أثير- عبدالرزّاق الربيعي
عندما تعيش الأمّة مرحلة صراعات، وفتن، فليس أمام العلماء سوى الانصراف إلى شؤون العلم، وهذا ما فعله الإمام الربيع بن حبيب (المتوفّى أواخر القرن الثاني الهجري- سنة 181 هــ) الذي تجنب الخوض في صراعات مباشرة مع الحكام الذين تجبّروا في زمنه، ونكّلوا بعلماء أفذاذ كالحسن البصري وسعيد بن جبير، وجابر بن زيد، فانصرف للدراسة ومضى يأخذ العلم من أساتذته، فكسب ثقتهم، ويوما بعد آخر، شاع صيته، وأثبت جدارته، حتى تبوّأ منزلة عالية بين علماء الأمّة في عصره، تشهد على ذلك كتبه التي من أبرزها كتابه “المسند” أو “الجامع الصحيح” وذكر فيه حوالي 750 حديثا، وهو يعدّ اليوم من المراجع المهمّة، في علوم الحديث، بل مسنده من أصحّ الكتب سندا، حتى أن بعض العلماء يضعه في درجة أعلى من صحيح البخاري، وصحيح مسلم، بل إن د. مهدي عرار يعد الإمام في مسنده عالما لغويا، وشارحا أسلوبيا، ومعجميا يقتنص دلالة الكلمة أو الجملة أو التعبير من السياق الذي أودعت فيه، فقيّد الدلالة أينما وجب ذلك، وأطلق الدلالة أينما اقتضى ذلك معنى الحديث، وحملها على خلاف ظاهرها أحيانا تنزيها وتعظيما من جهة، وجلّى المجمل، وقيّد العام، وعيّن دلالة بعض الكلمات التي تحتمل معنيين أو أزيد في سياق الحديث الشريف”، ولم تقتصر علومه على الفقه، وعلوم الدين، بل تجاوز ذلك، وخاض في مختلف القضايا الاجتماعية، والثقافية، والفكرية، حتى عدّ من أصحاب المشاريع الإصلاحيّة، وهذا المشروع يتطلّب من المهتمّين اليوم بحثا، ودراسة للوقوف عند مشروعه، فهذه الأفكار، جاءت مبثوثة في ثنايا مؤلّفاته، ولم يدرجها في مؤلف واحد، ربما لكي يتجنّب الخوض في صراعات مع حكّام عصره، فاكتفى ببثّها في كتبه، ومؤلفاته الكثيرة، فهو في النهاية عالم كبير، غير أنه لم ينفصل عن قضايا عصره، ومجتمعه، فراح يراقب وحالما يجد فرصة لنشر فكرة تنويرية وإصلاحية يسارع إلى إدراجها، وإيجاد الحلول اللازمة، ولكثرة كتبه، صار من الواجب البحث عنها وحصرها .
من هنا تأتي أهميّة المؤتمر الدولي” فكر الإمام الربيع بن حبيب، وتجربته الإصلاحية -رؤية حضارية” الذي يقيمه النادي الثقافي وقد انطلقت فعالياته صباح اليوم -الأحد- في قاعة المحاضرات بجامع السلطان قابوس الأكبر، وتستمر حتى الرابع عشر من الشهر الحالي، بمشاركة باحثين عمانيين وعرب قدموا من عواصم عربية مختلفة، ليخوضوا في عدّة قضايا فكرية باذلين الجهود من أجل “تسليط الضوء على فكر الإمام ونتاجه ودوره الإصلاحي وبيان جوانبه العلمية والحضارية لتوظيف ذلك الموروث الحضاري في خدمة الإنسان والمجتمع” كما تقول رسالة المؤتمر الذي تبحث محاوره في حياته وقراءة الأوضاع الفكرية والاجتماعية والسياسية في عصره، وإسهامه في حفظ السنة النبوية، واستقراء فكره العقدي والفقهي والأصولي، وآثاره، ومصادره المعرفية، وفكره.
وتبقى (التجربة الإصلاحيّة) الإطار العام الذي يخوض به الباحثون، بشكل منهجي، باذلين الجهود العلمية في قراءة ملامحها التربوية، والدعوية، لاسيما وأمّتنا تعيش اليوم مرحلة تتطلّب منّا العودة إلى الجذور، لأخذ الدروس والعبر من علمائنا الأفذاذ الذين يمتلكون نظرة عميقة للواقع، وقراءة تحليليّة مستفيضة، هذه النظرة قد تساعدنا على تجاوز الأزمات التي نواجهها، فلكي تحافظ المشاريع الإصلاحيّة على بقائها وصلاحيتها، لابدّ أن تمتلك رؤية استشرافيّة، هذه الرؤية تبدو واضحة في فكر الإمام الربيع بن حبيب، لكنها تحتاج إلى روح التقصّي، والبحث، وهو ما جعل مجلس إدارة النادي الذي يترأسه د.محمود بن مبارك السليمي يقيم هذا المؤتمر.