مسقط-أثير
إعداد: د. راشد بن حمود بن أحمد النظيري، كلية الحقوق، جامعة السلطان قابوس
يجب على البائع أن يُبين العيب في المبيع، وإلا كان غاشا مدلسا ملحق الضرر بالمشتري، كما أن حقيقة الرضا قد تكون متوقفة على سلامة المبيع من العيوب، فإذا وجد العيب اختل الرضا، وضابط العيب المؤثر: ما ينقص من قيمة المعقود عليه عادة، يقول الإمام السالمي – رحمه الله:
والعيب شيء ينقصنَّ الثمنا فيلــزم البائع أن يُبينا
إن لم يُبينْه يكــون غشا وهو يمش البركات مشا
ويقول سماحة السيخ الخليلي في سؤال أهل الذكر: ((إن كانت بها- أي السلعة- عيب فإنه لابد من أن يحدد ذلك العيب سواء كان هذا العيب حالا .. أي حاضرا، أو كان هذا العيب مستقبلا بحيث يمكن أن يطرأ ولو بعد وقت من بداية الاستعمال، فإن العيوب يجب أن تشخص وتبين، وإلا كان ذلك غررا، وبيع الغرر منهي عنه)).
وإن كان العيب لا ينقص من قيمة المعقود عليه، ويتسامح فيه عادة فإنه لا يعد عيبا مؤثرا في أحكام العقد، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان، يقول الإمام السالمي:
وكل مالا تسمــح القلـــوب بأخـــذه فذلك المعيوب
وكــل ما الناس به تسامحـوا فليس عيبا إذ به التسامـح
والحكم يجري فيه مجرى الأغلب من عادة الناس لدى التغلب
ويقول سماحة الشيخ الخليلي: ((إذا كان العيب عيبا خفيفا يسيرا، والناس يتغاضون عنه، ويتساهلون فيه فلا حرج في ذلك، أما إن كان عيبا يؤدي إلى الغَبْن فلا ريب أن مثل هذا العيب يُمكَّن المشتري من فسخ البيع)).
وفي قانون المعاملات المدنية العُماني نصَّت المادة 401 على أنه «لا يضمن البائع عيبا جرى العرف على التسامح فيه».
ويترتب على وجود العيب المؤثر في المبيع وقت العقد أو التسليم(القبض)- وكان خفيا(وهو الذي لا يعرف بمشاهدة ظاهر المبيع، أو لا يتبينه الشخص العادي، أو لا يكشفه غير خبير، أو لا يظهر إلا بالتجربة (المادة 513/4 من القانون المدني الأردني))، ولم يعلم به المشتري، ولم يرض به بعد الاطلاع عليه- ثبوت الخيار للمشتري، فيكون له حق فسخ العقد أو إمضائه، يقول الإمام السالمي- رحمه الله:
والنقض للشـاري إذا رآه يثبت بالعيب الذي أخفاه
ولو تبرَّى من جميع العيب فالنقض ثابت بدون ريب
:
لو أنه بيَّـــن ذاك العيبا لما اشتـراه وأزال الريبا
وفي المادة 150 من قانون المعاملات المدنية العُماني: «لمن يثبت له خيار العيب الحق في طلب فسخ العقد برد المعقود عليه، واسترداد ما دفع… »، وفي المادة 403/1: «إذا ظهر في المبيع عيب قديم كان المشتري مخيرا إن شاء رده أو قبله بالثمن المسمى».
وقيل: للمشتري أن يأخذ أرش العيب مع إبقاء البيع، إذا لم يترتب على أخذ الأرش ربا كما لو باع 50 كيلو تمرا بـ50 كيلو تمرا ثم تبين أن عيبا في أحدهما، فلو أخذ المشتري أرش العيب لصار العقد عقد ربا فضل، ولذلك ليس أمام من ثبت له الخيار إلا فسخ العقد أو إمضائه.
وعلل الإمام الكاساني ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، فقال: ((لأن حق الرجوع بالنقصان كالخلف عن الرد، والقدرة على الأصل تمنع المصير إلى الخُلْف))، وفي المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني: ((لأن البائع لم يرض بزوال المبيع عن ملكه بأقل من الثمن المُسمى، فيتضرر بنقصان هذا الثمن، ودفع الضرر عن المشتري مُمكن برده للمبيع)).
