عبدالرزاق الربيعي يكتب: “الإسراء والمعراج” معينٌ روحيٌّ وشعريٌّ لا ينضب

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير- عبدالرزّاق الربيعي

يرى دارسو نتاج الشاعر دانتي أليجييري، الذي عاش في القرنين الثالث والرابع عشر الميلادي، ويعدّ أحد أهم شعراء العصور الوسطى، أن الشاعر الإيطالي تأثّر في كتابه (الكوميديا الإلهية) بمعجزة الإسراء والمعراج إلى جانب تأثّره برسالة الغفران لأبي العلاء المعري، وكذلك كتابات المتصوف ابن عربي اللذين تأثّرا أيضا بالرحلة التي جرت في السنة الثانية عشرة من نزول الوحي، قبل هجرة رسولنا الكريم إلى المدينة بسنة، فكانت تمهيدا لها، وتمثلت في التوجه بصحبة جبريل عليه السلام ليلا إلى بيت المقدس، ثم العروج إلى ملكوت السماء لرؤية الجنة والنار، والرسل والملائكة، بل ويؤكد الباحثون أن دانتي أليجييري قد اطّلع على المصادر المذكورة، جميعا، واستفاد في عمله من فكرة الصعود إلى السماء، ووصف الفردوس والجحيم.

ولم يقتصر التأثر على نص دانتي، بل تأثر الرسامون بالأجواء التي جرى وصفها، كغوستاف وويليام بليك، وسلفادور دالي، فوضعوا رسومات خيالية لعوالم خفيّة تقيم في العالم الآخر، وقد تتبع القس ميغيل آسين في كتابه( أثر الإسلام في الكوميديا الإلهية) الصادر عن سلسلة العلوم الاجتماع ضمن مشروع مكتبة الأسرة في الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، ذلك التأثير ، وذكر أوجه التأثّر والتشابه بين كتاب دانتي والإسراء والمعراج، ولا يقف الشاعر الإيطالي وحده في هذا المضمار، بل استفاد الكثير من الشعراء العرب من الرحلة التي تمت في عالم الغيب، فاستلهموا منها عبرا كثيرة، يقول الشاعر محمد البوصيري في قصيدته(البردة):
سرحت من حرم ليلاً إلى حرم
كما سرى البدر في داج من الظلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلة
من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم
في موكب كنت فيهم صاحب العلم
بشرى لنا معشر الإسلام أن لنا
من العناية ركناً غيـــــر منهدم





وكما لاحظنا تجاوز الشاعر في نصّه صيغة السرد منتقلا إلى الخطاب المباشر معتمدا على مرويّات وردت في مصادر تاريخية عدّة، كما أبدع أمير الشعراء أحمد شوقي بوصف الرحلة الغيبية بقوله:
يا أيّها المسرى به ليلا إلى ما لا تنال الشمس والجوزاء
يتساءلون وأنت أطهر هيكل بالروح أو بالهيكل الإسراء؟
بهما سموت مطهرين كلاهما نور وروحانية وبهاء.
فضل عليك لذي الجلال ومنةٌ والله يفعل ما يرى ويشاء
العرش تحتك سدة وقوائما ومناكب الروح الأمين وطاء
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم حاشا لغيرك موعد ولقاء




وفي الكثير من النصوص لم يبتعد الكثير من الشعراء من الآية الكريمة (سبحان الذي أسرى بعيده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله )، نسيجا وصياغة، فالشّاعر محمد خضر عرابي يقول:
سبحان من أسرى بخير ضياء
أسرى بنور محمد الوضاء
أسرى به في ليلة قدسية
عطرية الأنسام والأضواء
أسرى به ليلاً ليشهد موكباً
من أعظم الآيات والأنباء
ركب البراق بإذنه من مسجد
للمسجد الأقصى إلى الجوزاء





وفي البيت الأخير ذكر الشاعر اسم (البُراق) السريع كالبرق وله لمعانه، ومنهما جاءت التسمية، والبُراق “دابة أبيض طويل” كما وصفها الرسول الكريم في حديث رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- ” فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه- قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة، التي يربط به الأنبياء، قال ثم دخلت المسجد ، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة”

وقد ذكر(البراق) كثيرا في الشعر العربي الحديث، بصيغ مختلفة، وتحويل دلالي، فالشاعر محمود درويش يذهب إلى ما هو أبعد، حين يحيلنا إلى (ثورة البراق) التي اندلعت عام 1929 في القدس لحماية(حائط البراق) من الانتهاكات، وذلك في قصيدته( أسميك نرجسة حول قلبي) بقوله:
وكدت أعود قبيل انبثاق الفراق
ولكنّ حادثة الوهم تمّت
وتمّ احتراق البُراق
على شارع عجّ بالحالمين
وهناك نماذج أخرى كثيرة تؤكّد أن معجزة الإسراء والمعراج من الآيات الكبرى التي شكّلت مصدرا روحيا، وشعريا لا ينضب.




Your Page Title