مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
مسقط-أثير
إعداد
:
د. محمد بن حمد العريمي
تعد قصص كفاح الشباب العماني في سبيل نيل العلم من القصص التي ينبغي التوقف عندها؛ نظرًا للمعاناة والتحدي والصعاب التي واجهها هؤلاء الطلبة في سبيل البحث عن العلم والارتقاء بفكرهم ووطنهم.
تعد قصص كفاح الشباب العماني في سبيل نيل العلم من القصص التي ينبغي التوقف عندها
؛
نظرًا للمعاناة والتحدي والصعاب التي واجهها هؤلاء الطلبة في سبيل البحث عن العلم والارتقاء بفكرهم ووطنهم
.
ونظرًا لأن النظام التعليمي في سلطنة عمان كان يتوقف عند الفصل الخامس ثم السادس الابتدائي في المدرسة السعيدية بمسقط والتي كانت تعد أبرز صرح تعليمي في سلطنة عمان حتى عام 1970، فقد كان خريجو تلك المدرسة والمدرستين السعيديتين الأخريين في صلالة ومطرح يتطلعون إلى استكمال دراساتهم بشتّى الطرق خاصةً مع شحّ الوظائف الحكومية المتوافرة وقتها، وكانت بعض الأسر الميسورة ترسل أبناءها إلى بعض المدن مثل بومباي وكراتشي لاستكمال دراستهم.
ونظرًا لأن النظام التعليمي في سلطنة عمان كان يتوقف عند الفصل الخامس ثم السادس الابتدائي في المدرسة السعيدية بمسقط والتي كانت تعد أبرز صرح تعليمي في سلطنة عمان حتى عام 1970، فقد كان خريجو تلك المدرسة والمدرستين السعيديتين الأخريين في صلالة ومطرح يتطلعون إلى استكمال دراساتهم بشتّى الطرق خاصةً مع شحّ الوظائف الحكومية المتوافرة وقتها، وكانت بعض الأسر الميسورة ترسل أبناءها إلى بعض المدن مثل بومباي وكراتشي لاستكمال دراستهم.
وكانت مصر والكويت تقدمان منحًا دراسية للعديد من الطلاب العرب والمسلمين منذ مطلع الخمسينات وخاصة بعد قيام ثورة يوليو 1952 وظهور التوجه القومي العربي لدى حكومة الثورة، لذا فقد التحق الجيل الأول من الطلبة العمانيين بمدارس الكويت عام 1952 وكان يضم أسماء عديدة من بينهم: سالم حسن مكي، وعبد الله سليمان الزدجالي، وماهر سالم العلوي وغيرهم، الذين تواصلوا مع مكتب الأمير عبد الله السالم الصباح أمير الكويت وقتها من أجل السماح لهم بالالتحاق بإحدى مدارس الكويت، ثم توالت الدفعات الطلابية بعد ذلك، والذين حصل بعضهم على فرص مستقبلية لاستكمال دراساتهم الجامعية في عدد من الدول كمصر وسوريا ودول أوروبا الشرقية، والاتحاد السوفييتي، وهذا الجيل أسهم فيما بعد في نهضة عمان بعد عام 1970 حيث تولوا العديد من المناصب بحكم إمكاناتهم الدراسية والعملية قبل عام 1970.
وكانت مصر والكويت تقدمان منحًا دراسية للعديد من الطلاب العرب والمسلمين منذ مطلع الخمسينات وخاصة بعد قيام ثورة يوليو 1952 وظهور التوجه القومي العربي لدى حكومة الثورة، لذا فقد التحق الجيل الأول من الطلبة العمانيين بمدارس الكويت عام 1952 وكان يضم أسماء عديدة من بينهم: سالم حسن مكي، وعبد الله سليمان الزدجالي، وماهر سالم العلوي وغيرهم، الذين تواصلوا مع مكتب الأمير عبد الله السالم الصباح أمير الكويت وقتها من أجل السماح لهم بالالتحاق بإحدى مدارس الكويت، ثم توالت الدفعات الطلابية بعد ذلك، والذين حصل بعضهم على فرص مستقبلية لاستكمال دراساتهم الجامعية في عدد من الدول كمصر وسوريا ودول أوروبا الشرقية، والاتحاد السوفييتي
،
وهذا الجيل أسهم فيما بعد في نهضة عمان بعد عام 1970 حيث تولوا العديد من المناصب بحكم إمكاناتهم الدراسية والعملية قبل عام 1970.