ولذلك فإن حق الفسخ(الرد) ثابت إلا إذا هلك المبيع بعد القبض أو تصرف فيه المشتري بما يخرجه عن حقيقته -كأن يخيط الثوب قميصا أو يصنع من الحديد سيفا – فهو في حكم الهلاك، أو حدث نقصان في المعقود عليه بعد القبض أو قبله بفعل المشتري، أو أحدث المشتري في المعقود عليه زيادة لا تقبل الانفصال وغير متولدة من الأصل كالصبغ والبناء والغرس(قبل القبض أو بعده)، أو زاد المعقود عليه زيادة منفصلة متولدة عنه بعد القبض كالثمرة والولد واللبن فإن فللمشتري قيمة النقصان(أرش العيب: الفرق بين ثمن السلعة وقيمتها الحقيقية)، وسبب سقوط حق الفسخ(حق الرد) تعذر الرد لفوات محل الرد أو لأن المحل لم يعد كما تسلمه المشتري، والواجب على المشتري رده كما تسلمه، ووجب أرش النقصان على البائع من أجل إزالة الضرر الحاصل على المشتري، وأما إن كانت الزيادة متصلة متولدة من الأصل كالكبر والسمن والجمال فلا تمنع الرد (قبل القبض أو بعده)؛ لأنها تابعة للأصل أو كانت الزيادة غير متصلة(منفصلة) وغير متولدة من الأصل كالغلة والكسب فإن حق الفسخ ثابت(قبل القبض أو بعده)، فلا تمنع الرد، أو كانت الزيادة منفصلة ومتولدة عن الأصل قبل القبض فإن الرد لا يمتنع، وتُرد الزيادة حتى لا يكون هناك ربح ما لم يُضمن، نصت على ذلك المادة 406 من قانون المعاملات المدنية العماني: «إذا هلك المبيع المعيب بعيب قديم في يد المشتري أو استهلكه قبل علمه بالعيب رجع على البائع بنقصان العيب من الثمن»، وفي المادة 151: «1. يمتنع رد المعقود عليه، ويكون لمن له خيار العيب الرجوع بنقصان القيمة بسبب هذا العيب إذا حدث نقصان في المعقود عليه بعد القبض أو قبل القبض بفعل من له الخيار أو إذا أحدث من له الخيار زيادة في المعقود عليه لا تقبل الانفصال أو إذا زاد المعقود عليه زيادة منفصلة متولدة عنده بعد القبض.
- لا يمنع هلاك المعقود عليه بعد القبض من ضمان العيب».
ونصت المادة 408 على:
«1. إذا حدث في المبيع زيادة مانعة من الرد ثم ظهر للمشتري عيب قديم فيه فإنه يرجع على البائع بنقصان العيب، وليس للبائع الحق في استرداد المبيع.
- الزيادة المانعة هي كل شيء من مال المشتري يتصل بالمبيع اتصالا لا يقبل الانفصال».
جاء في المادة 349 من مجلة الأحكام العدلية: «الزيادة وهي ضم شيء من مال المشتري وعلاوته إلى المبيع تكون مانعا من الرد مثلا ضم الخيط والصبغ إلى الثوب بالخياطة والصباغة، وغرس الشجر في الأرض من جانب المشتري مانع للرد»، أما لو كانت الزيادة لا تقبل الانفصال، وكانت متولدة من الأصل فإنها لا تمنع من الرد – كما تقدم.
وخلاصة الزيادة الحاصلة في المبيع (ينظر: الكاساني، بدائع الصنائع):
أولا: الزيادة قبل القبض.
- متصلة.
- متولدة من الأصل كالجمال والكبر والسن: لا تمنع الرد؛ لأنها تابع.
- غير متولدة من الأصل كالصبغ والبناء: تمنع الرد؛ لأنها غير تابعة، وللمشتري أرش النقصان.
- منفصلة.
- متولدة من الأصل كالولد والثمرة واللبن: لا تمنع الرد، فالمشتري مخير بين رد الجميع أو إمضاء الجميع بكل الثمن.
- غير متولدة من الأصل كالغلة والكسب: لا تمنع الرد، والزيادة للبائع، ولا تصح للمشتري؛ لأنها ربح ما لم يُضمن.
ثانيا: بعد القبض.
- متصلة.
- متولدة من الأصل: لا تمنع الرد؛ لأنها تابعة.
- غير متولدة من الأصل: تمنع الرد، وللمشتري أرش النقصان.
- متولدة من الأصل: لا تمنع الرد؛ لأنها تابعة.
- غير متولدة من الأصل: تمنع الرد، وللمشتري أرش النقصان.
- منفصلة.
- متولدة من الأصل: تمنع الرد؛ لأن الزيادة مبيعة تبعا، ورد الأصل دون الزيادة ربا، ورد الأصل مع الزيادة يُعد ربح ما لم يضمن؛ إذ الزيادة حصلت في ضمان المشتري.
