أثير – مكتب أثير في تونس
أجرى الحوار: محمد الهادي الجزيري
رآني وجالسني في نهاية القرن الماضي، في بغداد، أنا لا أذكر ذلك، ولا أعرف شيئا إلاّ أنّه حبيب لقلبي وقد حظيتُ بمقابلته في تونس وفي عُمان، حينما جمعتنا أثير، وأعرف أيضا أنّه حصد الجوائز في الوطن العربي، وآخرها جائزة الأمير عبد الله الفيصل عن كامل منجزك الشعري عام 2021، وأنّه صار “المستشار الثقافي للسيد رئيس الوزراء”، وأخيرا علمت بقدومه إلى معرض الكتاب الدولي بتونس على رأس وفد عراقي من نخبِ البلد العظيم، لأنّ العراق ينزل في هذه الدورة ضيف شرف، على كلّ أكيد عرفتم ضيفي اليوم: هو الشاعر الكبير عارف الساعدي، مع الشكر له على ما أتاحه لنا من وقت لإجراء الحوار.
- بعد المباركة والتهنئة لك وللشاعر الذي فيك، تسنُمك المنصب الجديد “المستشار الثقافي للسيد رئيس الوزراء” بتأخير، ومرحبا بك في تونس، وهذه أجواء الحوار المباشر، نريد أن نعرف كيف يتحمّل هذا الوزر الثقيل، مبدع رقيق وممتلئ بالأسئلة الوجودية، وبالأفكار والرؤى، هل تأقلمت مع وضعك الجديد؟
شكرا لك ولتونس الخضراء، نعم هو فعلا وزر كبير ولكنّه يقع في خانة الأوزار الناعمة والجميلة التي من خلال هذا المنصب.. تستطيع أن تنفذ بعضا من المشاريع والأفكار التي نحلم بها ونردّدها ونحن خارج المنصب، نعم بدأت أتأقلم بصعوبة مع الوضع الجديد، ولكني أقدّم رجلا وأتأخّر قليلا.. لألتفت إلى قصائدي ومقالاتي ومشاركاتي الشعرية، حيث بدأت أفتقد تلك الأجواء للآسف، ولكنّي سعيد رغم التعب: إنّني أنجز شيئا معقولا للثقافة العراقية في هذا المكان الذي أشغله الآن.
– العراق ضيف شرف في معرض الكتاب بتونس، ماذا أعددتم لهذا التمثيل الفخريّ، هل ثمّة برنامج للتعريف بالأدب العراقي والحضارة العراقية؟
سعادة كبيرة أن يكون العراق ضيف شرف معرض الكتاب في تونس، وهو تشريف وتكريم للثقافة العربية والعراقية من ضمنها، وهو في نفس الوقت استئناف للمحبة وللتواشج الأصيل بين البلدين بين الحضارتين العريقتين بين المشرق والمغرب، حَضرنا بوفد ثقافي كبير ومتنوع التخصّصات، حيث أعددنا مع الجانب التونسي برنامجا ثقافيا يتضمّن عشرة ندوات ثقافية، ما بين الشعر والنقد والتاريخ والفكر والموسيقى، وجلسة عن نازك الملائكة وأخرى عن العلاقات التاريخية بين العراق وتونس، هذا هو برنامجنا وبضاعتنا نعرضها ونتشارك مع اخوتنا التونسيين في تقديمها.
– دأبتَ على حصد الجوائز والتكريمات من ضمنها نذكر: جائزة مسابقة “المبدعون للشعر” التي أقامتها مجلة “الصدى” في دورتها الأولى في دبي عام 2000 والجائزة الثانية في مسابقة سعاد الصباح في الكويت عام 2004، وجائزة الدولة للإبداع الشعري عن وزارة الثقافة العراقية عام 2014، وجائزة الأمير عبدالله الفيصل عن كامل منجزك الشعري عام 2021، وسؤالي يتعلّق بالجائزة الأخيرة، هل تعتبرها تتويجا لمسيرتك الشعرية، أم حافزا لمواصلة الكتابة والإبداع بمسؤولية جسيمة؟
الجوائز محطة مهمة لأيّ كاتب أو مبدع، تشعره أنّ هناك من يقدر جهدك وعملك وأنّ القصائد التي تبكيك في الليل حين كتابتها، ستكون في يوم من الأيام محلّ اعتزاز الكثيرين يتغنون بها ويقدرون جهد صاحبها بالعرفان والشكر، أنا عن جائزتي الأخيرة وهي الأكبر بين الجوائز، فتعدّ واحدة من أجمل المحطات التي أعتز بها وأفخر، ولكنها بالتأكيد ليست خاتمة أو تتويجا للمسيرة الشعرية، فما زلت أشعر أنّي لم أصل بعدُ، وأنّ هناك طريقا طويلا عليّ أن أخوضه وأنّ هناك قصائد لم أكتبها بعد تنتظرني.
