فضاءات

قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي

قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي
قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي

أثير – مكتب أثير في تونس
تتبّع آثاره: محمد الهادي الجزيري


لا يفعل شيئا غير الكتابة، وأسأل في سرّي: متى يرتاح هذا الرجل، أعرفه من بعيد مذ كنت يافعا، وإن توطّدت علاقتي به مؤخّرا، ولا أسمع عنه: سوى أنّه أصدرَ، ترجمَ، تٌوّج، أبدع، أما في الأفعال فعل واحد ينمّ عن قلّة الحركة أو سكونها؟ أما في قاموسه ملل أو يأس أو كلل؟ هذا هو ضيفنا اليوم التونسي الأستاذ أبوبكر العيادي الروائي والقاصّ والمترجم وكاتب المقالات الأدبية والصحفية، ونرجو أن لا نكون نسينا صفة من صفات الرجل الذي يزيد من سرعة إنتاجه، غير مكترث بعدّاد العمر، بل إنّه يزداد تألقا وإبداعا وشبابا كأنّه يسخر من الزمن وتفاصيله، تحت ستر الله وحمايته…

ولد أبو بكر العيادي يوم 6 مارس 1949 بجندوبة وهي جهة فلاحية تونسية، وقد زاول تعليمه بمسقط رأسه ثم بمعهد ابن شرف بالعاصمة، أحرز على شهادة ختم الدروس الترشيحية سنة 1967، عمل بالتدريس والصحافة الثقافية والإنتاج الإذاعي، وأقام في باريس منذ 1988 ونال الأستاذية في علوم التربية سنة 1997، وما يزال في ركنه الباريسي مواظبا على إصداراته، فقد كتب القصة والرواية والمقال والدراسة والترجمة والمسلسل الإذاعي وأدب الطفل، ووضع بالفرنسية قصصا مستوحاة من التراث العربي القديم والتراث الشعبي التونسي، كما ساهم في إعداد كتب مدرسية لأبناء الجالية في أوروبا تحت إشراف وزارة التربية والتكوين، ويعدّ أبو بكر العيادي من أغزر الكتّاب التونسيين والعرب إنتاجا وعطاء، فمؤلفاته في القصة والرواية والمقالة الأدبية والفكرية وأدب الطفل واليافعين، وترجماته لعيون الأدب العالمي، ومسرحياته ومسلسلاته الإذاعية، نال أغلبها جوائز عربية ومتوسطية.

ومن رواياته نذكر: لابس الليل، مسارب التيه، آخر الرعية، الرجل العاري، زمن الدنّوس، أوراق من دفتر الخوف، ومن مجموعاته نسرد: لابس الليل، مسارب التيه، آخر الرعية، الرجل العاري، زمن الدنّوس، أوراق من دفتر الخوف، وقد أشرف لسنوات على الملحق الأدبي لجريدة الصباح التونسية، ومجلة “قصص” الصادرة عن نادي القصة بتونس، ثمّ شغل منصب رئيس فرع اتحاد الكتاب التونسيين بفرنسا، وعمل محرّرا قارّا بجريدة “العرب” ومجلة “الجديد” اللندنيتين، واختير عضوا بالهيئة الاستشارية لهذه المجلة ولمجلة “مثاقفات” اللندنية، كما أُعِدّت رسائل جامعية عن أدبه القصصي والروائيّ في كليات عديدة داخل وخارج الوطن.

قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي
قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي
قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي
قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي
قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي
قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي
قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي
قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي قامات مضيئة عبر “أثير”: الروائي الأستاذ أبوبكر العيادي

وأطرف شيء وأغرب ما يُساق من أحاديث لأبي بكر العيادي، تعليق كتبه على صفحته الفيسبوكية مؤخرا، تعكس الألم المضحك إلى حدّ البكاء، فأن يترك كتاباته ومشاريعه القادمة متنازلا عن عمر كرّسه للكتابة، وينزل من مكانته العالية ليردّ على أشباه متطفلين، هذا ما ورد في تعليق أبي بكر العيادي:

