نتائج الدبلوم العام تؤكد الحاجة لقراءة جديدة لتخصصات سوق العمل

نتائج الدبلوم العام تؤكد الحاجة لقراءة جديدة لتخصصات سوق العمل
نتائج الدبلوم العام تؤكد الحاجة لقراءة جديدة لتخصصات سوق العمل نتائج الدبلوم العام تؤكد الحاجة لقراءة جديدة لتخصصات سوق العمل

مسقط-أثير

إعداد: د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

تطرح نتائج الدبلوم العام الحاجة لقراءة جديدة لمسار خيارات طلبة الدبلوم العام في التخصصات الجامعية ومؤسسات التعليم العالي وعبر التوسع في هذه الخيارات من جهة بما من شأنه فتح المزيد من الفرص للطلبة لاختيار التخصصات التي تناسبهم وإعادة تصحيح المعايير من واقع نتائج الشهادة العامة ودرجات الطلبة والطالبات والنسبة في المواد الدراسية ، بالإضافة إلى إحداث تحول نوعي في تخصصات مؤسسات التعليم العالي والجامعات بحيث تتناغم مع سوق العمل وتتجه إليها فرص التوظيف بشكل أكبر.
إن تحقيق معادلة التكامل والأولويات وإيجاد مزيد من المرونة والديناميكية وفتح الخيارات الأوسع في التخصصات النوعية التي يحتاجها سوق العمل الوطني في السنوات العشر القادمة ثم التقليل من حجم الفاقد الناتج عن إدخال الطلبة في تخصصات لا تتناغم مع خياراتهم أو لا تلبي توقعاتهم، وحالة التكرارية وفاقد العمليات المتكررة التي ما تزال تشهدها بعض التخصصات في ظل وجود تشبع لها في سوق العمل لذلك تعيش حالة من الفجوة نظرا لأن الطلب عليها في القطاع الحكومي والخاص لا يتناغم مع العرض المقدم من الجامعات وحالة التكدس الحاصلة في أعداد وأفواج الخريجين حتى باتت تشكل ورقة ضغط سلبية على مؤسسات التعليم العالي والجامعات في مستوى الثقة التي يمنحها الطلبة والمجتمع وأولياء الأمور لهذه الجامعات، وحالة التراجع التي تشهدها في سلم التقدير الاجتماعي والاعتراف المجتمعي، والصورة السلبية التي بدت تتشكل لدى الطلبة في عدم قدرتها على إيجاد الفرص وصناعة الوظائف وإنتاج الحلول النوعية للمشكلات التي يعيشها الواقع الاجتماعي، نظرا لتدس الخريجين الباحثين عن عمل في ظل ظروف اقتصادية صعبة، والتحديات التي تواجهها برامج التنمية والنقص في الكفاءة البشرية المتخصصة في بعض القطاعات المتجددة والواعدة .
ومعنى ذلك أن قدرة التعليم العالي والجامعات على كسب ثقة الطالب والمجتمع والأسر وولي الأمر والحكومة مرهون في الالتزام بتحقيق مسارات المواءمة والتوسع في الخيارات وإنتاج الفرص ، وامتلاكها زمام المبادرة في الاستجابة للتوقعات وتفهم ما يحصل من تحولات في سوق العمل وما يقابله من هدر متكرر في توجيه الطلبة لتخصصات غير ذات أولوية في قناعاتهم الشخصية وخياراتهم المهنية، مع فرض سلطة الأمر الواقع، الأمر الذي سيكون له أثره السلبي على مستقبل الطلبة وهم في مقاعد الدراسة إذ يبقى الهاجس الوظيفي أحد المشوشات الفكرية التي ترافقهم في دراساتهم خاصة في ظل مشاهداتهم لأفواج الخريجين الباحثين عن عمل رغم مرور عشرات السنوات على بعضهم، وبالتالي فقدان الثقة في التعليم، وهروب الأخير من الالتزامات نحو تحقيق تعلم على الجودة، ونفوق جهد الطالب الذي أصبح يسقط الصورة الذهنية المتولدة على واقع تعلمه، لتظل ترافق حياته الأكاديمية ويعيش فجوة استيعاب التكيف مع التخصص الذي فرض عليه، وبالتالي بما يفرضه ذلك من مزيد من التكامل والتنسيق بين مؤسسات التعليم العالي والجامعات في الوقوف على آلية الاستيعاب والفرص الممنوحة وتبني مداخل أكثر أريحية وعدالة تتيح للطلبة فرص أكبر للحصول على رغباتهم الدراسية وخياراتهم المهنية والاقتراب من سقف توقعاتهم في خيارات القبول لديهم مع الفرز الأول والثاني وغيره، في ظل عدد المقاعد المطروحة للتعليم العالي وجامعة السلطان قابوس وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية وغيرها من مؤسسات التعليم العالي والكليات سواء بنظام المنحة الجزئية أو الكاملة والبعثات، هذا الأمر ينطبق أيضا على مؤسسات التعليم العالي خارج السلطنة.