– قلت في إحدى حواراتك الأخيرة: “إن الشعر الآن يعاني أزمة الأسئلة وممتلئ بالإجابات..” وعبّرت عن قلقك من أنّ الساحة تفتقر إلى تجارب كبيرة يُشار إليها، فهل نغلق الدُكان كما يُقال، أم ننتظر ميلاد الفحول؟ أم نبحث عن حلول أخرى؟ ما الحلّ إذن؟
فعلا أنا قلت هذا الكلام، لأنّي بصراحة مللْتُ من الشعر المطمئن الذي لا عمل له سوى أن يجيب بسذاجة باردة، عن إشكاليات الحياة وتعقيداتها، فالشعر إمّا أن يكون جريئا ويحاكم التاريخ من خلال أسئلة لا إجابات لها، أو يسكت ولا يجيب عن أّي قضية من القضايا، لأنّه سيتحول إلى وسيلة ساذجة تعبر من خلالها النوايا المستقرة، والشعر لا يحب الاطمئنان، لذلك حذّرت من هذه الظاهرة التي بدأت تتفشى كثيرا في المهرجانات والجوائز الشعرية، حيث تكرّس مظاهر التقليد والأفكار الجاهزة المعلبة، ويتحوّل الشعر إلى علبة فارغة توضع فيها اللغة الميتة والأفكار المحنطة، وهذا ما حذّرت منه لأنّنا بعد 70 عاما من مشروع تحديث الشعر العربي، نواجه برِدّة متخلفة وساذجة، نحو هذا النمط من الكتابة الشعرية، والأغرب من ذلك بدأ أصحاب هذه القصائد يقتنعون ويقنعون أنفسهم أنهم يقدمون شيئا عظيما، يا للخسارة.
- أنت عارف الساعدي تمثّل الأكاديمي والمسؤول الثقافي والشاعر الكبير وربّ العائلة وصديق الجميع، فمتى تخلو لفكرتك وإلهامك وتأمّلاتك؟
فكرتي وإلهامي هما كلّ ما ذكرت، فأنا لا أعيش إلاّ بصخب العائلة والأصدقاء لأنّهم زين قصيدتي التي أضيء بها أفكاري وجنوني.
- هل لديك جديد في منجزك الشعري؟
نعم لديّ ديوان طُبع قبل أيام اسمه “قصائد العائلة” من دار صوفيا في الكويت ودار ومكتبة عدنان في بغداد وهو مكرس للعائلة وهمومها.
- نودّ إن تفضلت، أن ننهي معك هذا الحوار بمقطع شعريّ من كتابك الجديد..
الصديق الوحيد
إلى ولدي الطيّب ذي الأربعة أعوام
“لم يتبق من أصدقائي القدامى أحد
ولدي الصغير هو صديقي الجديد
كلَّ مساء
ولدي الصغير
يصعدُ معي سيارتي
يجلسُ في المقعد المجاور لي
هو وحدَه من تبقّى من أصدقائي
نتحدثُ معاً
نضحكُ معاً
ونثرثرُ معاً
نشتري من السوق ما نشاء
فهو صديقي الوحيد
ولكنّه سيكبر
أخشى أنْ يكبرَ
كيف أُقنعُه يا ربْ
ألّا يكبر
كيف لي أن أشدَّ حبلَ طفولتِه
بصخرة الزمن المتهاوي
كيف لي أن أُلهيَه في البقاء صغيرا
ولكنه سيكبر
وحينَها
سيبدّل صديقَه القديم
سيكتشف أصدقاء جددا
——
وسيدور الزمان
وأصعد في المقعدِ المجاورِ له
حين يأخذُ صديقَه العجوزَ إلى المستشفى
سوف لا نتحدثً بشيء
لن نضحكَ معاً
أو نثرثرَ
ولن يعجبه أيُ شيءٍ من صديقه الشاعرِ العجوز
سوى أنه كان هذه القصيدة”