أخبار

الروائي الأردني جلال برجس يكتب لـ “أثير”: لمن يقرأ الشباب؟

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير- الروائي الأردني جلال برجس

خضت ذات مرة في حديث مع عدد من القراء الشباب، والذين يشكلون النسبة الكبرى من مجموع القراء في الأردن. كنت عبر ذلك الحديث أستطلع ميولهم الثقافية، وما هي خياراتهم في القراءة. وجدتهم بمستوى كبير من الوعي يعول عليه، بل أنهم يخالفون بتزايد أعدادهم، وانتمائهم إلى الكتاب ما يصدر من أرقام من جهات عالمية تشير إلى تدني وجمود فعل القراءة في عالمنا العربي، لكن الذي لفت انتباهي، وأشعرني بأن ثمة خلل ما في التعاطي الثقافي مع ما ينشر أردنيًا من كتب خاصة في الأدب هو ما وجدته عند عدد لا بأس به من الشباب في تصريحهم بأنهم لا يقرأون إلا لكتاب عرب معروفين، أو لكتاب أجانب. ناهيك عن الشريحة التي لا تقرأ في الأصل إلا كتبًا باللغة الإنجليزية، أو بلغات أخرى. وانطلاقًا من ذلك الحديث ذهبت إلى العمل على ما يشبه الاستطلاع لتلك الشريحة من مختلف المناطق الأردنية حول مكانة الكتاب الأردني بين القراء؛ فوجدت أن بالفعل هناك نسبة من مجموع هؤلاء القراء تتجه بوصلة خياراتهم في القراءة خارج الأردن. يبدو لي أن لهذا الأمر أسباب عديدة منها ما تتعلق بعدم نجاح المؤسسة الثقافية الأردنية بصناعة النجم الثقافي، كما هو الحال في قطاع الفن على صعيدي الدراما والغناء. رغم أن هناك أسماء على درجة عالية من الأهمية في الوسط الأدبي الأردني، كان لها أن تتجاوز الحدود الأردنية نحو العربية، ومنها ما اجتاز الحدود العربية نحو الفضاء العالمي. إن تقريب المسافة بين المنجز الأدبي الأردني، وبين القراء ضرورة لها أن تدعم الهوية الوطنية لدى جيل ولد ونشأ في ظروف عالمية ملتبسة، خاصة بعد ثورة الاتصالات، وما أفرزته من عناصر ومهددات للهويات التي عليها أن تحمي نفسها أمام هذا الطوفان الهائل من المتغيرات. وحين نتحدث عن صناعة النجم الثقافي؛ فهذا فعل على الكثير من الأطراف أن تساهم به ليؤدي إلى نتائجه المرجوة. إنها مهمة الجامعات، والمدارس، والهيئات الثقافية، ودور النشر، والصحافة الثقافية، ومؤسسات الإعلام، والنقاد، ونوادي القراءة.
في الأردن هناك العديد من نوادي القراءة التي أخذت في السنوات الأخيرة تزداد بشكل ملحوظ. قبل سنوات كانت خيارات معظم تلك النوادي تذهب إلى الفضائين الأدبيين العربي والعالمي، وبنسبة قليلة تختار عددًا قليلًا من الكتب الأردنية لمناقشتها. ذلك النقاش الذي يفضي إلى نتيجتين إيجابيتين: الأولى معرفية، والثانية تعريفية بالكاتب وكتبه. لكن تلك النوادي في الآونة الأخيرة راحت تولي الكتب الأردنية مزيدًا من الاهتمام. وما نريده إلى جانب هذا الفعل الثقافي المحمود هو أن تنتبه إلى شريحة الكتاب الشباب ليس فقط من باب تشجيعهم، إنما ايضًا لتعريف القارئ الأردني بالجيل الجديد الذي يحمل رؤى على درجة عالية من الأهمية.
إن المحلية -كما هو متعارف عليه-طريق إلى العالمية، وهذا الرأي ليس متعلقًا فقط بالكاتب وكتابه؛ إنما ينطبق أيضًا على القارئ؛ فكيف يمكن للإنسان أن يفهم العالم من دون أن يفهم مكانه وزمانه وأناسه. ومثلما سمعت من القراء عما يقرأون، أسمع بشكل يومي من الكتاب عن تلك المسافة التي ما تزال متكلسة بينهم وبين القراء، بينما نجد كتبهم تقرأ عربيًا على نحو جيد. بالطبع كما أسلفت سابقًا هناك أسباب كثيرة لهذه الحالة التي نجدها في بعض البلدان العربية، لكنها لافتة على الصعيد الأردني. في مصر الشقيقة أشار أكثر من كاتب إلى أن مجتمع القراء المصريين منغلق على نفسه فيما يخص اختياراته للقراءة. ورغم التحسن الذي طرأ على هذا الجانب مؤخرًا إلا أن الكتاب المصري ما يزال صاحب الأولوية الأولى، الأمر الذي يساهم وبقوة بترويج الثراء المعرفي، وتقديم الكاتب لقراءه، وبتعزيز الهوية الوطنية بأرقى الوسائل.
الأدب ليس ترفًا بل هو ضرورة إنسانية، وضرورة وطنية لا يمكن لها أن تتحقق ونحن أمام هذه الحالة من الجفاء بين الكتاب الأردني وقراءه. هذا الجفاء الذي آن الأوان له أن يتلاشى.



Your Page Title