فضاءات

الروائي الأردني جلال برجس يكتب عبر “أثير” عن: القرّاء الجدد

الروائي الأردني جلال برجس يكتب عبر “أثير” عن: القرّاء الجدد
الروائي الأردني جلال برجس يكتب عبر “أثير” عن: القرّاء الجدد الروائي الأردني جلال برجس يكتب عبر “أثير” عن: القرّاء الجدد

أثير- الروائي الأردني جلال برجس

قبل انفجار الثورة المعلوماتية، وعرّابتها وسائل التواصل الحديثة التي غزت العالم بسرعة، لم يكن يتسنى للروائي العربي أن يتلقى رأي القراء بنتاجه الإبداعي بالسهولة التي نجدها اليوم، إلا إذا استُضيف بندوة أو مهرجان له أن يخلق بينه وبينهم حالة من التواصل، وهذا لم يكن متوفرًا بكثرة يحظى بها الوسط الثقافي العربي هذه الأيام. لذا بقي الروائي العربي مرتهنًا لتلك المسافة التي تفصله عن قرائه ردحًا من الزمن، وبقي مرتهنًا لرأي النقاد، والذي بطبيعة الحال ما يزال نخبويًا بما أن الذائقة والوعي العربيين عمومًا، غير مبنيين على ثقافة نقدية عامة. بل وتراجع كثيرًا وكأنه تخلى دوره الأصيل. ولهذا السبب أخذ على كثير من الروائيين العرب أنهم حبيسوا أبراجهم العاجية، من دون الالتفات إلى أن سبل التواصل بمتابعيهم لم تكن متوفرة بالشكل الكافي، خارج المقاهي الثقافية المعدودة على أصابع اليد، والمناسبات الثقافية القليلة. كل هذا يضاف إلى أن وصول وسائل النشر للقراء من كتب ومجلات وصحف وراديو وتلفزيون، بقيت لزمن مقتصرة على فئة معينة من القراء والمتابعين، من غير أن تتحول إلى ميزتها الشعبية، لأسباب اقتصادية وثقافية متعلقة بتلك البيئات الاجتماعية، بل اقتصرت على قطاع جزئي من الطبقة المتوسطة والتي بالطبع لا تشكل كامل المجتمع العربي، بل جزءاً منه.

لكن الحال تبدل فيما يخص هذه المسألة، إذ اكتسبت ثورة الاتصالات، سمة شعبية أكثر مما كنا نتوقع؛ فقد أصبحت أدواتها بيد شريحة كبرى من البشر، من حيث أسعارها، ومحتوياتها، وسبلها الميسرة لامتلاك المعرفة، والمشاركة في بناء المعلومة عالميًا، عبر النشر والحوار والاطلاع. فما عادت الصحف، والمجلات والكتب حكراً على من يستطيع امتلاكها ورقيًا بل أصبحت متاحة بضغطة زر عن طريق أكثر من متصفح عبر الشبكة العنكبوتية العالمية.

