أثير – د. سعيد السيابي، أكاديمي في جامعة السلطان قابوس
ليس غريبا أن تكون أحلامنا ونحن أطفال بأن نصل إلى السماء بواسطة سلالم من الأرض، وربما كان وجود ظاهرة البرق واحدة من السلالم العكسية التي تهبط من السماء إلى فضاء أرضنا لتنزل منها القوى المتخيلة التي تُطرد من السماء. هكذا هي السلالم وأحلامها التي راودتنا نحن الأطفال وهنا في إصدار الحكم بالجمع والتكثير مرده: لسماعي لهذه الخيالات على لسان أكثر من صديق، عندما كبرنا وأصبحنا نتعلم عن الظواهر الطبيعية ومنشأها والأرض وما تحتويه من تضاريس، وفواصل مكانية يحد بين بعضها حدود. وبالعودة إلى سلالمنا الطفولية ورغباتنا وأحلامنا التي كانت كبيرة وسقفها كان السماء؛ هل البيئة المحفزة على الخيال كانت وهج ذلك التحليق أم إرادة صناعة التغيير بداخلنا كانت كبيرة ولا ترضى بغير المجد لها طموحا؟
السلالم التي عرفناها في عالمنا الواقعي بعد ذلك كانت جامدة وجافة من الحياة، وتصنع من جذوع الأشجار أو الحجارة أو الحبال وتطورت لتكون من الأسمنت ففي مجملها هي أداة مساعدة على الانتقال من مكان إلى آخر ومن مستوى إلى مستوى يفوقه، أو من سطح الأرض إلى النزول داخل ظلمتها وحفرها وآبارها التي كانت تشكل الكثرة في البيئات الزراعية والرعوية، فهذه السلالم كانت جسور عبور وظيفتها تجسير الجوامد من الامتدادات ووضعها في خدمة الوظيفة التي يراد لها أن تكون، ويقوم بتجهيزها العمال المهرة والمحترفون، فهي لا تخلو من دراسة وهندسة ذات قياسات منضبطة مهما كان طول السلم أو قصره فشكلت بوجودها جمالية وانحازت مع ترتيب المكان واستغلال المساحات مع الحجم وكانت وظائفها تختلف من مبنى إلى آخر فبعضها سلالم دفاعية وبعضها يؤدي إلى متاهات كما توجد في القلاع والحصون والبعض الآخر ترتفع للمآذن في المساجد لينادى من فوقها للصلاة.

أما السلالم في الأحلام فهي الشائعة وتأخذ الصعود والنزول ولكل منها تفسيراتها ورموزها ومعانيها فعند ابن سيرين مثلا: رؤية السلم المنتصب في المنام دليل على الصحة ورؤيته موضوعا على الأرض دليل مرض. أما النزول عن السلم لدى الشيخ النابلسي فيدل على خسارة أو فتنة أو رجوع عن الغرور حسب حال الرائي، وتفسير رؤية السلم ينكسر والرائي عليه أن خصمه يظهر عليه وينتصر. ففي كل حركة وشكل للسلم هناك تفسير مختلف وهذه الخيارات الكثيرة واحدة من مطاطية الرمزية التي تحملها قيمة السلالم.
يبقى أن نشير إلى أن حضور السلالم في الآداب والفنون متعدد والإشارات لها تحمل الرمزية بين التوظيف المجسم أو الدلالات والآثار المترتبة عن استخدام السلالم فكما يقول الشاعر مرتضى الشيزري” بقدر الصعود يكون الهبوط فإياك والرتب العالية.. وكن في مكان إذا ما سقطت تقوم ورجلاك في عافية”.
فالسلالم تشكل مسارا لاتجاه يحدد وجوده القصد من عبور درجاته، فإما يحمل صاحبه إلى نهاية سعيدة وفائدة عظيمة وختامها مسك أو ينزل بصاحبه محطما طاقته وربما جسده إذا كان السقوط من السلم مدويا؛ فالحرص كل الحرص على التأني في البناء لسلالم الطموحات والرغبات، لدول كان أو أفراد، فدراسة الخطوة القادمة لوضع القدم على الدرج الصحيح وعدم الاستعجال يعود بالفوائد العميمة والنتائج السديدة والحقائق الجديدة والراحة في بلوغ المراد.