“أثير” تستعرض في هذا التقرير قصة إحدى البعثات التعليمية العمانية في سبيل الحصول على العلم، علمًا بأنه كانت هناك بعثات تعليمية طلابية حكومية خرجت من السلطنة من بينها بعثة بغداد عام 1937، وبعثة غيل باوزير عام 1962، ونقصد بها البعثة التعليمية التي ضمت طلابًا عمانيين وتوجهت إلى قرية ساحل سليم في جمهورية مصر العربية عام 1956.
“أثير” تستعرض في هذا التقرير قصة إحدى البعثات التعليمية العمانية في سبيل الحصول على العلم، علمًا بأنه كانت هناك بعثات تعليمية طلابية حكومية خرجت من السلطنة من بينها بعثة بغداد
عام 1937، وبعثة غيل باوزير عام 1962، ونقصد بها البعثة التعليمية التي ضمت طلابًا عمانيين
وتوجهت إلى قرية ساحل سليم في جمهورية مصر العربية عام 1956.
وقد تكونت البعثة من أربعة طلاب سيقدّر لهم فيما بعد أن يلعبوا أدوارًا إدارية وسياسية مهمة، ويسهموا في بناء نهضة بلدهم من خلال الوظائف التي تقلدوها في المجالات المختلفة، وهم مع حفظ الألقاب الوظيفية: أحمد بن عبد النبي مكي، د. علي بن محمد بن موسى، عبد الله بن سعيد بن عبد الله البلوشي، والمرحوم نوري بن أحمد بن علي الرئيسي.
وقد تكونت البعثة من أربعة طلاب سيقدّر لهم فيما بعد أن يلعبوا أدوارًا إدارية وسياسية مهمة، ويسهموا في بناء نهضة بلدهم من خلال الوظائف التي تقلدوها في المجالات المختلفة، وهم مع حفظ الألقاب الوظيفية
:
أحمد بن عبد النبي مكي، د. علي بن محمد بن موسى، عبد الله بن سعيد بن عبد الله البلوشي، والمرحوم نوري بن أحمد بن علي الرئيسي
.
وقد استمرت البعثة حوالي أربع سنوات دراسية خلال الفترة من 1956 – 1960 حيث غادرها بعد حوالي عامٍ دراسي واحد المرحوم نوري أحمد علي الذي التحق بمدرسة الشويخ الثانوية في العام الدراسي 1957/1958، ثم عاد إلى القاهرة لاستكمال دراسته الجامعية ويلتحق مرة أخرى ببعض رفاق الأمس، بينما ظل الطلبة الثلاثة الآخرون في ساحل سليم لحين حصولهم على الشهادة الثانوية ثم استكملوا دراستهم الجامعية لاحقًا في القاهرة وبغداد وباريس وغيرها، ولعبوا دورًا بارزًا في النشاط الطلابي العماني آنذاك.
وقد استمرت البعثة حوالي أربع سنوات دراسية خلال الفترة من 1956
– 1960
حيث غادرها بعد حوالي عامٍ دراسي واحد المرحوم نوري أحمد علي الذي التحق بمدرسة الشويخ الثانوية في العام الدراسي 1957/1958، ثم عاد إلى القاهرة لاستكمال دراسته الجامعية ويلتحق مرة أخرى ببعض رفاق الأمس، بينما ظل الطلبة الثلاثة الآخرون في ساحل سليم لحين حصولهم على الشهادة الثانوية ثم استكملوا دراستهم الجامعية لاحقًا في القاهرة وبغداد وباريس وغيرها، ولعبوا دورًا بارزًا في النشاط الطلابي العماني آنذاك
.
ولنا أن نتخيل اليوم كيف أن أربعة طلبة عمانيين في سنٍ مبكرة يتركون بلدهم ويستقرون لمدة أربع سنواتٍ في قريةٍ تكاد يكون اسمها مجهولًا بالنسبة لهم تقع وسط صعيد مصر في وقتٍ لم تكن فيه وسائل الاتصال والتواصل كما هي عليه اليوم، ووسط مجتمعٍ يكادون لا يفقهون تفاصيله الدقيقة، كي ندرك ونقدّر تلك التضحيات التي بذلها أولئك الطلبة وغيرهم من طلبة عمان الذين توزعوا بين مدن العالم البعيدة من أجل طلب العلم!
ولنا أن نتخيل اليوم كيف أن أربعة طلبة عمانيين في سنٍ مبكرة يتركون بلدهم ويستقرون لمدة أربع سنواتٍ في قريةٍ تكاد يكون اسمها مجهولًا بالنسبة لهم تقع وسط صعيد مصر في وقتٍ لم تكن فيه وسائل الاتصال والتواصل كما هي عليه اليوم، ووسط مجتمعٍ يكادون لا يفقهون تفاصيله الدقيقة، كي ندرك ونقدّر تلك التضحيات التي بذلها أولئك الطلبة وغيرهم من طلبة عمان الذين توزعوا بين مدن العالم البعيدة من أجل طلب العلم!
