانيين في مسقط وزنجبار بزيارة إلى مصر سواء كانت زيارات خاصة إليها، أم زيارتها أثناء مرورهم بها في رحلات دولية أو إقليمية لهم، ومن بين تلك الزيارات زيارة السلطان برغش بن سعيد في مايو 1875 في طريقه إلى بريطانيا لمقابلة الملكة فيكتوريا، حيث نزل بطريقه في ميناء السويس، ومنها إلى الإسماعيلية وبور سعيد، والتقى بالخديوي إسماعيل.
وأثناء زيارته إلى المملكة المتحدة عام 1928، زار السلطان تيمور بن فيصل مصر عندما غادر أوروبا متجهًا إلى الإسكندرية التي وصلها يوم 15 نوفمبر وأقام بها حتى العاشر من ديسمبر للراحة والاستجمام، والتقى في الإسكندرية بابنه طارق الذي كان يبلغ السابعة من عمره والذي أحضر خصيصًا من إسطنبول لرؤية والده، ثم غادر السلطان تيمور مصر إلى بومباي التي وصلها في 10 ديسمبر 1928 ثم أكمل سفره إلى مسقط التي وصلها في 31 ديسمبر 1928.
ومن بين الزيارات كذلك، زيارة السلطان سعيد بن تيمور إلى القاهرة وذلك في 13 أبريل من عام ١٩٤٤، وتعد الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها السلطان إلى مصر بحسب ما ذكره في لقائه مع مجلة ” المصور” المصرية، حيث كان قد سبق له المرور على مصر في طريق عودته من أوروبا.
وقد التقى السلطان سعيد بن تيمور خلال تلك الزيارة بعدد من الشخصيات المصرية المهمة كالملك فاروق الأول ملك مصر والسودان وبلاد النوبه وكردفان، الذي أقام مأدبة كبيرة في قصر عابدين على شرف السلطان سعيد، ودولة مصطفى النحّاس رئيس الوزراء، وشخصيات سياسية أخرى مهمة.
أما في عهد النهضة المباركة، فقد قام السلطان قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه بالعديد من الزيارات إلى جمهورية مصر العربية نظرًا لدورها المحوري المهم، ولثقلها العربي السياسي، ولكونها قبلة العرب وصاحبة التأثير المهم في صناعة القرار العربي، ومن بين تلك الزيارات : الزيارة التي قام بها في ديسمبر من عام 1972 ضمن جولة شملت ليبيا كذلك، والتقى خلالها بالرئيس المصري محمد أنور السادات .
وفي 18 مايو 1977م قام السلطان قابوس بن سعيد بزيارة إلى جمهورية مصر العربية ضمن جولةٍ عربية شملت عددًا من البلدان، حيث استقبله الرئيس محمد أنور السادات، وزار عددًا من المعالم هناك، وتم إجراء مباحثات رسمية بين البلدين.
وفي 9/5/1982، قام السلطان قابوس بزيارة إلى مصر وحرص خلال هذه الزيارة على تفقد قناة السويس، ومر من نفق الشهيد أحمد حمدي، وتفقد بعض المنشآت بمدينة السويس، وحصل على مفتاح السويس هديةً تذكارية.
وفي 27 أبريل 1985 زار جلالة السلطان قابوس بن سعيد جمهورية مصر العربية والتقى خلالها بالرئيس المصري محمد حسني مبارك وبعدد من المسؤولين حيث تناول أثناء لقائهم العديد من القضايا العربية.
وفي 19/5/1989، زار السلطان قابوس الجامع الأزهر الشريف وأدى صلاة الجمعة فيه برفقة الرئيس مبارك، وزار دار الأوبرا المصرية، كما استقل السلطان قابوس مع الرئيس مبارك مترو أنفاق القاهرة الذي كان يعد نقلة نوعية في وسائل المواصلات في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، وأول مترو أنفاق في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وفي 10/7/1996، زار السلطان قابوس مصر للتنسيق مع الرئيس المصري حسني مبارك حول الإعداد للقمة العربية في القاهرة من 21 إلى 23 يوليو 1996، كما التقى الأمين العام للجامعة العربية في ذلك الوقت عصمت عبد المجيد ، وذكر الرئيس حسني مبارك أن السلطان قابوس “في مقدمة الزعماء العرب الذين يؤمنون بجمع الشمل العربي وتصفية الخلافات والارتفاع فوقها بما يحقق المصلحة العربية العليا”، وكانت “تنقية الأجواء العربية” هي محور مباحثات السلطان قابوس مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، وقد حضر تلك القمة عشرون دولة عربية وهي القمة الأولى التي جمعت جميع القادة العرب تقريبا منذ صيف 1990.