- غير متولدة من الأصل: لا تمنع الرد، ويرد الأصل دون الزيادة؛ لأن الزيادة ليست مبيعة.
وإذا حدث عيب جديد(حادث) في المعقود عليه بعد القبض- بفعل البائع أو المشتري أو الأجنبي أو المعقود عليه نفسه أو بآفة سماوية(علي حيدر، درر الحكام)- فليس للمشتري حق الفسخ بالعيب القديم؛ لأن المعقود عليه لم يعد كما تسلمه، ودفعا للضرر عن البائع، ولا يزال الضرر بالضرر، وثبت للمشتري أرش العيب إلا إذا رضي البائع بالرد، ورد في المادة 407: «1. إذا حدث في المبيع لدى المشتري عيب جديد فليس له أن يرده بالعيب القديم، وإنما له مطالبة البائع بنقصان الثمن ما لم يرض البائع بأخذه على عيبه الجديد.
- إذا زال العيب الحادث عاد للمشتري حق رد المبيع على البائع بالعيب القديم»، وذلك كأن يصاب المبيع بعطل أو مرض ثم يزول عنه، سواء أخذ المشتري أرش العيب أو لا، فإن أخذه لزمه رده(علي حيدر، درر الحكام).
ولا يثبت خيار العيب في كل بيع كان بالمزايدة من قبل السلطات القضائية أو الإدارية، وهو ما قضت به المادة 404: «لا يكون البائع مسؤولا عن العيب القديم في الحالات الآتية»، وذكر منها في الفقرة الثالثة: «إذا جرى البيع بالمزاد العلني من قبل السلطات القضائية أو الإدارية»؛ لأن المصلحة تقتضيه، وذلك منعا من الإجراءات التي يستلزمها فسخ البيع، وما يترتب على ذلك من آثار قد تربك المرفق المنظم للبيع، ثم إن إعادة بيع المزايدة تكلف مصروفات إضافية يتحملها المدين، فيزاد العبء عليه.(صاحب الفتلاوي، ضمان العيوب، ص99).
ولا أجرة على المشتري إن استعمل المبيع المعيب قبل علمه بالبيع ثم رده؛ لأنه لو تلف كان من ضمانه، والغرم بالغنم، والخراج بالضمان، وفي ذلك يقول الإمام السالمي – رحمه الله:
وما عليه أجرة استعماله لأنه الضامن في أحواله
وإنما الخراج بالضمان والبيع كان ثابت الأركان
ولا يحتاج ثبوت خيار العيب إلى نص أو شرط في العقد، لأنه ثابت بحكم الشرع، وهذا الخيار حق ينتقل بعد موت مستحقه(المشتري) إلى ورثته، جاء في المادة 153 من قانون المعاملات المدنية العُماني: «لا يسقط خيار العيب بموت من له الخيار، وينتقل إلى ورثته».
ويثبت خيار العيب على الصحيح على الفور -حسب المعتاد- بعد العلم بالعيب، وقال القانون العماني في المادة 410: «أ. لا تسمع دعوى ضمان العيب بعد انقضاء سنة على تسلم المبيع ما لم يلتزم البائع بالضمان لمدة أطول.
ب. ليس للبائع أن يتمسك بهذه المدة إذا ثبت أن إخفاء العيب كان بغش منه».
وإذا أسقط المشتري خيار العيب (فقال: أسقط حقي في الخيار أو أبطلته)، أو رضي بالعيب صراحة (كأن قال: رضيت بالعيب أو أجزت البيع أو أمضيته)، أو دلالة كأن استعمل المعقود عليه وانتفع به، أو عرضه للبيع، أو أجره، أو رهنه، أو أتلفه- تصرف الملاك- وقد علم بالعيب سقط حقه فلا يثبت له خيار العيب، ولا أرش له، ورد في المادة 152/1: «يسقط خيار العيب بالإسقاط وبالرضا بالعيب بعد العلم به تصريحا أو دلالة كاستعمال المعقود عليه أو التصرف فيه»، وفي المادة 405: «إذا تصرف المشتري في المبيع تصرف المالك بعد اطلاعه على العيب القديم سقط حقه في الخيار».