وقد اعتمدنا في الحصول على المعلومات والصور المتعلقة ببعثة ساحل سليم على مصدرين مهمين هما: شهادة معالي الوزير المتقاعد أحمد بن عبد النبي مكي الذي قدّم لنا شهادته حول كواليس تلك البعثة وأبرز المحطات المرتبطة بها، وكذلك أرشيف الصور الخاص بأسرة المرحوم نوري بن علي بن أحمد الرئيسي، وهاتان الشخصيتان كانتا من ضمن طلبة البعثة، بالإضافة إلى بعض المعلومات المتناثرة هنا وهناك حول ساحل سليم وما يتعلق بها وأبرز شخصياتها ومعالمها.
وقد اعتمدنا في الحصول على المعلومات والصور المتعلقة ببعثة ساحل سليم على مصدرين مهمين هما: شهادة معالي الوزير المتقاعد أحمد بن عبد النبي مكي الذي قدّم لنا شهادته حول كواليس تلك البعثة وأبرز المحطات المرتبطة بها، وكذلك أرشيف الصور الخاص بأسرة المرحوم نوري بن علي بن أحمد الرئيسي، وهاتان الشخصيتان كانتا من ضمن طلبة البعثة، بالإضافة إلى بعض المعلومات المتناثرة هنا وهناك حول ساحل سليم وما يتعلق بها وأبرز شخصياتها ومعالمها.
كواليس القصة..
كواليس القصة..
يذكر معالي أحمد بن عبد النبي مكي أنهم حصلوا على منح دراسية للدراسة في مصر عن طريق ناظر مدرسة الشويخ الثانوية بالكويت ورئيس البعثة التعليمية المصرية وقتها الأستاذ والمربي الفاضل عبد المجيد مصطفى، حيث إنه أوصى بقبول طلاب عمانيين في مدارس مصر، وبعث بأسمائهم إلى القاهرة.
يذكر معالي أحمد بن عبد النبي مكي أنهم
حصلوا على منح دراسية للدراسة في مصر عن طريق ناظر مدرسة الشويخ الثانوية بالكويت ورئيس البعثة التعليمية المصرية وقتها الأستاذ والمربي الفاضل عبد المجيد مصطفى، حيث إنه أوصى بقبول طلاب عمانيين في مدارس مصر، وبعث بأسمائهم إلى القاهرة
.
ويضيف: “عندما وصلنا إلى القاهرة وكنا قد ذهبنا بالباص إلى سوريا ومنها بالطائرة إلى مصر، توجهنا إلى مجمع التحرير القريب من ميدان التحرير في وسط مدينة القاهرة وكان يضم المكاتب الإدارية المختلفة، وفي الدور الثامن قابلنا رئيس إدارة الطلبة الشرقيين وأخبرناه أننا من عمان وفي صدد الالتحاق بالمدارس المصرية وأن أسماءنا قد أرسلت من الكويت“.
ويضيف
: “
عندما وصلنا إلى القاهرة وكنا قد ذهبنا بالباص إلى سوريا ومنها بالطائرة إلى مصر، توجهنا إلى مجمع التحرير القريب من ميدان التحرير في وسط مدينة القاهرة وكان يضم المكاتب الإدارية المختلفة، وفي الدور الثامن قابلنا رئيس إدارة الطلبة الشرقيين وأخبرناه أننا من عمان وفي صدد الالتحاق بالمدارس المصرية وأن أسماءنا قد أرسلت من الكويت
“.
ويواصل معالي أحمد بن عبد النبي مكي سرده قائلًا: “عندما اطّلع مدير الإدارة على قائمة الأسماء الموجودة لديه وجد أن اسمي غير موجود بالقائمة، وأنه لابد من أن تصله رسالة من قبل الأستاذ عبد المجيد مصطفى تفيد بقبولي وتثبت وجودي مع البقية، وتمت المراسلات التي استغرقت حوالي أسبوعين إلى أن تم إشعار إدارة البعثات بوجودي ضمن القائمة“.
ويواصل معالي أحمد بن عبد النبي مكي سرده قائلًا: “عندما اطّلع مدير الإدارة على قائمة الأسماء الموجودة لديه وجد أن اسمي غير موجود بالقائمة، وأنه لابد من أن تصله رسالة من قبل الأستاذ عبد المجيد مصطفى تفيد بقبولي وتثبت وجودي مع البقية، وتمت المراسلات التي استغرقت حوالي أسبوعين إلى أن تم إشعار إدارة البعثات بوجودي ضمن القائمة
“.


