أثير – خالد الراشدي
يعد التبغ والتدخين بشكل عام من المسببات الرئيسية لأمراض السرطان والقلب والشرايين، لذلك فإن الجهات الصحية تواصل توعيتها حول الأضرار الصحية الناتجة من التدخين على الأفراد والمجتمع، حيث يعتبر أغلب الناس التدخين آفة صحية لذلك فإن حاله كحال أغلب الآفات تتعد أشكاله وأنواعه وطرقه.
وفي الأعوام الأخيرة ظهر نوع جديد من السجائر وهو السجائر الإلكترونية أو كما يعرف باللغة الإنجليزية (vaping)، الذي يعد دخيلًا أشد خطورة كما وصفه بعض أولياء الأمور، حيث يسهل استخدامه في كل مكان ولا يحتوي على الروائح الكريهة مثل الدخان التقليدي، ومع تعدد أشكاله ونكهاته التي تضيف الإغراء لمستخدميها اختلف الباحثون حول ماهية أضراره المباشرة على الجسم، ولكن اتفق أغلب المهتمين بالجانب الاجتماعي بأنه ظاهرة تصعب السيطرة عليها أكثر من التدخين التقليدي.
في هذ الصدد تواصلت “أثير” مع الدكتورة ثريا بنت مالك الحارثية -طبيبة اختصاصية وعضو في الرابطة العمانية لمكافحة التبغ- لمعرفة أضرار السجائر الإلكترونية وهل تُعد بنفس حدة أضرار التدخين التقليدي، وما إذا كانت أداة للإقلاع عن التدخين التقليدي بجانب الأدوية الأخرى كالملصقات والعلك التي تساعد على الإقلاع عن التدخين.

حيث قالت الدكتورة ثريا بأن السجائر الإلكترونية تم تسويقها كبدائل صحية للسجائر التقليدية، ولكن لا يمكن بتاتا اعتبارها منتجات فاعلة وآمنة للإقلاع عن التدخين، موضحةً: إذ أنها وصلت إلى الأسواق دون إجراء اختبارات واسعة النطاق للكشف عن السموم التي قد تحتويها أو تجارب إكلينيكية ذات جودة عالية للتأكد من مأمونيتها سواء على المدى القصير أو البعيد والتي عادة ما تكون مطلوبة عند إدراج أية علاجات أو أجهزة طبية جديدة، لذلك فإن فاعليتها كتدخل للإقلاع عن التدخين، وتأثيرها على الأفراد، وما إذا كانت أقل ضررًا من منتجات التبغ التقليدية أو القابلة للاحتراق أمر مثير للجدل إلى حد كبير.
أوضحت بأن بعض الباحثين ذكروا أن المدخنين للسجائر الإلكترونية تمكنوا من الإقلاع عن استخدام السجائر العادية لمدة تتراوح بين 6 أشهر والسنة الواحدة، إلا أنهم كانوا أكثر عرضة للانتكاسة والعودة إلى التدخين التقليدي مقارنة بمستخدمي العلاجات المعتمدة لعلاج الإدمان على التبغ كبدائل النيكوتين، والفرانيكلين. إذ أكدت منظمة الخدمات الوقائية الصحية الأمريكية أن الأدلة الحالية غير كافية للتوصية بالسجائر الإلكترونية كوسيلة للإقلاع عن تعاطي التبغ، كما لم توافق أكبر المؤسسات الصحية المعنية بإصدار قرارات عن مأمونية الدواء والغذاء والتي هي “إدارة الغذاء والدواء (FDA) الأمريكية” على طرح التدخين الإلكتروني كمنتج بديل وآمن، وظل التركيز على أن تأثير العقاقير وبدائل النيكوتين المستخدمة في علاج الإدمان على التبغ أكثر فاعلية وأمانا.