ومع انتشار ثقافة الاتصال والتواصل الحديثين، ولد نوع جديد من قراء الرواية الذين صار بإمكانهم الكترونيًا شراء وقراءة ما لا يستطيعون شراءه من نسخ روائية ورقية يرغبون باقتنائها، بالإضافة إلى النسخ المجانية الالكترونية من الكتب المتوفرة في الشبكة العنكبوتية، بما أن قوانين الملكية الفكرية ليست مفعلة بالشكل الكافي الذي يحفظ للكاتب حقوقه. إنهم القراء الذين تسلحوا بسمات جديدة منحتهم القدرة على مراجعة الروايات بعيدًا عن الأسس المتعارف عليها أكاديميًا للنقد، ولو أن بعضهم استلهم شيئًا طفيفًا منها في بعض الأحيان. نمط من القراء يمكنني تسميتهم بالنقاد الفطريين، القادرين على قول ملاحظاتهم إن عثروا على ما يستوجب نقده، وعلى الاحتفاء به إن راق لهم ذلك النتاج الروائي. وقد وجدت هذه الآراء لها العديد من الأمكنة أو المساحات الإلكترونية لنشر ما خلصت إليه من نتائج حيال ما تلقوه من روايات، مثل الموقع الشهير Goodreades المتخصص بتقييم الكتب بمختلف صنوفها الأدبية، والذي تأسس على خيارات الكترونية، مهمة مثل أن يقوم المستخدم بنشر رأيه بكل شفافية في صفحة الكتاب الخاضع للمراجعة وبالتالي تقييمه أما بضعيف أو مقبول أو جيد أو ممتاز. إذ أصبحت هذه الآراء عبارة عن قاعدة بيانات انطباعية مهمة للقارئ الذي يرغب بمعلومات مبدئية حول الكتاب قبل قراءته، وصارت أيضًا كرؤية عامة شكلها مجموع القراء من مختلف البلدان والذائقات القرائية ليستفيد منها الروائي، لتعظيم القيمة الإيجابية في رواياته وليتفادى الأخطاء في أعماله المستقبلية، طبعا من دون الركون إلى تلك الكتابة التي ترتهن إلى ما يريده القارئ، بل المقصود هنا الأخذ بالملاحظات التي يراها صائبة وفي مكانها. ويضاف هذا الموقع الالكتروني إلى كثير من المواقع التي تحيل إلى هكذا مهمة ونتائج، مثل موقع الـ فيس بوك الشهير، الذي جعل الروائي على مقربة من قراءه هابطًا من برجه العاجي الذي إما بقي فيه بإرادته سابقًا، أو تبعًا لانعدام طرائق التواصل بالقارئ، لذلك وعبر هذه القناة الميسرة صار بإمكان القارئ أن يتواصل بالروائيين ويخلق بينه وبينهم حالة من الحوار البناء والذي يخلص إلى نتائج مهمة، أهمها ولادة القارئ المبدع والذي لا يختلف بمستواه عن الكاتب المبدع، ووسائل التواصل الاجتماعي تحفل بعدد لا بأس به من هؤلاء القراء المتميزين والذي بات الروائيون يعهدون إليهم برواياتهم للمراجعة قبل النشر، كون ثقافة النشر العربية لم تتوفر للآن على دور المحرر الأدبي لما ينشر من روايات.

وبالإضافة إلى الموقعين السابقين، برز أكثر من موقع عربي لمراجعة الروايات وللنقاش حولها، الأمر الذي جعل الروائي كمنتج لنصه الإبداعي أمام شريحة كبرى من القراء جعلتها ظروف ثقافية وسياسية واجتماعية عديدة تتخذ موقعها كمقيمة لهذا المنتج بلا أي شكل من أشكال المجاملة و المحاباة التي سادت الساحة النقدية العربية في الاصطفاف وراء كاتب معين، والابتعاد عن كاتب آخر، وبالتالي ما عادت شريحة القراء الجدد هذه ترتهن للرأي الإعلامي المُرَّوج والذي يقف وراء ذيوع كثير من الأعمال الروائية التي صدم بها القارئ على حد رأيه فيما قرأ، بل باتت هذه الشريحة تعتمد أسسها في تقييم ما يصدر من الروايات.

وقد تشكل وعي هذه الفئة المهمة من القراء جراء تلك الفرصة السانحة لقراءة كم هائل من الأعمال الروائية العالمية المهمة، والأعمال الروائية العربية الناجحة، عبر ما أتاحته وسائل الاتصال الحديثة من سبل الكترونية لاقتناء هذه الروايات، ومناقشتها، ليست فقط فيما ذكر من مواقع الكترونية متخصصة بهذا الشأن بل أسسوا أيضًا نوادي للقراءة لا يغامر جميع الروائيين بقبول الدعوة إليها لمناقشة روايته، لما تمتلكه من آراء ربما لا تروق لبعض الروائيين الذين يرون صفة الكمال فيما كتبوا، من دون الالتفات إلى أن ما من عمل روائي إلا ويبقى محط نقاش ومراجعة.

Your Page Title