وعن اختيار المدرسة التي سيلتحقون بها يذكر معاليه: ” عندما أتى اختيار المدارس التي سيتم إلحاقنا بها، أخبرونا أن لديهم ثلاثة أقسام داخلية وهي: قسم داخلي ملحق بمدرسة المنصورة لكنه أغلق قبل فترة، وقسم آخر في حلوان لكن لا تتوافر به شواغر في الوقت الحالي، وقسم ثالث في (ساحل سليم) بأسيوط.
وعن اختيار المدرسة التي سيلتحقون بها يذكر معاليه
: ”
عندما أتى اختيار المدارس التي سيتم إلحاقنا بها، أخبرونا أن لديهم ثلاثة أقسام داخلية وهي: قسم داخلي ملحق بمدرسة المنصورة لكنه أغلق قبل فترة، وقسم آخر في حلوان لكن لا تتوافر به شواغر في الوقت الحالي، وقسم ثالث في (ساحل سليم) بأسيوط
.
وكي يتم إغراؤنا بالقبول والذهاب إلى ساحل سليم قيل لنا إنها تقع على البحر لأنهم يعلمون أننا قد أتينا من بلد يطل على البحر، كما قيل لنا كذلك إن أسيوط هي العاصمة الخامسة لمصر، وبالطبع كنا لم نسمع عن هذه المعلومة عدا أننا لم نكن قد سمعنا عن ساحل سليم من الأساس!
وكي يتم إغراؤنا بالقبول والذهاب إلى ساحل سليم قيل لنا إنها تقع على البحر لأنهم يعلمون أننا قد أتينا من بلد يطل على البحر، كما قيل لنا كذلك إن أسيوط هي العاصمة الخامسة لمصر، وبالطبع كنا لم نسمع عن هذه المعلومة عدا أننا لم نكن قد سمعنا عن ساحل سليم من الأساس!
ويضيف: “بعد إنهاء إجراءاتنا تقرر أن نسافر إلى (ساحل سليم) عن طريق القطار، الذي ركبناه ليلًا وكان من النوع الذي ينزل في كل محطة، الأمر الذي أدى إلى تأخر وصولنا حيث وصلنا إلى مدينة أسيوط في الساعة السابعة صباحًا، وكان بمعيّتي المرحوم نوري أحمد علي وعبد الله سعيد البلوشي حيث إن الدكتور علي محمد موسى كان قد سبقنا قبلها في الوصول“.
ويضيف: “بعد إنهاء إجراءاتنا تقرر أن نسافر إلى (ساحل سليم) عن طريق القطار، الذي ركبناه ليلًا وكان من النوع الذي ينزل في كل محطة، الأمر الذي أدى إلى تأخر وصولنا حيث وصلنا إلى مدينة أسيوط في الساعة السابعة صباحًا، وكان بمعيّتي المرحوم نوري أحمد علي وعبد الله سعيد البلوشي حيث إن الدكتور علي محمد موسى كان قد سبقنا قبلها في الوصول
“.
أما عن كيفية وصولهم إلى القرية والمعاناة التي وجدوها فيقول: “كانت (ساحل سليم) تقع على البر الشرقي للنيل، وكان الوصول إليها يتم عبر طريقين: الأول هو النزول في أسيوط ثم أخذ وسيلة نقل برية إلى القرية مباشرة، أما الطريق الثاني فهو النزول في قرية (أبو تيج) المقابلة على الشاطئ الغربي والتي كانت تمر بها قطارات الصعيد، ثم ركوب (المعدّية) إلى البر الشرقي، وعند وصولنا إلى محطة القطارات في مدينة أسيوط سألنا عن الطريق المؤدي إلى ساحل سليم وكيفية الوصول إليها، فقيل لنا إنه يتوجّب علينا ركوب الأوتوبيس (الحافلة) وقيمة التذكرة (5 صاغ)، وعندما أردنا استقلال الحافة طلب منا السائق دفع جنيه كامل – وكان مبلغًا كبيرًا وقتها – أو أن نقطع مسافة ثلاث كيلومترات بأرجلنا، فاضطررنا إلى دفع المبلغ وذلك بسبب عدم معرفتنا بالمكان، وللإرهاق الذي كنا نشعر به، إضافة إلى صغر أعمارنا وخشيتنا من أن تحدث لنا مواقف نحن في غنى عنها.
