أثير – مكتب أثير في تونس
حاورها: محمد الهادي الجزيري
لها من الشجاعة والجرأة ما يُذهل، وما يدفعنا على التعويل عليها لنصرة المرأة أينما كانت، والتفوّق في مشروعها الكتابيّ، خاصة بعد فوزها بالمركز الأوّل للإبداع الثقافي للمرأة الخليجية في دورته الخامسة، ثمّ، إنّها تدرس بتونس في جامعة منوبة وتعدّ شهادة ماجستير وقد أجلّت الأمر نظرا لتفادي جائحة كورونا، نحن في حضرة المتوّجة آية السيّابية لتحدّثنا عن تونس والجائزة، في انتظار أن نطّلع على مجموعتها الفائزة.
– أوّل تواصل لي معك حول مجموعتك القصصية الفائزة بالمركز الأوّل للإبداع الثقافي للمرأة الخليجية في دورته الخامسة، قلت لي “لي قصة لا تنتهي مع تونس..” فهل تحدّثيني، قبل كلّ شيء، عن تجربتك الدراسية في ربوع الخضراء، ولماذا آجلّت الأمر؟
بادئ ذي بدء، أنا أرى أنّ المدينة التي لا تُدنيك لا تقبل بها، ولكن تونس مدينة تحمل فوق جيدها إيمانها بنا، عابرين وماكثين.. منذ اللحظة التي تتجلّى لك خُضرتها وامتداد بحرها، تباغتك رائحتها من عُليّ، رائحة تبثّ في داخلك شعورًا جميلًا كرائحة الطبيعة ولحاء الشجر، تحطّ رحلُك بها غريباً فتجد برد شمسها يخاطبك أن اخلعْ نعليك وامشِ آمنا…
تونس بالنسبة لي أرجوحة استرخاء شَبكية، لاسيّما عند هروبي من ضجيج الحياة اللاهثة إلى شواطئ جزيرة جربة التي تحمل لوناً يُشبه في بعضه لون عُمان، أجدني أحمل قلباً متوهجاً عطشاً، كقلب طفلة تشتاق أن تشهد منظر السفن وهي تحرث مياه خليج قابس، أو عندما أعبر مرورا على ميناء مدينة بنزرت، ليستقبلني شواة الحوت ويُخُوتها الراسيات بشموخ تونسي…
أما عن تأجيل الدراسة، فلم يكن قرارا وإنّما فرضا، وجب عليّ الإذعان له بعشوائية كما أنقاد له العالم أجمع، بعد انحسار ديناميكية الحياة فترة الجائحة في مطلع سنة 2021، ثمّ طالت مدّة احترازات الجائحة واستطالت حتى تضاءل سعينا خجلا. ولكن، أمر الله نافذ، وكلّ شيء قد قدّر لنا بمقدار.. وفي الحقيقة، السرّ هو أن الممارسات التي تتحول إلى عادة، تتملكها كعصى الساحر التي تحيل لك كل مستعص، وسوف أعتنق السعي مجددا وأوظف كلّ طاقاتي للحصول قريبا على الماجستير بإذن الله…
– أعود إلى فوزك بالمركز الأوّل، متى علمت بخبر نيلك للجائزة، وكيف تعاملت مع البشرى، خصوصا أنّك لأوّل مرّة تُتوجين؟
في الحقيقة، يومها وقبل ورود الخبر، كان قد باغتني نهار جافّ، وفي قلبي شيء يُشبه أعراض الزّهد، حتى تلقّيت اتصالا من إحدى الأخوات في المجلس الثقافي بالشارقة، وجدتني أرهف لها سمعي طوعاً، كل شيء ساكن بي عدا انهمار عيناي، ثمّ يصلها صوتي محمّلا بالكثير من الدموع وقليلا من كلمات الشكر!
كنت سعيدة جدا، وكبير جدّا فرحي، حتّى ظننت أني سأفلته من فرط حرصي! كيف لا وهو إثبات أول لي باستحقاقي وجدارتي، لاسيما عندما علمت أن لجنة التحكيم، قد استصْعبتْ فرز الأعمال المتصدّرة، وذلك لكثرة الأعمال المقدمة وسمو جودتها.
