أثير- مكتب أثير بتونس
قراءة : محمد الهادي الجزيري
لدينا جواهر وأقمار في تاريخنا وحاضرنا ..ما نعتزّ بهم ونفتخر ..، لذلك نخصّص هذه المساحة لهم ونسميها ” قامات مضيئة ” لندخل مدوّنتهم ونوغل في سيرهم الذاتية بقدر ما يسمح المقال ..، إذ أنّنا لن نفرّط في المعلومة الحسنة ولا نبالغ في التفريط ..، هذه المساحة لتكثيف حيوات من كانوا معنا ومن ما يزالوا أحياء بيننا ..، نريدها فسحة في ما خلّفه الكبار من كنوز وما يبثّه فينا شيوخنا وقادتنا من نور ..
نفتتح ” قامات مضيئة ” براحل مؤخّرا عن عراق الثقافة والمجد ، هو حسب الشيخ جعفر الذي وفاه الأجل يوم 11 أبريل 2022 ، وسنخصّص له هذا البياض لنذّكر بما كان منه ومن هذه الحياة ..، وآخر تواصله معها إصدار ” آخر الطريق ” وقد أكرمته وأبنَتْه مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية ..، ونقتطع من كلمتها في صدر الكتاب :
” يتأمل حسب الشيخ جعفر الحياة من موقعه كشاعر رائي يعيد تكوين المفردات ويعطيها صبغة الحضور ويخاطب الوجدان بقصص أقرب ما تكون إلى المشهد الدرامي ولكنّها مكتوبة بمفردات شعرية وليست بوصفيات سرديّة ، وهذا ما يمنح الكتاب قيمة جمالية تُضاف إلى منجزه الشعري الذي أغنى المكتبة العربية وخاصة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ..”

أيها النورس في مقهى المدينةْ
أيها النخل الذي يحمل في الجذر حنينه
وانثر الملح على الجرح القديمْ ”

رسمٌ بريشة العراقي علي المعمار لبورتريه الشاعر..نقتطف منه هذه الفقرة :
” ما أبعد اسمه عن التداول بالمقارنة مع أسماء آخرين عبرت الحدود باكراً ، إنّ شعرية حسب الشيخ جعفر تكمن في تلك النبرة الخافتة التي تشبه صاحبها وحيرته ما بين أمسٍ مثقل بالشجن ، وراهن وضعه في مهبّ الرغبات والشغف ، وشهوة العيش في ما مضى ، فالحياة هي ما عاشه قبلاً لا ما آلت إليه ، مكتفياً بمخزونه المعرفي في إرواء عطشه الجمالي إلى نصّ مركّب ومثقل بالاستعارات وتشبّعه بتجارب الحداثة العالمية ، فكانت ترجمته لمختارات من أشعار بوشكين وماياكوفسكي وآخماتوفا انتباهة نوعية لاحتضان ثقافة الآخر ومزجها في مقترحه البلاغي ، بوصفه شاعراً منشقّاً في المقام الأول ، وأسيراً لهزائم ومنافٍ قادته لاحقاً إلى عزلة طويلة في تأمّل وإعادة تشكيل الخزف السومري المهشّم …”
ومن مجموعته الأخيرة ” آخر الطريق ” اخترنا لكم قصيدة المفتتح ..وهي بعنوان ” أبي ” ولها دلالات كثيرة وأكثر من مغزى ومعنى …

” مات أبي
فانتحبي
أيتّها النخيل والرياحْ
وابكي كما تبكي النسا
أيتّها الحروف في المسا
كان لنا في الصيف ظلا وندى
في الشتا
دفئا أنيسا مؤنسا
كانت له ما مكة المكرمةْ
عباءة ، ومن تراب كربلاءْ
مسبحة ، حجرْ
نشمّ في عبيره
شذى الإمام الطاهر الحسينْ
ونرتدي أجنحة بيضاء كالملائكةْ
تعلو بنا ، تطيرْ
لكننا ونحن في السما
نحسّ بالظما
كما أحسّ الطاهر الحسينْ ”
رحم الله الشاعر العلامة ..وقد عزّى رئيس الوزراء العراقي في إبّانه ، قائلا : ” تلقينا ببالغ الأسى نبأ رحيل الشاعر العراقي الكبير حسب الشيخ جعفر ، كان رحمه الله قامة ثقافية وإنسانية باسقة أمدّ الثقافة العراقية بدفق الفكر الوطني ..” ونحن كذلك نترحم عليه فقد كان
ممّن تربينا على شعره وتبعنا خطاه ..خاصة حين ذهبنا إلى مهرجان المربد في التسعينات من القرن الماضي ..وكانت أياما كالأحلام …