أما عن كيفية وصولهم إلى القرية والمعاناة التي وجدوها فيقول: “كانت (ساحل سليم) تقع على البر الشرقي للنيل، وكان الوصول إليها يتم عبر طريقين: الأول هو النزول في أسيوط ثم أخذ وسيلة نقل برية إلى القرية مباشرة، أما الطريق الثاني فهو النزول في قرية (أبو تيج) المقابلة على الشاطئ الغربي والتي كانت تمر بها قطارات الصعيد، ثم ركوب (المعدّية) إلى البر الشرقي،
وعند وصولنا إلى محطة القطارات في مدينة أسيوط
سألنا عن الطريق المؤدي إلى ساحل سليم وكيفية الوصول إليها، فقيل لنا إنه يتوجّب علينا ركوب الأوتوبيس (الحافلة) وقيمة التذكرة (5 صاغ)، وعندما أردنا استقلال الحافة طلب منا السائق دفع جنيه كامل – وكان مبلغًا كبيرًا وقتها
–
أو أن نقطع مسافة ثلاث كيلومترات بأرجلنا، فاضطررنا إلى دفع المبلغ وذلك بسبب عدم معرفتنا بالمكان، وللإرهاق الذي كنا نشعر به، إضافة إلى صغر أعمارنا وخشيتنا من أن تحدث لنا مواقف نحن في غنى عنها.
وعن وصولهم أخيرًا إلى القرية بعد رحلة السفر الشاقة يذكر معاليه: “عندما تحركت الحافلة تفاجأنا أن المسافة بعيدة ولم تكن كما وصفها لنا سائق الأوتوبيس، حيث مررنا على أماكن عديدة، ثم توقفت الحافلة أمام مستنقع به ضفادع وأشار السائق بيده إلى أحد المباني القريبة وقال: هذه هي مدرسة ساحل سليم!، وعندما سألناه عن مكان البحر أشار بيده إلى النيل وقال: ذلك هو البحر! واكتشفنا أن مصطلح البحر لدى المصريين يقصد به النيل، كما أن مصطلح مصر قد يعني القاهرة!”
وعن وصولهم أخيرًا إلى القرية بعد رحلة السفر الشاقة يذكر معاليه: “عندما تحركت الحافلة تفاجأنا أن المسافة بعيدة ولم تكن كما وصفها لنا سائق الأوتوبيس، حيث مررنا على أماكن عديدة، ثم توقفت الحافلة أمام مستنقع به ضفادع وأشار السائق بيده إلى أحد المباني القريبة وقال: هذه هي مدرسة ساحل سليم!، وعندما سألناه عن مكان البحر أشار بيده إلى النيل وقال: ذلك هو البحر! واكتشفنا أن مصطلح البحر لدى المصريين يقصد به النيل، كما أن مصطلح مصر قد يعني القاهرة
!”
وبعد وصولهم إلى مبنى المدرسة يشير معالي أحمد مكي إلى كيفية استقبالهم وتفاجئهم بعد رؤية السكن: “ونحن واقفون أمام المبنى ننتظر من يستقبلنا، نزل المشرف الاجتماعي بالسكن الداخلي الملحق بالمدرسة وكان اسمه محمد إسماعيل لاستقبالنا، حيث أخذنا للعنبر الذي يوجد به زميلنا الرابع الدكتور علي بن محمد، واكتشفنا أن العنبر هو أقرب للثكنة العسكرية حيث يستوعب حوالي (30) شخصًا، وكل اثنين يتقاسمان دولابًا واحدًا!
وبعد وصولهم إلى مبنى المدرسة يشير معالي أحمد مكي إلى كيفية استقبالهم وتفاجئهم بعد رؤية السكن: “ونحن واقفون أمام المبنى ننتظر من يستقبلنا، نزل المشرف الاجتماعي بالسكن الداخلي الملحق بالمدرسة وكان اسمه محمد إسماعيل لاستقبالنا، حيث أخذنا للعنبر الذي يوجد به زميلنا الرابع الدكتور علي بن محمد، واكتشفنا أن العنبر هو أقرب للثكنة العسكرية حيث يستوعب حوالي (30) شخصًا، وكل اثنين يتقاسمان دولابًا واحدًا!
أصابنا نوع من الانقباض والضيق بسبب رؤية هذا المشهد وكيف أننا سنتحمل الفترة القادمة في هذا الوضع، لكننا ظللنا بعدها أربعة أعوام كاملة حتى حصولنا على الشهادة الثانوية“.
أصابنا نوع من الانقباض والضيق بسبب رؤية هذا المشهد وكيف أننا سنتحمل الفترة القادمة في هذا الوضع، لكننا ظللنا بعدها أربعة أعوام كاملة حتى حصولنا على الشهادة الثانوية
“.