وأفادت الحارثية: وجد الخبراء والباحثون أن مادة النيكوتين المضافة إلى سائل السجائر الإلكترونية تسبب الإدمان وبالتالي صعوبة التوقف عن التدخين الإلكتروني واللجوء إلى استخدام السجائر التقليدية، الأمر الذي قد يؤدي إلى التسمم بالنيكوتين خصوصا مع الاستخدام المزدوج للسجائر الإلكترونية ولفافات السجائر التقليدية. وأيضا وجدوا أن النيكوتين يسبب تشوهات خلقية في الأجنة ويثبط النمو الطبيعي للدماغ، لذلك يستوجب على الأطباء تشجيع النساء الحوامل ومساعدتهن في الإقلاع التام عن جميع منتجات النيكوتين والتبغ، خصوصا أثناء الحمل.
وبيّنت الدكتورة أن الأبخرة والرذاذ المتصاعد من التدخين الإلكتروني تحتوي على الجلسرين النباتي، البروبيلين جليكول، النيكوتين، والنكهات الاصطناعية، ومواد سامة أخرى، بما في ذلك المعادن الثقيلة كالكروم والرصاص والزرنيخ، والمركبات العضوية المتطايرة، والنيتروسامين الخاص بالتبغ وإن كانت بتركيزات أقل من دخان السجائر، إلا أنها تعرض صحة الإنسان للخطر، كارتفاع نسبة الإصابة بنوبة الربو الحادة إلى 27 % لدى المدخنين أو غير المدخنين المصابين بالربو، وكذلك إحداث تضييق مزمن في القصبات الهوائية والتسبب بتلف في أنسجة الرئتين وتطور الإصابة بسرطان الرئة على المدى البعيد.
وأشارت الحارثية إلى أنه تم الإبلاغ عن بعض التأثيرات السلبية على الجهاز الدوري والقلب، كارتفاع ضغط الدم، خفقان القلب، والتضيق في شرايين القلب، وكذلك على الجهاز المناعي وتثبيط عمل الخلايا المناعية. كما وجد أن التدخين الإلكتروني مرتبط بالأرق، الدوخة، الصداع، وصعوبة التركيز خصوصا لدى الأطفال والمراهقين.
وفي سؤال لـ “أثير” حول صعود تسويق وشعبية السجائر الإلكترونية، أجابت بأن هذه المنتجات أصبحت تجتذب المراهقين والشباب، إذ يتم الترويج للسجائر الإلكترونية على أنها ملحقات براقة وآمنة يمكن استخدامها كبدائل للتبغ أو في الأماكن التي يُحظر فيها التدخين، وكما تم ذكره آنفا فإن التدخين الإلكتروني قد يصبح بوابة لاستخدام السجائر التقليدية أو حتى الماريجوانا، إذ ترتفع احتمالات بدء التدخين التقليدي بثلاث إلى ست مرات لدى الذين سبق لهم استخدام السجائر الإلكترونية مقارنة بمن لم يستخدموها مطلقًا.
وأضافت: يأتي الجانب الاجتماعي لمثل هذه السلوكيات في نشرات بعض التقارير التي تشير إلى أن الأطفال الذين يعيشون مع الأسر المستخدمة للتدخين الإلكتروني أكثر عرضة للحوادث والإصابات الناجمة عن انفجار البطاريات أو ملامسة المحلول السائل أو ابتلاعه، والذي يعتبر أكثر خطورة من ابتلاع لفافات السجائر، كما يعد الأطفال الصغار أكثر عرضة لمشاكل صحية ناجمة عن التسمم بالنيكوتين مسببة الدوخة وعدم انتظام دقات القلب والقيء والنوبات المرضية، كل ذلك بسبب التعرض لرذاذ التدخين الإلكتروني.
وأكدت الدكتورة ثريا الحارثية في ختام حديثها مع “أثير” على أنه يجب الاستناد إلى الحقائق والبيانات العلمية الواقعية، وليس على الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، إذ لم يتم التوصل إلى دليل قاطع عن فاعلية التدخين الإلكتروني في الإقلاع عن التدخين ولا حتى عن مأمونيتها من الجانب الصحي والاجتماعي، لذلك ننصح الجميع بالإقلاع عن التدخين الإلكتروني.