أثير- مكتب أثير في تونس
حاوره: محمد الهادي الجزيري
عاد لتوّه من سلطنة عُمان بعد عشر سنوات في التدريس لكي يقوم بالعائلة في تونس ..، وتحصلت على اسمه من قبل مفيدة جاب الله مشكورة ..، وحين طلبته واقترحت عليه إجراء الحوار خاص لأثير ..، كان ممتنا وعلى أخلاق عالية ..، استمعوا لمحمد نعيم شوشان وهو يلخّص عقدا من الزمن قضاها في التدريس في صلالة ..، إنّه عفويّ كما الماء ينساب في مجرى له ولَبِقا كأديب ….
– قضيت عشر سنوات بالتدريس في عمان.. والآن عدت إلى تونس.. ، هل تلخص لنا المدة الطويلة نسبيا التي قضيتها في مشرق الشمس ؟
كانت تجربة نوعيّة مثمرة ، مرت بسرعة عدا السنة الأولى التي كنت أعدّ فيها الساعات والدقائق ، ربّما لأني حديث العهد بالغربة عن الأهل والأحبّة ، ولكن بعد أن توطدت علاقتي بفضاءات ظفار وبأهلها صار الوقت مسألة ثانوية ، رغم أنّني مررت بأوقات من الضيق الناتج عن صعوبة الحياة بعيدا عن الوطن.
عشر سنوات حاولت فيها خط اسم بارز في مجال تخصّصي فثابرت لأكون أستاذا مميّزا ، كما حاولت في السنوات الأخيرة الاندماج في الحياة الثقافية فربطت علاقات وطيدة مع أدباء ومثقفي ظفار…

– كيف قدمت إلى عمان.. وهل تأقلمت مع الناس والمناخ.. هل اندمجت في المجتمع واتخذت أصحابا وأهلا ؟
كنت من رواد المكتبة الوطنية بتونس ، وكانت زميلتي زهرة بوعلاق مطلعة على فرص العمل خارج تونس ، فعرضت أن أرافقها إلى الوكالة التونسيّة للتعاون الفني لتقديم ملف التعاون في إحدى دول الخليج ، وبعد أسبوعين تلقيت دعوة لإجراء الاختبارات… كانت رحلتي الأولى إلى السلطنة يوم 5 أكتوبر 2012م ، نزلنا بمسقط ومنها إلى صلالة ومن صلالة إلى الربع الخالي وتحديدا قرية ” كوبوت ” ، كانت رحلة شاقّة لم يهونها إلاّ حسن الاستقبال في المطار أو في المديريّة العامّة للتعليم بظفار وخاصّة مدير مدرسة كوبوت الأستاذ مسلم المهري…
ـ لو تحدثنا عن مشاركتك في ورشة كتابة القصة القصيرة في صلالة.. كيف كانت وهل كنت من ضمن الفاعلين في الورشة.. هل كتبت في مجال القصة القصيرة؟
عندما نتحدّث عن ورشة كتابة القصّة القصيرة في صلالة لابدّ أن نشير إلى أنّ لها الفضل في تنشيط الحياة الثقافية في جنوب السلطنة ، فمن مخرجاتها أدباء وأديبات ذاع صيتهم في السلطنة وخارجها ، أدباء عمانيون وتونسيون ومصريون وأردنيون.. أدباء فازوا بجوائز في كتابة القصّة خليجيّا وعربيّا…
بدأت الورشة عملها سنة 2014 عندما قدم الأديب نصر سامي فالتقى بالأديبة إشراق النهدي ، وولد المشروع الذي التحقت به سنة 2020 بعد أن تعرفت على نصر ، وبعد استقالته ساهمت في تكوين المنتسبين ، كما ساهمت في تدقيق إنتاج الكتّاب لغويا وتركيبيّا ، وكتبت تقديما للمجموعة القصصيّة “شصوري” للكاتبة العمانيّة طفول سالم…

ـ كتبت كثيرا على ما يصدره الأصدقاء وآخر ما نشر لك مقال في الحياة الثقافية بعنوان “السينمائي والأجناسي في رواية العطار لنصر سامي” ونحن نطمع في ملخّص لها.. ماذا قلت فيها وعنها ؟