وعن المرحلة الدراسية التي سيلتحقون بها أشار معاليه إلى أنه ” في اليوم التالي ذهبنا إلى المدرسة حيث استقبلنا مديرها وألحقونا بالصف الأخير من المرحلة الإعدادية، على أن نكمل سنوات المرحلة الثانوية الثلاث بعدها قبل الحصول على الشهادة التي تخوّلنا الالتحاق بالجامعات“.
وعن المرحلة الدراسية التي سيلتحقون بها أشار معاليه إلى أنه ” في اليوم التالي ذهبنا إلى المدرسة حيث استقبلنا مديرها وألحقونا بالصف الأخير من المرحلة الإعدادية، على أن نكمل سنوات المرحلة الثانوية الثلاث بعدها قبل الحصول على الشهادة التي تخوّلنا الالتحاق بالجامعات
“.
طلبة الفصل الرابع إعدادي مع ناظر المدرسة عام 1956
ولم تكن مقاعد المدرسة وقسمها الداخلي مقتصرين على الطلبة المصريين، بل كانت تضم طلابًا من اليمن، والصومال، والسودان، والحبشة، وليبيا، وتشاد، وغيرها من الدول، وذلك في إطار اهتمام حكومة الثورة في مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر في أن تلعب مصر دورًا محوريًا رائدًا في المنطقة، وكانت الكويت وقتها كذلك تقدم خدمات مشابهة وتوفر فرص التعليم المجّاني لكثير من الطلاب من حضرموت إلى المغرب.
ولم تكن مقاعد المدرسة وقسمها الداخلي مقتصرين على الطلبة المصريين، بل كانت تضم طلابًا من اليمن، والصومال، والسودان، والحبشة، وليبيا، وتشاد، وغيرها من الدول، وذلك في إطار اهتمام حكومة الثورة في مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر في أن تلعب مصر دورًا محوريًا رائدًا في المنطقة، وكانت الكويت وقتها كذلك تقدم خدمات مشابهة وتوفر فرص التعليم المجّاني لكثير من الطلاب من حضرموت إلى المغرب.

وعن الأنشطة لتي كانت تقدمها المدرسة خاصةً بالنسب إلى طلاب السكن الداخلي المغتربين يشير معالي أحمد بن عبد النبي إلى أنه ” عدا عن النظام التعليمي الروتيني اليومي، فقد كانت المدرسة تنظّم فعاليات رياضية واجتماعية عديدة، من بينها أنهم كانوا يأخذوننا في إجازات منتصف العام الدراسي، وكل صيف إلى مدينة الإسكندرية التي كانت تعد المصيف الأول للمصريين، حيث كنا نسكن في سكن تابع لمعهد الأمل والنور في (أبو قير) لمدة أسبوعين، ثم يأخذونا إلى سكن آخر في (لاظوغلي) بالقاهرة قريبًا من مبنى وزارة الداخلية، وغير بعيد عن وسط البلد وحي السيدة زينب وجاردن سيتي، حيث كنا نقضي أسبوعين هناك كذلك، كما كنا نذهب إلى (حلوان) وكانت ضاحية تقع جنوب القاهرة ولها قطار يربطها بالقاهرة وتشتهر بحماماتها الساخنة، كما أقيم بها مصنع الحديد والصلب الذي يعد من إنجازات حكومة الثورة، وكنا عند وصولنا إلى حلوان نعدّ جداول خاصة بزياراتنا لبعض المعالم المهمة في القاهرة” .
وعن الأنشطة لتي كانت تقدمها المدرسة خاصةً بالنسب إلى طلاب السكن الداخلي المغتربين يشير معالي أحمد بن عبد النبي إلى أنه ” عدا عن النظام التعليمي الروتيني اليومي، فقد كانت المدرسة تنظّم فعاليات رياضية واجتماعية عديدة، من بينها أنهم كانوا يأخذوننا في إجازات منتصف العام الدراسي، وكل صيف إلى مدينة الإسكندرية التي كانت تعد المصيف الأول للمصريين، حيث كنا نسكن في سكن تابع لمعهد الأمل والنور في (أبو قير) لمدة أسبوعين، ثم يأخذونا إلى سكن آخر في (لاظوغلي) بالقاهرة قريبًا من مبنى وزارة الداخلية، وغير بعيد عن وسط البلد وحي السيدة زينب وجاردن سيتي، حيث كنا نقضي أسبوعين هناك كذلك، كما كنا نذهب إلى (حلوان) وكانت ضاحية تقع جنوب القاهرة ولها قطار يربطها بالقاهرة وتشتهر بحماماتها الساخنة، كما أقيم بها مصنع الحديد والصلب الذي يعد من إنجازات حكومة الثورة، وكنا عند وصولنا إلى حلوان نعدّ جداول خاصة بزياراتنا لبعض المعالم المهمة في القاهرة
” .
