فضاءات

الروائي الأردني جلال برجس يكتب عبر “أثير” عن رواية الذكاء الاصطناعي

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير – الروائي الأردني جلال برجس

هل حقًا ستكتب التكنولوجيا روايتنا؟ وهل سيكون لها تلك الطقوس التي تفضي إلى عوالم الكتابة الغامضة؟ اللحظة الشعورية، الوعي الاستشرافي، الإحساس بالمصير الإنساني، وبأحلامنا، وأفراحنا، وأوجاعنا، وانكساراتنا، وتساؤلاتنا الكبرى؟

لقد أخذنا نردد هذه التساؤلات حيال ما يطفو على السطح من تنبؤات، وتباشير غريبة تشير إلى مراحل جديدة في حياتنا.

تنبأ العلماء، ومنظرو الزمن الجديد قبل سنين أن التكنولوجيا ستصل إلى مرحلة يمكنها فيها كتابة رواية متكاملة الأركان، بعد أن تنبأ من قبلهم (بل غيتس) بمعظم ما نحظى بها من تكنولوجيا المعلومات في كتابه الشهير (المعلوماتية بعد الإنترنت).

وفي عام 1987 أعلن البروفيسور (جاي ديفد بولتر) أستاذ علوم الحاسوب في (جامعة نورث كارولينا الأميركية) في الملتقى الدولي الأول للنص التشعبي الذي عقد مدينة (تشابل هيل) الأميركية عن أول رواية رقمية يكتبها برنامجه (ستوري سبيس) بعنوان (الظهيرة، قصة).

وفي عام 2015 استعان عدد من الباحثين اليابانيين يترأسهم البروفسير (هيروشي ماتسوبارا) بإمكانات الذكاء الاصطناعي بكتابة رواية تحت عنوان: (اليوم الذي يكتب فيه الكمبيوتر رواية). والغريب في الأمر أن هذه الرواية اجتازت المرحلة الأولى من التصفيات نحو الفوز من دون أن يدرك المحكمون بأن يدًا غير بشرية ساهمت بهذه الكتابة التي بدت فيها الشخصيات غير مكتملة النمو.

في نوفمبر من عام 2022 ظهر ما يسمى بـ (CHATGPT) ‏ وهو عبارة عن روبوت محادثة طوّرته شركة (openai). ويعتمد على التعلم الآلي كما ذكرت منصة (ذا نيويوركر) (The New Yorker) في تقرير لها، حيث تتعلم أجهزة الحاسوب من تلقاء نفسها اعتمادًا على المعلومات الهائلة التي تختزنها من غير حاجة إلى البرمجة، أو إعادة البرمجة، فما تملكه من بيانات يجعلها قادرة على التعلم الذاتي، وهي أيضا قادرة على كتابة وتأليف نصوص معقدة، وكذلك لديها القدرة على التحدث والحوار مع البشر عبر روبوتات الدردشة التفاعلية.

ولفرط ما سمعت عنه أيضًا -في الأوساط الثقافية خاصة الشبابية-من قدرة حتى على كتابة ملخص دلالي لرواية، قادني فضولي لاختبار قدراته، ومعاينة ما تنبأ به العلماء في هذا الشأن رغم رفضي الداخلي لما يمكن أن تصل إليه (الرقمنة) من أحاسيس بشرية خاصة تلك المتعلقة بالأدب، ولحظاته السرية.

سألته في البدء عني؛ فأعطاني معلومات لا تمت لي بصلة، معلومات بدت لي لأكثر من كاتب، لقد كانت توليفة خائبة. ثم طلبت منه كتابة رواية بعد أن وضعت له ملخصًا قصيرًا لإحدى رواياتي التي نشرت؛ فأخذ يكتب ما زعم دماغه التقني أنه رواية، أو شرحًا لفكرة المضي بها.

لقد كان سلوكًا إلكترونيًا مبنيّا على ما وصل إليه من معلومات في الإنترنت تتعلق بالفن الروائي، وملخصاته، وبنصوص نشرت في هذا الفضاء. بمعنى آخر إنه يأخذ من كل رف معلومة، ويقوم بدمجها، ثم يقدم مقترحاته.

إن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حيال هذا التدفق الإلكتروني المرعب، خاصة وإن هذا الشكل الرقمي ما يزال في بدايته نحو النضج المعلوماتي: هل غرض التكنولوجيا تهميش الإنسان بهذا القدر؟ أم معاونته في وجه كثير من التحديات؟

إنني على الصعيد الشخصي أشعر برعب كبير مما سيحدث، رغم توقعي أن التكنولوجيا لن تنجح بتقليد الأفعال البشرية مثل الكتابة، في القرون القريبة اللاحقة. ولا يمكن لها على الإطلاق أن تقبض على عصب أحاسيسنا البشرية التي تقف وراء كل أبواب الإبداع، وهي التي تميز بشريتنا عما صنعنا.

لكن الخطير في الأمر-والرقمنة تسعى إلى احتلال أماكننا-أن هناك أشكالًا أدبية ستظهر ناقصة وعينا، وطموحاتنا، وأحاسيسنا حيال الوجود الإنساني. وأن الذكاء الاصطناعي سيساهم في تسطيح الأدب. إنه صراع الإنسان مع ما تفتق عنه ذهن الإنسان، فقد نجحت التكنولوجيا في تسهيل كثير من مناحي حياتنا، لكنها ستعيق الحياة إذا ما وصل الأمر إلى خصوصياتنا وسماتنا الإنسانية، فهي تفتح الباب لولادة أشكال هجينة، مفرغة من مضاميننا البشرية، وتوقع الإنسان في حيرة الوهم، ووهم الحيرة.

Your Page Title