أثير – عبدالرزّاق الربيعي
بوضع حضرة صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- صباح أمس، حجر الأساس لمشروع مجمّع عُمان الثقافي، ومبنى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بموقع المشروع في مرتفعات المطار بمحافظة مسقط، تنفّس الحلم الذي طال انتظاره، لينعش آمال المثقفين التي علقوها على إنشاء هذا المجمع الذي مرّ بظروف عديدة حالت دون خروجه للنور، كان خلالها يُدرس كمخطّط ينتظر الوقت المناسب، ليخرج للملأ، وقد جاء الإعلان ونحن أحوج ما نكون إلى هذا المشروع الكبير الذي من شأنه أن يجمع مفردات الثقافة العمانية تحت سقف شاهق واحد، يلبّي حاجة المثقف العماني، في وقت شهد حراكا ثقافيا على مستوى النتاج الإبداعي، والطباعة، والفعاليّات، والأنشطة التي تحتاج إلى وعاء يجمعها، فبدون ذلك تبقى جهودا مبعثرة تتوزّع بين عدة أماكن، وجهات، فكيف يكون الحال لو كان هذا الوعاء مشروعا أريد له أن يكون صرحا ثقافيا كبيرا، متعدّد الوجوه والأبعاد، والدلالات؟.
والجميل أنّ هذا الصرح يستلهم شموخه من مفردات المعمار العماني، كما مخطّط له، ويجسّدها على مساحة واسعة تبلغ 400 ألف متر مربع، بمرتفعات المطار، ومن المخطّط له أن يضمّ مرافق ثقافية كثيرة، لعلّ من أبرزها إنشاء مبنى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، ومكتبة وطنية، ومسرح وطني، ودور عرض سينمائية، ومرافق تعليمية، وقاعات للفنون التشكيلية، وورش العمل، وأقسام للأطفال، والناشئة، والشباب لمزاولة أنشطتهم الثقافية المختلفة، وكان بالإمكان تحقيق هذا الحلم الذي انطلق عام 1982م ، على أرض الواقع، بشكل مبسّط، ليس مثلما خطط له، غير أنّ أصحاب هذا الحلم رفضوا ذلك، فالأحلام الكبرى عندما تُجزّأ، لأسباب عديدة، تتراجع، وتنطفىء، وتفقد ميزتها، لذا كان لابدّ من تأجيله، حتى تزول الظروف التي حالت دون تجسيده على الواقع، وجاء الوقت المناسب ليظهر بالشكل المناسب ليكون واجهة تليق بالحضارة العمانية، وما قدّمته للبشرية عبر أزمنة سحيقة وعصور بعيدة، فالمجمّعات الثقافيّة من المشاريع التي تعدّ لبنة من لبنات التقدّم الحضاري، ومظهرا من مظاهره، وله انعكاسات على الساحة العربية، وتقوية العلاقات الثقافية مع دول العالم ويغدو جدولا يصبّ في نهر الثقافة العربية الذي يواصل جريانه، مواكبا للأحداث الثقافية التي تجري في المحيط العالمي، ليشكّل قفزة نوعية ترتقي بالعمل الثقافي.
ولأن فكرة المجمعات الثقافية موجودة في دول العالم، ينبغي الاستفادة من التجارب الدولية السابقة بما ينسجم مع التوجهات المرسومة ومراعاة الخصوصية المحلية ليكون منارة ثقافية، ومثل هذه المشاريع الكبيرة، لن ينجز بين ليلة وضحاها، بالطبع، فهذه المجمعات تحتاج إلى سنوات ليتكامل بناء الهيكل، والتجهيزات اللازمة، وإعداد الكوادر، وهي عملية ليست سهلة ولكن ما دام العجلة قد تحركت فالخير قادم وهو خير وفير بإذن الله، والشعلة التي أوقدها المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- وحملها عنه بكل ثقة حضرة جلالة السلطان هيثم بن طارق-حفظه الله ورعاه- ستظلّ متّقدة، تنير للسائرين الطريق.