أخبار

السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين

السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين
السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين

أثير- د. أحلام بنت حمود الجهورية، باحثة وكاتبة في التاريخ، عضو مجلس إدارة الجمعية التاريخية العُمانية

من المفارقات التاريخية التي تسترعي الانتباه للقارئ والباحث في عهد السلطان علي بن حمود البوسعيدي أن حكمه كان بين مراسم تتويج ملكين؛ فقد أُرسل لحضور تتويج الملك إدوارد السابع (22 يناير 1901م- 6 مايو 1910م) الذي كانت مراسم تتويجه في 9 أغسطس 1902م، حينها كان السيد علي في بريطانيا يدرس في مدرسة هارو، وهناك أرسل إليه والده السلطان حمود ليحضر مراسم حفل التتويج نيابة عنه، وقد تأخر حفل التتويج حتى أغسطس وفي هذه الأثناء توفي والده السلطان حمود في 20 يوليو 1902م وتم استدعاؤه للعودة إلى زنجبار ليكون خليفة لوالده في الحكم. وفي مراسم تتويج الملك جورج الخامس (6 مايو 1910م- 20 يناير 1936م) الذي كانت مراسم تتويجه في مايو 1911م، حيث لم يكمل السلطان علي رحلته لحضور مراسم حفل التتويج وبقي في باريس وأوفد زوج أخته معتوقة السيد خليفة بن حارب لينوب عنه في حضور الحفل، وتنازل عن الحكم من باريس بعد أيام من مراسم تتويج الملك جورج الخامس. وتجدر الإشارة إلى أن مراسم تتويج ملوك بريطانيا (احتفالات تتويج ملوك بريطانيا هي مراسم -بالتحديد طقوس تنصيب- تتويج ملوك المملكة المتحدة رسميًّا ومنحهم المجوهرات الملكية الدالة على تملكهم سلطة الملك وحقوقه. وهي تشبه المراسيم الأوروبية لتتويج الملوك في القرون الوسطى) وتعقد بعد عدة شهور من وفاة الملك السابق؛ لاعتبار التتويج مناسبة مبهجة ليس من اللائق الاحتفال بها خلال فترة الحداد، كما يمنح منظمو الاحتفال الوقت الكافي لتحضيرات الحفل.

 

ولبيان تلك المفارقة التاريخية نسرد شذرات من عهد السلطان علي بن حمود.

السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين
السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين

أولاً: نسبه ونشأته:
السلطان علي بن حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان بن أحمد بن سعيد البوسعيدي، ثامن سلاطين أسرة البوسعيد في زنجبار، وُلد في 7 يونيو 1884م. قام والده السلطان حمود بن محمد بتهيئته ليكون خليفته في الحكم، فأرسله إلى مدرسة هارو الشهيرة في لندن في عام 1898م، وتم إعداده من جميع النواحي لخلافة والده، فمن الناحية التعليمية، تلقى السيد علي علومه في أهم مدرسة إنجليزية وتعد مدرسة الصفوة في المجتمع الإنجليزي (مدرسة هارو). ومن الناحية الثقافية، عاش السيد علي بن حمود في المجتمع الإنجليزي قرابة 4 سنوات، فكان على معرفة ودراية بأسلوب الحياة الأوروبية. أما من الناحية الدبلوماسية فتم إعداده من خلال إسناد بعض المهام الدبلوماسية له: كحضور حفل تنصيب الملك إدوارد السابع في لندن في مطلع سنة 1902م نيابة عن والده السلطان حمود بن محمد (كان من المقرر تتويج الملك إدوارد السابع في 26 يونيو 1902م لكنه تُوج فعليا في 9 أغسطس 1902م)، وزيارة عدد من الدول الأوروبية التي ترتبط بعلاقة تجارية مع زنجبار، وذلك خلال فترة وجوده في لندن للدراسة، والدول التي زارها: إيطاليا، وألمانيا، والنمسا، وفرنسا.


السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين
السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين

تزوج السيد علي بن حمود في عام 1319هـ/ 1902م -قبل توليه الحكم- وهو ما تؤكده وثيقة توضح مصاريف وليمة عرسه مؤرخة بتاريخ 17 ذي الحجة 1319هـ/ 26 مارس 1902م؛ لكن زواجه لم يستمر، فطلق زوجته الأولى، وتزوج من ابنة سلطان عُمان فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان (1305-1331هـ/ 1888-1913م) في عام 1904م، وله من الأبناء: سعود وفريد وزينة وتحفة. وهذا الزواج -كما يبدو- كان له الدور المهم في العلاقة الودية بين السلطان علي بن حمود والسلطان فيصل بن تركي، وهو ما تؤكده المراسلات المتبادلة بين الطرفين.