إن بناء معادلة القوة التي تتيح للطلبة فرص أكبر لالتقاط الأنفاس واستيعاب الصدمات وللوقوف على الأمر وقبول نتائج الفرز الأول والثاني وغيرها يستدعي تفاعلا أكبر يضع اليد على موطن المشكلة وجانب التحدي، وبعمل على تقييم المسار وتصحيح الوضع واستخدام لغة أكثر حوارية متناغمة مع رغبات الطلبة متجاوبة مع خياراتهم، كثيرة الاقتراب من سقف توقعاتهم وطموحاتهم، لضمان أن تكون النتائج متسقة مع الرغبات والقبول يحقق الأولويات، فإن من بين الأمور التي نعتقد بأهمية حضورها في هذا المسار هو كيف يمكن تحقيق ملامح مشرقة يثق فيها مجتمع الطلبة وأولياء الأمور في قدرة التعليم على الحفاظ على توقعاتهم وطموحاتهم، هذا الأمر من شأنه أن يأخذ في الاعتبار أعداد مقاعد الدراسة الممنوحة لطلبة الدبلوم العام للعام الاكاديمي 2022/ 2023 بما يمكن أن يضيفه من استحقاقات سواء على مستوى البعثات أو المنح الداخلية أو الخارجية بالإضافة إلى المقاعد الممنوحة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والاسر ذوي الدخل المحدود، إن استيعاب هذه التوقعات بزيادة عدد المقاعد أو من خلال ترقية الاتجاه نحو تخصصات المرحلة وما تحتاجه مكونات رؤية عمان 2040 من كفاءات وكوادر في مختلف المجالات بالإضافة إلى حضور تخصصات المستقبل كالذكاء الاصطناعي وغيره في هذه المعادلة بما من شأنه أن يعزز من فرص الاستيعاب ومسار الثقة والتفاؤلية لدى المواطن.
أخيرا تبقى مسألة التأكيد على مسار المواءمة باعتبارها المحك الأساسي الذي تقوم عليه عملية الاستيعاب، بحاجة إلى تعزيز المهارات الناعمة وأنسنة التخصصات العلمية والاجتماعية لتشكل مع ما سبق ذكره محطات تحول في سبيل إدارة هذا الملف وإعادة إنتاجه مع التأكيد على مزيد من التكاملية بين مؤسسات التعليم العالي والجامعات الحكومية منها والخاصة من خلال دراسة وتحليل نوعية التخصصات التي تحتاجها متطلبات الرؤية وتستدعيها الأولويات الوطنية، مراعية الظروف والمتغيرات الماثلة في هذا الجانب، والعمل على ضبط سياسات التعليم العالي وتقنين مساراته، للحد من الهدر والتكرارية والفاقد الناتج من تداخل التخصصات وتكدسها وموقع المهارة في هذه المخرجات، بالشكل الذي يضمن توجيهها لصالح المواءمة مع احتياجات سوق العمل، مع رصد مراحل تطور سوق العمل الوطني الحالي والاحتياجات الوطنية المستقبلية من التخصصات الجامعية أخذة في الاعتبار التخصصات ذات القيمة المضافة.


Your Page Title