كانت تيمة الفنون الأدبية وحضورها في النصّ السرديّ رفيقتي منذ سنوات ، وعندما قرأت رواية “العطار” لنصر سامي لاحظت بروز التقنيات السينمائيّة في المتن الحكائيّ ، فرصدت بعض تجليات المونتاج السينمائيّ ، والمتمثّل في اللّقطة والتقطيع والتركيب ، ثمّ بحثت عن حضور عين الكاميرا في الرواية ، كما تبيّنت توظيف الروائيّ لمختلف الأجناس الأدبية فحاولت الحفر عن تداخل التخوم بين الروائي والسيرة الذاتيّة ، والكشف عن الحضور الشعريّ عبر نصوص نصريّة أو مقتبسة أو عبر الطاقة الإيحائيّة والتخيليّة. لنختم بتأكيد انفتاح نصّ نصر سامي على الموروث المروي العربي، وعلى القصّة القصيرة بمفهومها الحديث… وانتهيت إلى أنّ نصّ “العطّار” استفاد من السّمة الإسفنجيّة للجنس الروائيّ ، لتمتزج فيه الفنون والأجناس الأدبيّة ، وليحقّق نزعة الكاتب في التجريب…
– لو أعود بك إلى صلالة.. أيّ المناطق فيها أقرب إلى نفسك؟ وهل تركت فيها ذكريات عزيزة عليك؟
أحببت صلالة بل ظفار ، كما جمعتني بفضاءاتها علاقة عشق ، أعشق المرور بشجر النارجيل في مزارع القرض بعد العصر ، أحب شجر البيذام النابت بين البيوت في الحافة القديمة ، أحبّ سهل إيتين الذي احتضن أغلب سهراتي الليليّة ؛ فهو مكان السمر وتبادل الحديث ، وفي بعض الأحيان فضاء القراءة والكتابة… وبما أنّه تجمعني بالبحر حكاية غرام فقد وجدت في شواطئ ظفار ؛ شاطئ الحافة ، وشاطئ طاقة وصخرته الشهيرة ، وشواطئ حينو بمرباط المعدّة للسباحة والصيد ، وشاطئ المغسيل وشاطئ ريسوت ملاذي…
أمّا إذا حلّ الخريف ضيفا في ظفار فيصير للوديان والعيون الجارية جاذبيّة مختلفة ، فلا عجب أن يتزاحم زوّارها من جميع مناطق الخليج والعالم…
– هل كوّنت فكرة شاملة على الثقافة الظفارية؟ وهذا أمر بديهي بعد عشر سنوات من التدريس والاحتكاك بمثقفيها ، هل ثمة اسم أو علم شدّ انتباهك؟
الجلوس إلى مثقفي وأعلام أي مكان يثري المعارف ، ويجعلك ترسم صورة إجماليّة عن ثقافة البلاد والعباد وتاريخها ، والاطلاع على تاريخ المنطقة يجعلك تفهم أكثر المجتمع وثقافته ، وربّما مساهمتي بمحاضرة عن المجموعة القصصيّة “البطران” للكاتب العمانيّ خالد الشنفري ، وتحقيق كتاب “رخيوت في الذاكرة” ليوسف السعدوني ، وهو كتاب عن تاريخ بندر رخيوت تحت الطبع ، وقراءتي لأعمال جلّ كتاب ظفار بداية بأعمال صديقي محمّد الشحري وصديقتي إشراق النهدي وصولا إلى أعمال المتدربين في الورشة ، كلّ ذلك ساهم في رسم فكرة واضحة عن مثقفيها وثقافتها وتاريخها..، ما طبع في ذاكرتي من أسماء كتبتها في معرض حديثي وأضيف إليها الشاعر والروائي محمد قرطاس ، كما أنّ المثقّف الظفاريّ ليس عمانيّا فقط فنجد من العرب من يسجّل الحضور الفاعل في الحياة الثقافية الظفاريّة مثل نصر سامي مفيدة جاب الله ورحمة البحيري ودلندة الزغيدي وغيرهم من تونس، وإبراهيم عباس من مصر وجلنار زين من الأردن…
– هل ودّعت عُمان؟ ماذا تودّعها الآن؟ ترى ماذا تقول؟
غادرت صلالة ولكنها لم تغادرني.. أحملها في داخلي وبعض المدن عصية على التجاوز.. فقد اخترت منذ سنة أن أستقيل طوعا…، فعائلتي بحاجة لتواجدي معها على أرض الوطن لم يكن قرار الاستقالة والرجوع سهلا كما لم يكن قرار الغربة كما حدثتكم في البداية سهلا ، وكما قال عبد اللّه العتيبي : “أجمل ما في الغربة أنّها تجعل من الغرباء أصدقاء.. وتجعل من الأصدقاء إخوة..” شكرا أصدقائي شكرا إخوتي ، أنا ممتن لمن بكى لغيابي ، ولمن أحسّ بفقدي… شكرا عمان على أعوام لم أر من أهلك إلاّ الخير….