أثير- د.سعيد السيابي، أكاديمي في جامعة السلطان قابوس
خروج المسرح من رحم الجماهير ووسطهم يعد أحد أسرار بقائه من القرن الخامس قبل الميلاد حتى يومنا هذا. والمواكبة والتفاعل اللذان يقوم بهما المسرح تمثل جزءًا من ديمومته وديناميكيته في إيجاد الوعي والتسجيل الحضاري للمنجز الوطني بالإضافة إلى عنصر الترفيه والإبهار التي تقوم بالتفاعل والتزامن مع فلسفة النص ورسالته الواجب قيامه بها فيما يحصل للأمة التي تتأثر سلبا وإيجابا بما يدور داخلها وحولها من حروب وفتن واعتداءات وانتصارات وسلام.
ومن أدوار المسرح أيضا أن يكون سندا للتطور والنهضة والبهجة الذي تعيشه الجماهير، إذ يجعله لسان الحاضر من المنابر الموثوقة والصادقة التي تؤرخ للأحداث الكبيرة. ومن أشهر الأحداث الكبيرة التي شهدتها الأمة العربية في شهر أكتوبر الانتصار في حرب 1973م، والذي تحتفل فيه جمهورية مصر ويحتفل العرب معهم بجهود التضحيات من أصحاب الوطن للذود عن حياض أرضهم وتراب وطنهم وتلقين العدو الغاشم ومن خلفه كل الداعمين الدوليين له بأن فلسفة الحياة العربية التي يتفاعل فيها الجميع مع أي عضو يصيبه مكروه وتقع عليه مظلمة كبيرة، فالجيش المصري ومن خلفه الشعب العظيم المساند كان شاهدا على الوحدة والإخلاص والتفاني والقوة والعزم والإيثار والعمل بروح الجماعة حتى عودة الحقوق والأرض باللغة التي يفهمها العدو، ويخشاها المستهينون بقوتنا الداخلية.
إن التلاحم الفكري والثقافي والفني هو أحد أوجه المقاومة، وفي هذه الإضاءة على نصر 6 أكتوبر أعيد تقليب بعض الملفات التوثيقية والإنجازات المسرحية المصرية تحديدا لنعيد للقراء وهج المسرح ودور الفنون وقوتها الناعمة في وسط الأحداث الوطنية، فهذا الانتصار الذي تحتفل به مصر ويتردد صداه بشكل سنوي في محيطها العربي قدم بمجموعة مشاريع ثقافية وفنية متنوعة، فإلى الجانب التوثيقي المباشر للحرب منذ اندلاعها حتى عام 1979م وجدنا العديد من النصوص المسرحية ذات البعد الفلسفي العميق لما قام به كتاب المسرح من تناول وتحليل وتفكيك للحالة المصرية التي كانت سائدة، فقدمت نصوصًا مسرحية منها: ” أقوى من الزمن ” للكاتب الكبير يوسف السباعي، ومسرحية ” حدث في أكتوبر”: تأليف إسماعيل العادلي، والتي قدمتا في العام 1973م”، وغيرها الكثير.
كما قام المخرجون الكبار في فترة اندلاع الحرب باشتغالاتهم الفنية ومن خلال البحث عن نصوص مناسبة تم اختيار الأفضل والمعبر عن حالة الاصطفاف الوطني والشعبي وتم تقديم مسرحيات على جميع مسارح الدولة المصرية كالمسرح القومي ومسارح الدولة المختلفة في المحافظات، ومن أبرز المخرجين الذين تصدوا لتقديم عروض حضرها حشود من الجماهير المخرج سمير العصفوري وسناء شافع وكرم مطاوع وسعد أردش وغيرهم العديد من المخرجين مع امتداد حالة الحرب والمفاوضات ومن بعدها نتائج السلام واسترداد الأرض الوطنية إلى الثمانيات.
كما أشترك في تمثيل هذه العروض المسرحية نخبة من كبار الممثلين المبدعين في الصف الأول في مصر أمثال محمود ياسين، وسهير المرشدي، وأشرف عبد الغفور، ونبيل الدسوقي وغيرهم. فالفنانون كانوا حاضرين بقوة محبة الجماهير لهم وتفاعلهم بالتمثيل واللقاء الإعلامية بكل أنواعها وكلماتهم في استنهاض الهمم العالية والتخفيف من وقع الصدمة والمواساة لأسر الشهداء وخصوصا كانت ملابس الجيش والعلم المصري حاضر بقوة في المسرحيات وفي جميع الصور الملتقطة لهؤلاء المبدعين.
كذلك كان لمسرح الطفل نصيب من العروض التي تدور أحداثها عن حرب أكتوبر، فعلى سبيل المثال قدم المؤلف والمخرج محمد الخولي مسرحية ” عبور وانتصار” التي تدور أحداثها من نكسة يونيو 1967 إلى العبور والانتصار في حرب أكتوبر 1973م، وهذا الاشتغال والتنوع للمتلقين الصغار يساعد على التذكير بهذه الحرب الكبيرة التي خاضتها مصر، وتقوية وبث قيم الشجاعة والوطنية والانتماء لدى الأطفال والشباب الذين لم يشاهدوا هذه الفترة التاريخية، وهذا الحلم الكبير الذي أنجزته الروح الباسلة والشجاعة بالاستعداد الجيد للقيام بالتخطيط والتنفيذ والتفاوض على استرجاع الحقوق الوطنية.
ما قام به المسرح بمختلف مكوناته ولجميع فئات المجتمع المصري والعربي هي حالة مدعاة للتذكير بها، وإعادة الكتابة عنها، فتوثيق الانتصارات واحد من الرسائل التي يقوم بها المسرح العربي، وعلينا جميعا أن نضع بث المعنويات والروح الوطنية الجامعة في مقدمة مشاريعنا الثقافية والفنية، لتقود بدورها الطموح والأمل الذي نحن في أشد الحالات له، وكما قالت الشاعرة غادة السمان في قصيدتها (أنشودة الفرح) سأتلو آيات التفاؤل وأردد أغنيات الفرح.