ثانيا: تسلمه الحكم:
تولى السلطان علي بن حمود الحكم بعد وفاة والده السلطان حمود بن محمد 12 ربيع الآخر 1320هـ/ 20 يوليو 1902م، حيث تم استدعاؤه من لندن إلى زنجبار لتنصيبه سلطانا، وتم ذلك في قصر العجائب بجزيرة أنغوجا في زنجبار، حيث وصل السلطان علي بن حمود إلى ميناء زنجبار بتاريخ 27 يوليو 1902م.


وتميّز السيد علي بعدد من المؤهلات التي أهلته لتولي الحكم، يمكن إجمالها في الآتي:
1. تلقى السيد علي تعليمه في مدرسة هارو الشهيرة، في إنجلترا فاكتسب من خلالها الثقافة والطباع الإنجليزية الأرستقراطية.
2. السيد علي كان قد بدأ يُمثِّل والده السلطان دبلوماسيا في بعض المحافل الدولية، كما حدث في مطلع عام 1902م، حينما ابتعث إلى إنجلترا لتمثيل السلطان في حفل تتويج الملك إدوارد السابع على عرش بريطانيا.
قام السلطان علي بن حمود بعدد من الزيارات الرسمية وغير الرسمية خارج زنجبار، منها: استمرار رحلاته إلى أوروبا للعلاج. كما أدى السلطان علي بن حمود فريضة الحج في عام 1903م.



السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين
السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين السلطان البوسعيدي الذي شهدت فترة حكمه مراسم تتويج ملكين بريطانيين

ومن أهم الزيارات التي قام بها السلطان علي بن حمود خلال فترة حكمه زيارته للدولة العثمانية في عام 1907م، حيث قابل السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1876-1909م) في إسطنبول. وتم استقباله بحفاوة تليق بمقامه ومكانته كسلطان. كما تم تكريمه من قبل السلطان العثماني بمنحه أعلى وسام في الدولة العثمانية المُسمى بـــ (العثماني الأعظم).

وتشير الوثائق إلى أن السلطان علي بن حمود خضع لعملية في مستشفى إسطنبول قبل لقائه السلطان عبد الحميد الثاني، وحظي باهتمام بالغ من قبل السلطان العثماني. وكانت الزيارة الأخيرة للسلطان علي بن حمود من زنجبار إلى أوروبا في عام 1911م وهي الرحلة التي ذهب فيها ليحضر مراسم تتويج الملك جورج الخامس في لندن؛ لكن توقف في باريس وأوفد السيد خليفة بن حارب زوج أخته معتوقة ليحضر الحفل نيابة عنه.

ثالثا: ملامح عهده:
يذكر المغيري أبرز الإنجازات التي تحققت في عهده، منها:
1. أول من أنشأ مدرسة تدرس العلوم العصرية في زنجبار، في عام 1908م. وكل مصاريفها من جيبه الخاص.
2. إنشاء المحاكم القانونية (محكمة جلالة السلطان في زنجبار”His Highness The Sultan’s Court for Zanzibar”).
3. فرض ضريبة على أموال الأموات وهي الضريبة المعروفة بضريبة التركات.
4. استبدال العملة المحلية الريال الزنجباري، بالعملة الجديدة: روبية زنجبارية، في عام 1908م، وتحتوي الروبية الزنجبارية على فئات: 5، 10، 20، 50، 100، وهذه الأنماط عملت خصيصا لزنجبار، وعليها صورة شجرة القرنفل.
5. جلب أول ماكينة كهربائية لإنارة البلاد والبيوت في زنجبار، وكان مركزها في حارة مليندي فرضاني.
6. تأسيس سكة حديد طولها سبعة أميال من زنجبار إلى بوبوبو، وزودت بقطار، وكان ذلك في عام 1905م من قبل الأمريكان، وفي عام 1911م صارت ملكاً لحكومة زنجبار، ولاحقاً صدر أمر بتوقفها في عام 1928م بسبب كثرة استعمال السيارات في البلاد لذلك تم إيقافها من قبل الشركة المؤسسة.





اهتم السلطان علي بن حمود بالشؤون الثقافية، وهذا يظهر من خلال اشتراكه السنوي في العديد من المجلات والجرائد، واهتمامه بشراء الكتب المتنوعة التي تُظهر مدى اطلاعه بالأحوال الثقافية. وقد حاز السلطان علي بن حمود على مكانة رفيعة لدى النخبة المثقفة، وهو ما تكشفه المراسلات المتبادلة بين السلطان علي بن حمود، ومالكي ومحرري الجرائد والصحف.

