د.بدرية النبهانية تكتب عن الهوية الوطنية ومعركة الوعي

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

مسقط-أثير

إعداد: د.بدرية بنت محمد النبهانية- باحثة في التاريخ

يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الحجرات:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
هذه الآية الكريمة أبرزت الفطرة والصورة التي ينبغي أن تسير بها العلاقات الإنسانية على وجه الأرض، فالاختلاف في النوع بين ذكر وأنثى، الاختلاف بين الشعوب ووجود القبائل كمكون رئيس لها، هو سمة هذه المجتمعات البشرية، وأن عليها مع كل جوانب الاختلاف هذه أن تتعارف وتتآلف وتتعاون مع بعضها لتحقيق الهدف والآية الأسمى من خلق الانسان وهو إعمار الأرض والاستفادة من هذا الاختلاف فيما بينها لتحقيق ذلك. ولهذا نجد عبر التاريخ أن الحضارات البشرية التي بقيت خالدة هي تلك التي انفتحت على غيرها من الشعوب وتواصلت معها، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، ومتى ما اتصلت وتواصلت استفادت وأفادت تطورا وتمددا، أما تلك الحضارات التي حاولت إقصاء الآخر المختلف، وإكراه الأمم والشعوب التي سيطرت عليها على اعتناق أفكارها ومعتقداتها وثقافاتها ما لبثت أن انتهت. كل هذا يقودنا لأخذ العبرة والعظة من التاريخ الإنساني، لصناعة الحاضر والمستقبل.
وفي 20 يوليو من هذا العام احتفل بمقر كلية القيادة والأركان بأكاديمية الدراسات الإستراتيجية والدفاعية بمعسكر بيت الفلج بتخريج الدورة الخامسة والثلاثين، ليلفت آمر الكلية العميد ركن أحمد المشيخي الانتباه في كلمته لجوانب مهمة تتعلق بالعلاقات الدولية اليوم، فمن تأكيده لأهمية بناء وتأهيل العنصر البشري ليكون قادرا على التعامل مع التحديات، ختم كلمته مؤكدا أن العالم اليوم يشهد تحديا أكبر فيما يتعلق بالحفاظ على الهويات الوطنية، هذه الهوية التي تشمل اللغة والتاريخ والدين، وقد لعبت وسائل الإعلام الإلكترونية اليوم دورها الأبرز في تشكيك الشعوب والمجتمعات في رواسخها من التاريخ ورموزه، وتطرح هذه الأفكار لا للنقاش العلمي الجاد وإنما بغرض الاستنقاص وتقزيم تاريخها وأدوارها.
وكان باني نهضة عمان الحديثة المغفور له السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- يدرك ذلك، فنجده في كل مرة يوجه خطابا للأمة العمانية يؤكد مرارا وتكرارا أهمية الحفاظ على الهوية والثقافة العمانية، حيث يقول:” من المعروف، وهذه كلمة تقال دائما ولا بأس بأن الذي ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل، وأن من نسى تراثه وتاريخه لا بد أن ينساه الناس، يصبح كالإنسان الذي لا يعرف أبويه ويصبح مشردا لا أحد يعرف شيئا عنه ولا أحد يعرف أصله ويكون – كما نقول – طفيليا-. ومن هذا المنطلق كان اهتمامي أنا الشخصي واهتمام حكومة السلطنة وأيضا اهتمام الشعب العماني ككل بتراثه وتقاليده فهو ينظر إلى ماضيه ليستمد منه مستقبله، حاضره يعيشه، لكن القصد هما جناح الغابر وجناح المستقبل”.
وهذا ما أكد عليه صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- في خطاباته السامية، حيث يقول في أحدها: ” ونُهِيبُ بأبنائنا وبناتنا التمسُّك بالمبادئ والقِيَم، التي كانت وستظل ركائز تاريخنا المجيد، فَلْنَعْتزّ بهُويتنا وجوهر شخصيتنا، ولنَنْفَتِحْ على العالمِ، في توازن ووضوحٍ، ونتفاعل معه بإيجابية، لا تُفْقِدُنا أصالتنا ولا تُنسينا هويتنا”.
إن المرحلة القادمة والأهم في بناء الانسان ترتبط ارتباطا قويا بتسليحه بتراثه وثقافته وتاريخه، عبر مؤسسات التعليم وتربية الناشئة أولا وأخيرا، لأن تيارات حرب الوعي التي نعيشها اليوم ليست بالسهلة، ولا يمكن التصدي إليها إلا بتعزيز الهوية بأسلوب حضاري علمي معاصر، فحرب الفكر والوعي اليوم تتغطى بغطاءات عده كالمؤسسات الثقافية الكبرى والمعاهد العلمية المشهود لها والمنظمات الخيرية ذات الميزانيات الهائلة والضخمة، وهي تعمل على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها الكثير.




Your Page Title