وفي 3/2/1999، قام السلطان قابوس بزيارة رسمية لمصر استغرقت عدة أيام أجرى خلالها مشاورات مع الرئيس حسني مبارك في منتجع شرم الشيخ لبحث أهم القضايا العربية كما بحثا تنمية العلاقات بين البلدين وإعطاء دفعة قوية للعلاقات التجارية والاقتصادية إلى المستوى الذي يعكس الإمكانات الحقيقية للبلدين.
كما قام السلطان قابوس بزيارات أخرى رسمية وخاصة مثل زيارته عام 1983، و2005، وغيرها من الزيارات التي دلت على قوة العلاقة ومتانتها بين البلدين الشقيقين.
زيارات مصرية
قام الرؤساء المصريون منذ عام 1970 بعدد من الزيارات إلى سلطنة عمان، ومن بين هذه الزيارات: في 27 فبراير 1976 قام فخامة الرئيس المصري محمد أنور السادات بزيارة سلطنة عمان، حيث حظي باستقبال شعبي كبير، وكان السلطان قابوس بن سعيد على رأس مستقبليه، وقد أجرى الزعيمان مباحثات مثمرة حول مجمل القضايا التي تهم البلدين بصفة خاصة والوضع العربي بشكل عام.
كما قام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك بزيارات عديدة إلى سلطنة عمان من بينها زيارة في عام 1982، وأخرى في عام 1994.
وفي الأول من فبراير 2001 قام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك بزيارة رسمية لسلطنة عمان استغرقت ثلاثة أيام أجرى خلالها مباحثات شاملة مع السلطان قابوس بن سعيد تركزت حول آخر مستجدات الوضع العربي وتطورات عملية السلام في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.
وفي 18/3/2009، قام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بزيارة إلى سلطنة عمان، وقد استقبله السلطان قابوس حيث بحث الزعيمان كافة الأمور التي من شأنها أن تفتح آفاقا جديدة من التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات بالإضافة إلى بحث المستجدات الجارية على الساحتين العربية والدولية.
وفي 4/2/2018 قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة لسلطنة عُمان استقبله خلالها السلطان قابوس بن سعيد وكبار المسؤولين في السلطنة وتُعد هذه الزيارة أول زيارة للرئيس عبد الفتاح السيسي لسلطنة عمان منذ توليه مهام منصبه، وبحث الجانبان سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
مواقف مشتركة
كثيرة هي المواقف الإيجابية والنبيلة من قبل الدولتين تجاه بعضهما البعض، ومن الصعوبة الإلمام بكل تلك المواقف، لكننا سنستعرض بعضًا منها، فأثناء حرب أكتوبر 1973 أطلق السلطان قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه مبادرة تاريخية، حينما أصدر مرسومًا بالتبرع بربع رواتب الموظفين لدعم مصر، مع إرسال بعثتين طبيتين عُمانيتين لـمصر وسوريا، كما قطعت سلطنة عمان النفط عن الولايات المتحدة وهولندا بسبب موقفهما المتحيز تجاه إسرائيل .
وفي 24 نوفمبر 1973، حرص السلطان قابوس بن سعيد على تهنئة الرئيس السادات بعد نصر أكتوبر المجيد، فنزل من طائرته عند وصوله إلى مصر مرتديًا زيه العسكري، واستقبله الرئيس محمد أنور السادات الذي كان مرتديًا زيه العسكري أيضًا. ولعل في ذلك دلالة مهمة على أهمية ذلك النصر المهم للعرب جميعًا، وتثمينًا للدور العسكري المصري والسوري في تحقيق ذلك.