– لاحظت استشهادك بمجموعة كتّاب من عُمان وغيرها، في التدليل على تفوّق ما أو مقدرة ما، أتعتقدين أنّ الكاتب في حاجة إلى وسيط بينه وبين القارئ، أم هو تقليد معمول به؟
الوسيط فيما بين الكاتب والقارئ هو عمله ولا غير، ولكنني كنت بحاجة ماسة لمعرفة مستوى قلمي، ولا يتأتى لي ذلك إلا بالاستعانة بكتّاب قد نحتوا قلمي، ووضعوني أمام شفرة النقد التي أقامت لي ظلّي، وعدّلت مساري وأنارت طريقي، أعتقد أننا في حاجة للاستعانة بمن سبقت تجاربهم وتسامت أقلامهم، ولا أرى في ذلك ضيْر، بل على العكس فهو يضيف لي الكثير، وأنا كثيرة جدّا بآرائهم…
– لأوّل مرّة سأسأل كاتبة عّمانية عن زميلاتها وزملائها من المبدعين، هل آن الآوان لإقلاع عُمان نحو آفاق واسعة وجديدة، هل لديكم أسماء كبيرة يمكن الاعتماد عليها في هذا الشأن؟
الإنتاج الثقافي العماني قديم جدّا، ويحمل تاريخا متجذّرا ولكنه لا يحظى بتسويق يوازى جودته.. ورغم ذلك، فقد نافس وحصل كتّاب عمانيون على العديد من الجوائز الدولية على المستويين العربي والعالمي.
أرى اليوم أنّ الجمعية العمانية للكتاب، تتّخذ خططا جادة في النهوض بالأدب العماني، قد تكون متأخرة بعض الشيء ولكنها ستصل يوما ما، وأكبر دليل هو أن يتصدر قلم الكاتبة العمانيّة، وصوت الشاعرة العمانيّة، وريشة الفنانة التشكيلية العمانيّة، وتجارب واختراعات المرأة العمانية..، اليوم في جوائز عالمية ودولية هو إنجاز لعمان وللمرأة العمانيّة، يستحقّ أن يُنحت في قلب تاريخ إنجازات المرأة العمانيّة….
– إن تفضلت، أطلعي قرّاء أثير على نزر قليل من إنتاجك القصصي، فقرة قصيرة من مجموعتك المتوّجة “لن أواري سوأتي”؟
سأضع لك اقتباسا من بعض القصص في مجموعة لن أواري سوأتي:
1- الزورة:
“الجرم الأكبر للمدينة في حق الليل هو استباحة ظلامه.. وإنكار قمره.. يا له من طغيان!! تعلّق مصابيحها في كل فج عميق.. تسرق الليل وتستبيح ظلمته!! الصحراء وحدها من تعرف حقيقة الليل.. متى تنكفئ المصابيح.. ليظهر الليل على حقيقته!”
2- أنا وأبي:
“اقرأ الليل يقرؤك.. غنِّ لعين الشمس.. تُسخّر لك الشجر ظلا”
3- ثريا:
“كل ما يدب فوق هذا الكوكب قابل للتصفية في كل لحظة وكل حين.. كلوح دومينو.. يسقط الواحد منا تلو الآخر.. تتعقبنا حتمية الموت.. عندما يحين دورك.. يتسرب لك شعورا ساما.. هادئا كفحيح أفعى.. يسكنك أربعين ليلة.. حتى يقتنصك.. على حين غفوة”
– بعد هذا الفوز الهامّ، وبعد “لن أواري سوأتي” والرواية “يباس” الصادرة سنة 2022، هل لديك مشاريع كتابة أو أنت بصدد إصدار جديد؟
قضايا المجتمع خلايا حيّة تصاب بالهزال أحيانا كما تصاب بالقوة أحيانا أخرى،
أنا حاليا في قعر إحداها، وأعتقد أنني سوف أستهلك وقتا ليس باليسير، وأتمنى التوفيق من الرب..
– بالتونسي، نريد تحيّة من طالبة ماجستير من جامعة منوبة، تجيدين اللهجة التونسية برشا برشا، ومتى تنوين القدوم لإتمام الماجستير؟
“عالسلامة تونس.. أنا نحبّكم برشا ومنجمّش نبعدو عليكم..
أنا نقرأ غاديك وتو باش نجي نكملو”