جانب من زيارة حديقة الحيوان بالقاهرة في عطلة منتصف العام 1956
على سلّم محطة القطار في رحلة المنيا عام 1956
في رحلة إلى إحدى حدائق القناطر الخيرية شمال القاهرة عام 1956
ويتذكر معاليه بعض المواقف التي لا تزال عالقة في الذاكرة عن تلك الفترة: “من الذكريات الطريفة أننا كنا في نهاية الإجازة الصيفية نقوم بما يشبه الإضراب، حيث نرفض العودة إلى ساحل سليم خاصةً ونحن نرى التنوع الحياتي والخيارات العديدة للمعيشة في القاهرة والإسكندرية، وما كان يتمتع به زملاؤنا الملتحقون بالمعاهد والجامعات المصرية مقارنة بالمعيشة في قرية صغيرة وقتها كساحل سليم، ولكن في كل مرة كان يتم إجبارنا على العودة!“
ويتذكر معاليه بعض المواقف التي لا تزال عالقة في الذاكرة عن تلك الفترة: “من الذكريات الطريفة أننا كنا في نهاية الإجازة الصيفية نقوم بما يشبه الإضراب، حيث نرفض العودة إلى ساحل سليم خاصةً ونحن نرى التنوع الحياتي والخيارات العديدة للمعيشة في القاهرة والإسكندرية، وما كان يتمتع به زملاؤنا الملتحقون بالمعاهد والجامعات المصرية مقارنة بالمعيشة في قرية صغيرة وقتها كساحل سليم، ولكن في كل مرة كان يتم إجبارنا على العودة!
“
نوري أحمد، وأحمد عبد النبي، وعبد الله سعيد في إحدى زياراتهم للقاهرة
ويضيف: “من الذكريات الطريفة التي ما زلت أتذكرها كذلك أننا عندما كنا نريد الحلاقة نذهب للقرية المقابلة واسمها (أبو تيج)، حيث كان يفصل بينهما النيل، وكنا نركب المعدّية (العبّارة)، وكانت تمتلئ بالبشر والحيوانات، وكنت أطلق عليها تهكّمًا مسمى (سفينة نوح)“.
ويضيف: “من الذكريات الطريفة التي ما زلت أتذكرها كذلك أننا عندما كنا نريد الحلاقة نذهب للقرية المقابلة واسمها (أبو تيج)، حيث كان يفصل بينهما النيل، وكنا نركب المعدّية (العبّارة)، وكانت تمتلئ بالبشر والحيوانات، وكنت أطلق عليها تهكّمًا مسمى (سفينة نوح)
“.
ساحل سليم
ساحل سليم
هي إحدى مراكز محافظة أسيوط، تقع في الناحية الشرقية من نهر النيل على مسافة 24 كيلومترا جنوب مدينة أسيوط،، سميت بهذا الاسم نسبة إلى قبائل بنى سليم التي هاجرت من الجزيرة العربية واستقرت على ساحل النيل بعد الفتح الإسلامي، وهي قرية قديمة خرج منها عدد من الشخصيات المصرية البارزة من بينهم محمد محمود باشا، رئيس حزب الأحرار الدستوريين ورئيس وزراء مصر لعدة مرات في العصر الملكي، وأخوه حفني باشا محمود عضو مجلس البرلمان ووزير المواصلات في إحدى حكومات ما قبل الثورة، وعبد المجيد إبراهيم باشا وزير الأشغال العمومية قبل الثورة، وسليم كامل عبد الرحيم سفير مصر في الولايات المتحدة قبل الثورة.
هي إحدى مراكز محافظة أسيوط، تقع في الناحية الشرقية من نهر النيل
على مسافة 24 كيلومترا جنوب مدينة أسيوط،
،
سميت بهذا الاسم نسبة إلى قبائل بنى سليم التي هاجرت من الجزيرة العربية واستقرت على ساحل النيل بعد الفتح الإسلامي
،
وهي قرية قديمة خرج منها عدد من الشخصيات المصرية البارزة من بينهم محمد محمود باشا، رئيس حزب الأحرار الدستوريين ورئيس وزراء مصر لعدة مرات في العصر الملكي، وأخوه حفني باشا محمود عضو مجلس البرلمان ووزير المواصلات في إحدى حكومات ما قبل الثورة، وعبد المجيد إبراهيم باشا وزير الأشغال العمومية قبل الثورة، وسليم كامل عبد الرحيم سفير مصر في الولايات المتحدة قبل الثورة
.