وإذا أخرجه صاحب الخيار من ملكه بعوض أو غير عوض قبل العلم بالعيب فإن العقد ماض، ويسقط حق الفسخ، ولا يستحق أرش العيب؛ لزوال الضرر، وقد نصَّت على ذلك الفقرة الثانية من المادة 152: «كما يسقط بالتصرف في المعقود عليه قبل العلم بالعيب»، وفي الفقرة الثالثة: «في الحالة المنصوص عليها في الفقرة السابقة يعود الخيار إلى صاحبه إذا عاد المعقود عليه إلى ملكه بغير تصرف منه»، كأن يعود المبيع إلى المشتري الأول بخيار الرؤية أو بخيار الشرط أو بخيار العيب بسبب العيب القديم نفسه؛ لأن الخيار فسخ والفسخ رفع للعقد من أصله فكأنه لم يكن، فلما زال المانع عاد الممنوع، وأما إن عاد إليه بتصرف منه كالشراء فلا؛ لأنه بيع جديد.
وإذا هلاك المبيع قبل القبض بأمر لا يد للمشتري فيه فإن العقد ينفسخ تلقائيا، ويعود الثمن للمشتري إن تسلمه البائع.
هذا، وإذا كان المعقود عليه في عقد البيع عدة أشياء(تعدد محل العقد) ثم ظهر في بعضها عيب قديم فإنه يفرق بين أن يظهر العيب قبل التسليم (القبض) أو بعده، جاء في المادة 409: «1. إذا بيعت أشياء متعددة صفقة واحدة وظهر في بعضها عيب قبل التسليم فالمشتري بالخيار بين قبولها بالثمن المسمى أو ردها كلها.
- إذا بيعت أشياء متعددة صفقة واحدة وظهر في بعضها بعد التسليم عيب قديم، وليس في تفريقها ضرر فللمشتري رد المعيب بحصته من الثمن، وليس له أن يرد الجميع بدون رضا البائع فإن كان في تفريقها ضرر فله أن يرد جميع المبيع أو يقبله بكل الثمن))، وذكرت مجلة الأحكام العدلية مثالا على ذلك في المادة 351 فقالت: «لو اشترى قلنسوتين بأربعين قرشا فظهرت إحداهما معيبة قبل القبض يردهما معا، وإن كان بعد القبض يرد المعيبة وحدها بحصتها من الثمن سالمة ويمسك الثانية بما بقي من الثمن، أما لو اشترى زوجي خف فظهر أحداهما معيبا بعد القبض كان له ردهما معا للبائع وأخذ ثمنهما منه».
والخلاصة(الكاساني، بدائع الصنائع):
المعقود عليه من حيث التعدد على ضربين:
أولا: أن يكون المعقود عليه أشياء متعددة (حقيقة وتقديرا): كالثوبين والدابتين والمكيل والموزون والمعدود في وعاءين أو صبرتين.
ثانيا: أن يكون المعقود عليه أشياء متعددة حقيقة، وشيئا واحدا تقديرا كالنعلين ومصراعي الباب، وكل شيئين لا يمكن الانتفاع بأحدهما فيما وضع له بدون الآخر.
وهنا حالتان إذا ظهر عيب قديم:
- قبض الجميع أو بعضه.
في هذه الحالة المشتري مخير بين رد الجميع أو إمضاء الجميع بكل الثمن، وليس له أن يرد المعيب بحصته من الثمن إلا إذا رضي البائع؛ وذلك لأن الصفقة لم تتم؛ لعدم حصول القبض، فلو هلك المبيع لكان ضمانه على البائع.
- بعد قبض الجميع.
- إذا كان المبيع أشياء متعددة (حقيقة وتقديرا): فللمشتري أن يرد المعيب فقط بحصته من الثمن، وليس له أن يرد الجميع إلا برضا البائع؛ وذلك لأن الصفقة قد تمت، فلزم رفع الضرر عن المشتري، وهو حاصل برد المعيب فقط.
- إذا كان المبيع أشياء متعددة حقيقة، وشيئا واحدا تقديرا: فإن المشتري مخير بين الرضا بالجميع بكل الثمن أو رد الجميع، ولا يحق له رد المعيب فقط إلا إذا رضي البائع؛ لما يترتب على ذلك من إضرار بالبائع بسبب الشركة.
المراجع:
- أبو بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع.
- أحمد بن الخليلي، سؤال أهل الذكر.
- خميس بن سعيد الشقصي، منهج الطالبين وبلاغ الراغبين.
- صاحب عبيد الفتلاوي، ضمان العيوب وتخلف المواصفات في عقود البيع.
- عامر بن علي الشماخي، الإيضاح.
- عبد الله بن حميد السالمي، جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام.
- عبد الله بن محمد بن بركة، الجامع.
- علي حيدر، درر الحكام شرح مجلة الأحكام
- المكتب الفني، المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني.
- منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، كشاف القِناع عن متن الإقناع.