وعندما وقّعت مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل في 9 نوفمبر 1977 وما ترتب عليها من حدوث المقاطعة العربية لمصر، لم يقطع السلطان قابوس بن سعيد علاقته بـمصر بل ظل محافظًا عليها، وصرح السلطان قابوس قائلاً إن مصر لا تقاطع ولا تعزل ولا تموت بسبب موقفها، ودعا الدول العربية إلى العديد من المبادرات التي تهدف إلى لمّ الشمل العربي، ونذكر هنا استشهاد المقدّم خلفان الغمّاري أثناء حادثة المنصّة في في 6 أكتوبر 1981 أثناء الاحتفال السنوي بنصر أكتوبر المجيد.
وفي 18/11/ 1984، ألقى السلطان قابوس خلال الاحتفال بمناسبة العيد الوطني الرابع عشر لسلطنة عمان كلمة تاريخية، قال فيها: “لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس في بناء الكيان والصف العربي، وهي لم تتوانَ يومًا في التضحية من أجله، والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وأنها لجديرة بكل تقدير”.
كما كان السلطان قابوس بن سعيد من أوائل الداعمين لـمكتبة الإسكندرية عند إطلاق مشروع إحيائها بتبرع كبير.
مواقف مصرية
لمصر أيادٍ بيضاء على العديد من الشعوب العربية والإسلامية وبالأخص في مجال التعليم، ومنذ اهتمام سلاطين عمان بتطوير النظام الإداري وبداية ظهور المؤسسات وبالأخص خلال عهد السلطان فيصل بن تركي وابنه السلطان تيمور ومن بعدهم السلطان سعيد، كانت الكفاءات المصرية من أوائل الذين أسهموا في هذا التطوير، فقد عرفت سلطنة عمان عددًا من الموظفين الذين أسهموا في بناء منظومة الجمارك وعملوا بها ومنهم عبد السلام حسين غنّام، وأحمد زكي عبده، وعبد الله أفندي، وشفيق أفندي الدهشوري، محمود محمد مكي، بشارة الطرابلسي.
ولا يمكن أن ننسى إسكندر حنّا الذي عمل مديرا عاما للجمارك السلطانية منذ عام 1923 وحتى 1960 مع بعض الفترات التي انقطع فيها بسبب ظروف سفره، وكان من أكفأ الكوادر الإدارية التي أسهمت في ضبط منظومة الجمارك ووضع القوانين الخاصة بها.
كما أسهمت المطابع المصرية في طباعة العديد من الكتب الفكرية العمانية في مختلف الفنون في الفترة التي لم تكن الظروف مواتية لذلك في عمان قبل عام 1970، كما كانت الصحف المصرية تصل إلى مسقط وزنجبار وتتفاعل مع الشأن العام بهما، بل وجمعت ببعض أصحابها علاقات وطيدة مع سلاطين عمان في مسقط وزنجبار.
وقد تفاعل عدد من العلماء والأدباء العمانيين مع القضايا العربية وكانوا يرسلون بأعمالهم إلى الصحف المصرية لنشرها ومن بينهم أبو مسلم البهلاني، وناصر بن سليمان اللمكي وغيرهم.
وخلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن العشرين وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر قدمت الحكومة المصرية العديد من البعثات الدراسية للطلبة العمانيين من أجل الالتحاق بمدارسها وجامعاتها، وكانت بعثة “ساحل سليم” نهاية الخمسينات والتي ضمت عددًا من الطلبة العمانيين من بينهم أحمد عبدالنبي مكي، وعبدالله سعيد عبدالله البلوشي، ونوري علي أحمد وغيرهم من ضمن تلك البعثات التي دلت على حرص الحكومة المصرية من أجل أن ينال طلبة عمان فرصة التعليم قبل التحاقهم بالجامعات المصرية التي ضمت حينها العديد من الطلبة العمانيين.
