أثير- عبدالرزّاق الربيعي
على شفاه نهارات مسقط تجري حكاية جمال لا تنتهي، تتحدّث عن أناقة شوارعها، وبياض أبنيتها، ولمعان شمسها التي تجلس على كرسي عال، بتعبير أدونيس، وهو يرى بعين الشاعر الثاقبة، هذا الكرسي العالي الذي” بعض قوائمه في المرفأ تحيط به تقاليد البحر” فتنساب مياهه بهدوء، وتواصل جريانها، وشيئا فشيئا تبتعد عن الأنظار، وتذوب عند التقاء الخط الدائري الذي يربط، ولا أقول يفصل، الأرض بالسماء، حيث “يكتمل الورد في الاتكاء”.
فإذا كانت نهارات مسقط تروي حكاية الجمال هذه، فلياليها تروي الف حكاية وحكاية عن مقاهيها التي تغصّ بالزبائن في مثل هذه الأيام التي تلامس فيها الأبدان برودة رؤوفة، تجعلنا، في بعض الأحيان نستعين بملابس تقينا نزلات البرد، وإذا خرجنا إلى البساتين والمزارع، حيث الفضاءات المفتوحة، فإننا نلجأ لدفء النيران المنبثقة من الحطب ورغم أن شتاءات مسقط لا تطيل المكوث، وسريعة الجري، خفيفة الخطى، إلّا أنها كفيلة بأن تشعر الساكنين بتغير الأجواء، وتبدّل المزاج العام، وتغري بمغادرة الأماكن المغلقة، للسباحة في شلّالات الأضواء التي تندلق على مبانٍ” متفرّقة لا تتعارض مع عتمة الليل المحيطة، بل تندلق منها كالزبدة، بفعل تأثير الإضاءة الصفراء المشوبة بالحمرة الشاحبة، والموزعة بدراية فنية عالية” كما يقول الشاعر فوزي كريم التي خرجت منها في زيارته التي قام بها لمسقط في ينايرعام2013 وهذه الأجواء تعدّ بيئة مثالية للعروض التي تقدّم في الهواء الطلق، فتغري المسؤولين عن المهرجانات بتنظيمها.
ومن هنا جاءت أهمّيّة مهرجان( ليالي مسقط) الذي تنظّمه بلدية مسقط كونه يوفّر فرصة للعوائل لكي تخرج إلى الحدائق العامة التي تحتضن الفعاليات، التي تعكس ليس فقط الثقافة المحلية، بل ثقافات الشعوب، حيث تلتقي في المواقع المخصّصة للمهرجان الذي انطلق للمرة الأولى عام 1998م، وفي سجلّه العديد من العلامات الكبيرة، ومن المسلّم به أن يشكّل رافدا من روافد الاقتصاد الوطني، لما يقوم به من استقطاب السياح، وتوفير فرص عمل للكثير من الشباب، وتحريك دورة الاقتصاد في الكثير من المواقع الخدمية، والفنادق والمطاعم، والمحلات التجارية، كونه يعدّ واجهة عمانية هي الأبرز.
لكنه في دورته الحالية، ومنذ أيامه الأولى، لم يلبّ طموحات الكثيرين، وقد كشفت تعليقات المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي عن شعور بالخيبة، فبعد هذا التاريخ الحافل، لم يعد الجمهور يرضى بفعاليات، وبرامج مكرّرة، تخلو من لمسات جديدة، وبالطبع كلنا نعرف أن هناك أسباباً تقف وراء ذلك، بعضها خارجة عن إدارة المهرجان تتصل بالظرف العام، وتوقفه، بعد تفشّي الجائحة، وتداعياتها، وهناك أسباب أخرى تتعلق بتغير إداراته، فصارت كل إدارة تدلي بدلوها دون الاستعانة بأصحاب الخبرات السابقة، لذا، نتمنى من القائمين على المهرجان قراءة خارطة المهرجانات في المنطقة، ودراستها، خصوصا أن المهرجانات اليوم صناعة، هذه الصناعة تتطلّب وضع استراتيجيات ترتقي به، ومن الضروري مدّ جسور التعاون مع المؤسسات الأخرى والقطاع الخاص، لتوسيع دوائره ليكون مهرجاناً لائقا باسم عُمان، ومسقط الجمال، وتاريخه الطويل، لاسيّما، يعدّ هذا المهرجان من أقدم المهرجانات في المنطقة، لكي تكتمل الحكاية.