أثير – مـحـمـد الـعـريـمـي
هي ليست قصة من نسج الخيال أو رواية تُقلب صفحاتها بحثًا عن النهاية السعيدة، بل هي قصة حقيقية وواقعية حدثت لأحد الشباب العُمانيين مِمن جرّتهم المخدرات إلى طريق الهلاك الطويل قبل الاهتداء، ورغم قسوة الدرس الذي واجهه وكاد أن يُفقده حياته مع سبقِ إصرارٍ وترصدٍ مِمَن جمعته بهم آفة المخدرات إلا أن “الشيطان شاطر” كما يُقال، فاتبع طريق الشيطان لأعوام وأعوام إلى أن كُبِّل وامتثَل أمام القاضي ليُحكم عليه بالسجن 10 أعوام.
نسرد القصة عبر “أثير” وتفاصيلها تحمل لنا العِبر والدروس وأن المخدرات هي طريق الهلاك لا محال، فإن لم تكُن نهاية المتعاطي الموت بجرعةٍ زائدة فقد تكون النهاية مقتلا أو هلاكا بأيادي من تجمعهم به هذه الآفة طمعًا أو عداء أو دون قصد؛ أو قضبانًا حديدية تسلب منه حُريته ودفء منزله، وما بين كل ذلك طريق موحش ومظلم ومؤلم، يُجرّد المتعاطي عقله من نفسه بِنفسه، فيخسر أصدقاءه وأحباءه بإغواء الشيطان؛ قد تكون سرقة الأهل لتوفير مبلغ لجرعة تذهب نشوتها في وقتٍ قصير أو غضب واعتداء دون سببٍ ومُتسبب، فتذهب تلك النشوة ويبقى الفعل والأثر.
بدأت قصة الشاب العُماني – لن نذكر اسمه حفاظًا على خصوصيته وتلبيةً لطلبه-، مع المخدرات في الترويج فقط، حيث كان يتسلّم كمية منها من أحد الموردين ويبدأ في ترويجها، ويوفرها من زبونٍ إلى زبائن آخرين، وفي أحد الأيام تلقى اتصالًا هاتفيًا من زبون طلب منه نصف كيلو من الهيروين، وذُهل الشاب حينها كونها كمية كبيرة ومُربحة! فتوجه مباشرةً إلى الشخص الذي يوفر له الهيروين ليروجها.
اتفق الشاب مع الذي يوفر له الهيروين وأخبره بأن شخصين طلبا نصف كيلو من الهيروين ويرغبان في معاينة جودة البضاعة، فاتفقوا على أن يكون اللقاء بعيدًا عن الأنظار في أحد الشواطئ وهو مكان يلجأ إليه الكثير منا للهدوء والسكينة إلا أن المخدرات جمعت الأربعة وخامسهم الشيطان على ذلك الشاطئ، وبعد معاينتهم وتجربتهم للبضاعة أكدُّوا رغبتهم في الشراء، وسرعان ما أعمى الطمع أبصارهم وأغواهم جليسهم الشيطان بارتكاب ما هو أسوأ من الاستيلاء!
لم يكن الشاب يتعاطى مادة الهيروين وأحيانًا ما يتعاطى بعض الحبوب، وبنفسٍ شيطانية ونيةٍ خبيثة أغووه لتجربة بضاعته مزينين له الكلام ومادحين له جودتها، فأقنعوه بالتجربة وجرَّوه بطريقة أو بأخرى لتجربة شيءٍ بسيط منها، ولأن الشاب لا يتعاطى فلم يكن يعلم كميات التعاطي الزائدة، فأعطوه كمية أكبر “جرعة زائدة”؛ ولماذا؟
كانت نيتهم الاستيلاء على كمية الهيروين التي لديه بدون مقابل ودون مبالاة بقتل روحٍ حرمّ الله قتلها بغير حق ومتجردين من كل الصفات الإنسانية، ونزعت المخدرات من أفئدتهم تلك الرحمة التي جُبل عليها الإنسان؛ وبعد أن تعاطى الشاب الجرعة فقد الوعي تمامًا وكانت حينها الساعة السادسة مساءً، حيث كان برفقة زميله المورد والزبونين الراغبين في شراء البضاعة، ومن الساعة السادسة مساءً إلى الساعة السادسة صباحًا عانى الشاب من ويلات تلك الجرعة ما بين تقيؤ ورعشة في الجسد وإغماء.
بعد أن أشرقت الشمس التي غربت قبل 12 ساعة وأوشكت أن تكون الساعات الأخيرة من عمره، لكن كان لطف الله أكبر؛ استيقظ الشاب في السادسة صباحًا وأخبره زميله الموّرد ما حدث في تلك الليلة التي كانت ستتحول إلى فاجعة، حيث كان المورد زميل الشاب يحاول إنقاذه بعد أن تعاطى تلك الجرعة الزائدة، فقد بدأت آثارها بالرعشة والتقيؤ وغيرها، فأرسل الشخصان زميل الشاب لإحضار الماء بحُجة إنقاذه فذهب راكضًا بنية إحضار الماء لإنقاذ زميله، إلا أنه عاد وفي يديه الماء لكن لم يجد الشخصين ولا البضاعة ولا المبالغ التي كانت بحوزته، فاختفيا عن الأنظار تمامًا!
بعد أن واجه الشاب ذلك الدرس وكان لطف الله أكبر من وساوس الشيطان، لم يتعاطَ لأشهر طويلة إلا أن “الشيطان حيّ”! فعاد يتعاطى إلى أن أصبح مدمنًا واتبع خطوات الشيطان لـ 8 أعوام ظنَّ فيها أن ذلك الدرس هو الأول والأخير، فكان الموقف الأول عبرة ولم يعتبر، وفي المرة الثانية كان للجهات الأمنية والقضائية كلمة أخرى ، حيث ضُبط الشاب بعد 8 أعوام وتم الحكم عليه بالسجن لـ 10 أعوام، فطعن في الحكم وخُفِّض إلى 5 أعوام، وفي السجن أخيرًا قرر أن يراجع حساباته ويقوّم نفسه، فحصّن نفسه بالثقافة الإسلامية وتعلم القرآن الكريم ثم خرج بعفوٍ بعد أن أكمل 4 أعوام وشهرين، فابتعد عن رفقاء السوء وصاحب من الناس خيرهم مِمن يدلُّونه ويعينونه على الخير.
أراد الشاب أن يوجّه رسالة عبر “أثير” لكل مُدمن أو شاب قد يُفكر في سلك طريق المخدرات المفروش بالآلام، والمعتّق بالأوهام، قائلًا: “إذا أردت أن تترك التعاطي فاتركه لله لأنها معصية فاتركها خوفًا من الله وليس خوفًا من أي شيء آخر، فإذا تركتها لغير الله فأنت معرض للعودة إليها مرة أخرى في أي وقت”.
ونتساءل هنا؛ هل تستحق أجسادنا أن نغرس فيها تلك السموم التي تنهش فينا كل شيء، وهل تستحق تلك النشوة التي سرعان ما تذهب وتخلّف الكثير من قليلها، هل يستحق كل ذلك أن نُدمر أنفسنا بأنفسنا ونفطر قلوب والدينا وأسرنا وقد نخسر حريتنا وحتى حياتنا؟