ومع بداية عهد النهضة المباركة كان لمصر مواقف إيجابية في دعم النهضة وتقديم الإمكانات المتاحة، فقد قامت جريدة (الجمهورية) القاهرية في عددها الصادر بتاريخ 19 فبراير 1971 بأول تحقيق صحفي لها من داخل عمان تضمن معلومات مهمة عن قيام العهد الجديد وخطوات الإصلاح والتغيير التي يقوم بها جلالة السلطان المعظم في جميع مجالات التنمية بالبلاد. ونقلت مشاعر المواطنين وفرحتهم بالحلم الذي تحقق.
وفي أبريل 1971 زار مبعوث الرئيس المصري أنور السادات، الدكتور حسن صبري الخولي سلطنة عمان والتقى بالسلطان قابوس بن سعيد وعدد من المسؤولين، وأشاد بالنقلة الحضارية الكبرى التي شهدتها سلطنة عمان بقيادة جلالة السلطان قابوس، وألقى كلمة في نادي عمان تحدث فيها عن الأدوار التاريخية البطولية لأهل عمان، وعن تفاؤله بالمستقبل المشرق التي ينتظر عمان.
وفي أغسطس 1971 اتفقت وزارة التربية والتعليم مع الوفد المصري المكون من الأستاذين إبراهيم غندور ويوسف عزالدين على انتداب أربعين مدرسا ومدرسة من جمهورية مصر للعمل في سلطنة عمان كأول وفد تربوي يسهم في حاضر التعليم العماني في عصر النهضة المباركة.
وفي مارس 1972 قام وفد صحفي مصري يمثل دار أخبار اليوم ومجلة الإذاعة والتليفزيون بزيارة سلطنة عمان للاطلاع على معالم النهضة الحديثة في البلاد وقام الوفد بجولات في المناطق العمانية وأجرى لقاءات مع المسؤولين.
وفي أكتوبر 1972 وصلت إلى البلاد بعثة علماء الأزهر الشريف لإلقاء محاضرات دينية بمساجد السلطنة إحياء لليالي شهر رمضان المبارك ، وقد أشادت البعثة بالخطوات الوثابة التي تخطتها عمان على طريق التقدم والرقي .
وقد اُطلق اسم السلطان قابوس على أحد الشوارع الرئيسية بمدينة شرم الشيخ التي كان يقضي بها إجازته أحيانًا، وكان له فيها قصر خاص.
العلاقات الدبلوماسية الحديثة
تعد جمهورية مصر من أوائل الدول التي اهتمت سلطنة عمان بوجود علاقات دبلوماسية معها نظرًا لأهميتها وثقلها السياسي العربي، ففي أبريل 1972 قدم الشيخ سعود بن علي الخليلي أوراق اعتماده كأول سفير لسلطنة عمان لدى جمهورية مصر العربية إلى السيد حسين الشافعي نائب الرئيس المصري.
وفي 28 أكتوبر 1972 قدّم سعادة السفير المصري حسن علي حسن سالم أوراق اعتماده إلى جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – كسفير لجمهورية مصر العربية لدى سلطنة عمان.
ومنذ ذلك العام وحتى الآن – أي خلال خمسين عامًا- توالي العديد من السفراء من الطرفين والذين قدموا الكثير من الأعمال والجهود من أجل دعم العلاقات المشتركة، وتعزيز روابط الأخوّة، وتنسيق المواقف المشتركة، وتبادل الخبرات المتنوعة.
المراجع
- البلوشي، صالح. صفحات من حياة السلطان تيمور بن فيصل، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 2018
- الهيئة العامة المصرية للاستعلامات. العلاقات المصرية العمانية، https://sis.gov.eg/section/125/136?lang=ar
- مجلة العقيدة. عدة أعداد، دار العقيدة، مسقط، سلطنة عمان.
- ذاكرة الوطن. https://sis.gov.eg/section/125/136?lang=ar
- أعداد مختلفة من جريدة عمان خلال الفترة من نوفمبر 1972 وحتى مارس 1977.
- أعداد مختلفة من جريدة الأهرام المصرية خلال السبعينات والثمانيات من القرن العشرين.
- الصور من شبكة المعلومات العالمية وأعداد الصحف التي تم الرجوع إليها.
https://sis.gov.eg/section/125/136?lang=ar
https://sis.gov.eg/section/125/136?lang=ar