قام السلطان علي بن حمود بتقليد بعض الشخصيات أوسمة ونياشين تقديراً لجهودهم في خدمة سلطنة زنجبار، حيث ترصد الوثائق ثلاثة نياشين قلدها السلطان علي بن حمود: (الكوكب الدري الزنجباري، والنيشان السعيدي، ونيشان العلية). فمنح نيشان الكوب الدري الزنجباري من الدرجة الثانية للوالي علي بن سالم بن خلفان البوسعيدي في 4 رمضان 1321هـ/ 23 نوفمبر 1903م. وقام بتقليد النيشان السعيدي لعدد من الشخصيات، مثل: محمد بن ناصر بن خلف المعولي (الرتبة الخامسة) بتاريخ: 3 ربيع الثاني 1323هـ/ 6 يونيو 1905م. ومحمد بن جمعة المغيري (الرتبة الخامسة) بتاريخ: 12 ربيع الثاني 1323هـ/ 15 يونيو 1905م. وعلي بن سليمان الخروصي (الرتبة السادسة) بتاريخ: 23 ربي الثاني 1323هـ/ 26 يونيو 1905م.

استحدث السلطان علي بن حمود نيشان العلية نسبة إلى اسمه، وقام بتقليده لعدد من الشخصيات، مثل: مستر جوردن جوفند (الرتبة الخامسة) بتاريخ: 15 ربيع الأول 1324هـ/ 8 مايو 1906م.

رابعا: التنازل عن الحكم:
استمر حكم السلطان السيد علي بن حمود حتى 9 ديسمبر 1911م، وهو التاريخ الذي أُعلن فيه تنازله عن الحكم. وتعود تفاصيل تنازل السلطان علي بن حمود عن الحكم إلى رحلة ذهابه إلى لندن لحضور حفل تنصيب الملك جورج الخامس (6 مايو 1910م- 20 يناير 1936م)، حيث توقف في باريس وأوفد السيد خليفة بن حارب زوج أخته معتوقة ليحضر الحفل نيابة عنه، والذي وصل إلى لندن في 27 مايو 1911م. بعد انتهاء مراسيم الحفل تنازل السلطان علي بن حمود عن الحكم من باريس، ويذكر المغيري أن خبر التنازل انتشر في 14 نوفمبر 1911م؛ لكن خبر إعلان التنازل لم يتم الإعلان عنه حتى 9 ديسمبر 1911م.


تعددت الأسباب التي أدت إلى تنازل السلطان علي بن حمود عن الحكم، فالإدارة الإنجليزية أشارت إلى أنها أسباب صحية، وهو ما أوضحته في البيان الذي نُشر في 9/12/1911م، ومما جاء فيه: “سمو السلطان علي بن حمود سلطان زنجبار، قد أخبر جلالة ملك بريطانيا بأن حالته الصحية قد آلت لسوء الحظ، إلى حد يمنعه من استمراره بإتمام الواجبات اللازمة عليه، بصفته حاكما على هذه السلطنة، لذلك سموه طلب أن يعفى من حمل الذي حمل، وقد أحسَّ في نفسه عدم المقدرة على حمله زيادة”. أما المغيري فيذكر أن هناك أسبابا سياسية وراء ذلك الاعتزال، حيث يشير إلى ذلك: “وعقب انتهاء حفلة التتويج، أبرق السيد علي بن حمود، من باريس إلى حكومة بريطانيا، باعتزاله عرش زنجبار، لأسباب سياسية، اقتضت ذلك. ولا نرى فائدة من بسطها هنا”.
وقدّم بعض الباحثين ما يدلل على عَزْل السلطان علي عن الحكم، حيث يشير الريامي إلى أن قضية تنازل السلطان علي بن حمود عن العرش لم تكن اعتزالا عن الحكم وإنما هي عزلٌ قهري وهو ما تُشير إليه وثيقة رسمية عبارة عن رسالة مُوجَّهة إلى السلطان علي بن حمود من السير إدوارد جري وزير المستعمرات البريطانية بتاريخ 11/10/1911م، حيث ورد فيها إشارة صريحة إلى السلطان علي بن حمود تقضي بضرورة تقديم استقالته.
خلاصة القول: إن دراسة السلطان علي بن حمود في أوروبا كانت عاملا مهما في بناء شخصيته المستقلة، وانفتاحه على تجربة حضارية ثرية، مما أسهم في انفتاحه على الثقافة ومجالسته للعلماء والمثقفين، واطلاعه على تجربة الجامعة الإسلامية، كل ذلك أدى إلى تكون رغبة عميقة برفض الوصاية البريطانية على حكمه مما أدى إلى موقف بريطاني صارم بإجباره على الاعتزال، فتم عزله.
خامساً: وفاته:
عاش السلطان علي بن حمود في باريس، ويذكر المغيري وفاته في 15 ربيع الأول 1337هـ/ 18 ديسمبر 1918م، عن عمر يناهز 34 سنة.



Your Page Title