أثير – ريـمـا الشـيخ
“أحيانًا يقودنا القدر إلى حياة ويغير مجراها إلى اتجاه ما كنا يوما نتمنى أن ننقاد إليه؛ طريق طويل ومظلم قادني لأكون به بعيدة عن الأمان، بعيدة عن السعادة وراحة البال، طريق سلبني تلك المسرة التي عشتها وقطفتها من هذا الزمن الذي قسا علي، فمرت وكأنها لحظات سريعة تركت في نفسي الذكرى لعلي أعود إليها يومًا، ويعود لي الأمان الذي افتقدته وأنسى هذه الأيام وقسوتها علي، وأتمنى أن تقودني ثقتي بنفسي لأكون محاربة لأستعيد ما فقدته من راحة بال وأمان وأعيد ما سرقته مني الأيام إلى حياة مبهجة تعيدني إلى مسكن آمن مع أطفالي وأنسى كل ما مررت به.”
بهذه الكلمات بدأت الشابة ”ن“ البالغة من العمر 35 عاما، بسرد قصتها لـ”أثير” حيث شرحت فيها بداية رحلتها مع تعاطي المخدرات وكيف غير ذلك مجرى حياتها.
أثير
تقول الشابة خلال حديثها: تبنتني عائلة مكونة من أم وأب، وعشت طفولة صعبة، خصوصًا بعد وفاتهما وأنا عمري 13 عامًا، وهنا كانت البداية حيث كنتُ أعبّر عن حزني وكل ما أشعر به بالتعاطي، فكان التفكير المظلم لا يفارق بالي ”ليس لدي أهل، ليس لدي أخوة، من أنا ومن هم أهلي الحقيقون“ والكثير من الأسئلة التي جعلتني أتجه لعالم المخدرات، وبالتأكيد لا أنسى أصدقاء السوء”.
وأضافت: كانت البداية مع حبوب مخدرة أخذتها من فتيات يتعاطين أيضًا، ثم اتجهنا للإبر وبعد فترة توفيت كل الفتيات المتعاطيات في تلك المجموعة، وبعد ذلك الحدث مررتُ بمراحل وتجارب كثيرة، فلم تكن طفولتي زهرية وآمنة، حتى مرحلة المراهقة كانت متعثرة ومتعسرة.
كثيرًا ما يزيح كاهل الظلام نور الأمل الذي يحيي في نفوسنا طريق الأماني، وهذا ما وصلت له الشابة ”ن“ من خلال رسالة وصلت لها، فأوضحت بقولها: وصلتني رسالة من شخص يعمل في مصحة لمعالجة المدمنين من خارج سلطنة عمان، لأتعالج بشكل مجاني معهم، ففي ذلك الوقت لم يكن في السلطنة مصحة لعلاج النساء المدمنات، فتكفلوا بكل شيء مثل استخراج الأوراق والجواز، حيث لم تكن لدي أي وثيقة رسمية حينها، فتعالجت معهم من الإدمان وتخلصت منه.
كثيرًا ما يزيح كاهل الظلام نور الأمل الذي يحيي في نفوسنا طريق الأماني
وأضافت: عند عودتي إلى سلطنة عُمان، التقيت بشاب عماني، وبعد فترة تعارف قررنا الارتباط والزواج وأنجبت منه ولدين، وكنت أعلم بأنه متعاطٍ سابقًا، لكن أكد لي بأنه تعافى من الإدمان، وقبل عامين عاد زوجي للإدمان ومن بعده بستة أشهر عُدت أنا أيضًا للإدمان مرة أخرى، بعدما كنت متعافية لمدة خمس سنوات، وخلال تلك السنوات عشت أجمل أيام عمري، فقد حصلت على وظيفة وبدأتُ حياتي من جديد، واكتسبت ثقة الناس في عملي، لكن كل هذا تغير بلحظة رجوعي للإدمان مرة أخرى حيث عدت إلى حيث توقفت؛ إلى تلك الجرعة الأولى التي غيرت حياتي قبل سنوات.
وأكملت الشابة سردها لقصتها: خرجت من السجن قبل ما يقارب الشهر، فقد سجنتُ لمدة 7 أشهر و 20 يومًا، بسبب قضية سرقة، فقد سرقتُ سيارة من الشركة التي كنت أعمل بها لأستخدمها للتنقل، فبسبب ظروفي وخسارتي لكل شيء اضطررت للسرقة، فرفعت الشركة قضية جنائية وما زالت قائمة حتى يومنا هذا، وقد خرجت من السجن بكفالة شخصية وبسبب وضعي الصحي، لكن القضية جارية وستتحول للمحكمة وأعتقد بأني سأسجن لمدة 5 سنوات على الأقل.
وأضافت: عند خروجي من السجن تعرفت على برنامج الزمالة لعلاج المدمنين، وحصلت على الرعاية المعنوية من الأخوات في البرنامج اللاتي يحرصن على أن أتعافى من التعاطي بشكل تام وألا أعود لهذا العالم مرة أخرى، فالذي مررتُ به ليس بالشيء الهين، فأنا أشعر بالخوف كل يوم؛ أخاف بأن أسجن والبقاء بعيدة عن أطفالي.
تحاول ”ن“ العودة إلى حياتها الطبيعية من جديد، فهي تعود من انتكاسة دامت معها سنة كاملة بسبب زوجها المدمن، فذكرت: حاليا أمضي قدمًا في إجراءات الطلاق، فقد خسرت نفسي وصحتي وكل ما أملك وعدت لنقطة الصفر من جديد، وكل ما بنيته خلال سنوات التعافي ضاع في لحظة؛ خسرت بيتي وزوجي الذي ظننته سندًا لي، وخسرت أطفالي وعملي.
وبسبب تعاطي المخدرات وبالتحديد المادة المخدرة ”آيس“ تعاني الشابة ”ن“ من اللوكيميا وحاليًا هي في مرحلة علاجية من خلال الجلسات الكيمياوية. كما أنها تعاني أيضًا من أمراض كثيرة، مثل مشاكل في الكبد والكلى، ومرض فقر الدم وغيرها.
تعيش اليوم ”ن“ في شقة صغيرة، لكنها لا تستطيع دفع ثمن الإيجار، ولا تستطيع شراء الحاجيات الأساسية لها، فهي لم تتوظف وليس لديها من يعيلها، فذكرت: أتمنى بأن تنتهي هذه القضية وأعيش حياتي طبيعية دون خوف، فأنا أحارب للتغلب على مرضي لأعيش حياة طبيعية، وأنتهي من مرحلة التعافي وأعود قوية كما كنت لعملي ولأطفالي فلم أرهم منذُ 9 أشهر.
وفي ختام حديثها مع ”أثير“ أكدت الشابة ”ن“ بأنها ترغب في أن تعود حياتها كما كانت في السابق، فهي عازفة غيتار ورسامة، مؤكدةً بأنها لم تتعاطَ أي نوع من المخدرات منذُ دخولها إلى السجن حتى يومنا هذا، فهي تسعى جاهدة إلى أن تحظى بحياة كريمة كسابق عهدها “أنا مؤمنة بالله وبنفسي فأنا قادرة وسأعيش وسأحارب إن شاء الله”.
ووجهت الشابة مناشدة للجهات المعنية بفتح مصحّات لعلاج المدمنات الشابات ومراكز إعادة التأهيل للفتيات فقط أو قسم خاص في المستشفيات، والعمل على الترويج عنها من خلال الحملات قبل فوات الأوان وخسارة المزيد من الأرواح.