وقد عرفت ساحل سليم قبل الثورة عددًا من المؤسسات من بينها المستشفى الأميري الذي افتتح عام 1936، ومحطة الكهرباء والمياه عام 1940، والمدرسة الثانوية للبنين.
وقد عرفت ساحل سليم قبل الثورة عددًا من المؤسسات من بينها المستشفى الأميري الذي افتتح عام 1936، ومحطة الكهرباء والمياه عام 1940، والمدرسة الثانوية للبنين
.
أما عن مدرسة ساحل سليم الثانوية فقد افتتحت عام 1948 حيث أنشأها خليل إبراهيم باشا، بالإضافة إلى وحدة زراعية ومدرسة زراعية، وكانت مدرسة ساحل سليم الثانوية تتمتع بسمعة متميزة بين المدارس المصرية، وكانت تنافس دائمًا في الأدوار النهائية لبطولة الجمهورية، كما كانت مدرسة نموذجية بها قسم داخلي للإقامة للطلاب المغتربين، تعلم فيه عدد كبير من الطلبة العرب والأفارقة.
أما عن مدرسة ساحل سليم الثانوية فقد افتتحت عام 1948 حيث أنشأها خليل إبراهيم باشا، بالإضافة إلى وحدة زراعية ومدرسة زراعية، وكانت مدرسة ساحل سليم الثانوية تتمتع بسمعة متميزة بين المدارس المصرية، وكانت تنافس دائمًا في الأدوار النهائية لبطولة الجمهورية
،
كما كانت مدرسة نموذجية بها قسم داخلي للإقامة للطلاب المغتربين، تعلم فيه عدد كبير من الطلبة العرب والأفارقة
.

تميزت المدرسة بمساحة شاسعة، ولم يتم استقطاعها من أرض زراعية أو صالحة للزراعة، لكنها كانت أرضًا بورًا عبارة عن بركة تمتلئ بالمياه في موسم فيضانات النيل، ويتكاثر فيها البعوض، فتم ردم البركة وإقامة المدرسة عليها، وهي مكونة من دورين، بها فصول واسعة تطل على حديقة جميلة بطول سور المدرسة مزروعة بالورود، كما يوجد بها حوش واسع مزروع بالنخيل، وملاعب لكرة القدم والسلة والطائرة، وصالة لتنس الطاولة، ومسرح، ومطعم مجهز لتحضير الوجبات لطلبة السكن الداخلي.
تميزت المدرسة بمساحة شاسعة، ولم يتم استقطاعها من أرض زراعية أو صالحة للزراعة، لكنها كانت أرضًا بورًا عبارة عن بركة تمتلئ بالمياه في موسم فيضانات النيل، ويتكاثر فيها البعوض، فتم ردم البركة وإقامة المدرسة عليها، وهي مكونة من دورين، بها فصول واسعة تطل على حديقة جميلة بطول سور المدرسة مزروعة بالورود، كما يوجد بها حوش واسع مزروع بالنخيل، وملاعب لكرة القدم والسلة والطائرة، وصالة لتنس الطاولة، ومسرح، ومطعم مجهز لتحضير الوجبات لطلبة السكن الداخلي
.
مجموعة من أصدقاء الدراسة في حديقة القسم الداخلي بالمدرسة عام 1956
المرحوم نوري أحمد والدكتور علي محمد موسى برفقة اثنين من الزملاء المصريين فوق إحدى أشجار المدرسة
المراجع
المراجع
- أبو الغار، محمد. سنوات حرجة من تاريخ مصر، مركز المحروسة للنشر، القاهرة، مصر، 2014.
- تركي، زكريا. صعيدي في بلاد الروس، ط1، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، مصر، 1999.
- مقابلة شفوية مع معالي الوزير متقاعد أحمد بن عبد النبي مكي، شاطئ القرم، الخميس 24 نوفمبر 2022.
أبو الغار، محمد. سنوات حرجة من تاريخ مصر
،
مركز المحروسة للنشر، القاهرة، مصر، 2014.
تركي، زكريا. صعيدي في بلاد الروس، ط1، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، مصر، 1999.
مقابلة شفوية مع معالي الوزير متقاعد أحمد بن عبد النبي مكي، شاطئ القرم، الخميس
24 نوفمبر 2022.
- أرشيف صور أسرة المرحوم نوري أحمد علي الرئيسي
أرشيف صور أسرة المرحوم نوري أحمد علي الرئيسي