“من أطرف التعليقات على نشري خبر صدور روايتي الأخيرة ما كتبته صديقة مبدعة على صفحتي، حيث هنّأتني أوّلا وأضافت: “لطالما تمنيت أن أقرأ لك.” يعني أنها لم تقرأ لي، ولو حرفا واحدا ربما، ومثلها كثير، علما وأني أزاول الكتابة والنشر بغير انقطاع منذ أواخر السبعينات، ثمّ يطلع علينا الصديق () ليتساءل، على جداره، لماذا ليس لنا في تونس روائيون في حجم كتاب المشرق العربي وصيتُهم؟ كيف سيسمع المشارقة أصواتنا؟ وأدبنا غير مقروء في عقر داره، وأصحابه مجهولون في بلادهم؟”

لقد لفت انتباه كبار النقاد الروائيين والصحفيين، ونذكر هنا المرحوم عبدالرحمن مجيد الربيعي، فقد خصّص له أكثر من مقالة، من ضمنها هذا النصّ المنشور بجريدة الزمان اللندنية في سنة 2000، يقول فيه:

“إن ما يلفت النظر في المشهد (الأدبي التونسي) الحاضر هو ظهور الرواية الجادة التي يمكن مقارنتها بالأعمال الكبيرة التي تنشر في الوطن العربي.

وأبو بكر العيادي كاتب قصة قصيرة أولا، له مجموعتان قصصيتان حظيتا بالاهتمام، وهو من الكتاب الذين اصطلح على تسميتهم بالمهاجرين. جديد هذه الكاتب رواية بعنوان “لابس الليل” وهي من أهم الروايات التونسية التي صدرت في السنوات الأخيرة.

… والعيادي الذي يعيش في فرنسا منذ قرابة سبعة عشر عاما، وله اطلاع على الحياة الثقافية فيها، وسبق له أن ترجم عددا من المقالات والأقاصيص عن الفرنسية، لم تعنه شيئا مجريات الواقع الثقافي هناك، ولا التقنيات السردية التي تظهر وتنحسر، أو تظهر وتتطور، كان معنيا بأمر واحد، وهو أن يكتب رواية تونسية لحما ودما”.

نورد الآن قولة من أقواله الكثيرة من ضمن أحاديثه حول تجربته القصصية والأدبية عموما، هذه الفقرة المأخوذة من “ملفّ خاصّ لمجلة قصص: الأديب أبوبكر العيادي يتحدث عن تجربته”، ويتطرّق خلالها إلى قيمة النصّ المكتوب بالنسبة للكاتب مقارنة مع ما يقوله أو ما ينقل عنه، إذ لا دائم إلا النصّ:

“لا شيء في أقوال الكاتب خارج النصّ يعادل نصّه، فتصريحاته وأحاديثه حول مسيرته، وحتى اعترافاته، لا تفوق إبداعه أهميّة. قد تكون تلك التّصريحات والحوارات والاعترافات مكمّلةً لمشروعه الإبداعيّ دون شكّ، مضيئةً لجوانب من حياته ومساره، إلا أنها تبقى دون الأثر الأدبيّ قيمة، أيّا ما تكن صياغتها وأسلوبها ودرجة الصّدق فيها. ذلك أنّ الكاتب يقوم عادة، عن وعي في بعض الأحيان، وعن غير وعي في أحيان أخرى، بعمليّة انتقاء يختار خلالها ما يناسبه”

حصد العيادي عدّة جوائز في مسيرته الأدبية الطويلة، نذكر منها:

– الجائزة الوطنية للقصة عام 1987 عن مجموعة “دهاليز الزمن الممتد”.
– الميدالية الذهبية لمهرجان الإذاعات والتلفزيونات العربية، القاهرة 1995 عن الشريط التلفزي للأطفال “الشيخ بائع الأزهار”.
– الميدالية الذهبية لمهرجان الإذاعات والتلفزيونات العربية، القاهرة 1999 عن المسلسل الإذاعي للأطفال “الأمير الصّغير والشيخ”.
– الميدالية الذهبية لمهرجان الإذاعات والتلفزيونات العربية، القاهرة 2000 عن المسلسل الإذاعي للأطفال “ربوة شادي”.
– الجائزة الأولى للمهرجان المتوسطي، تونس 2004 عن مسرحية الأطفال “الملك الذي يُحبّ الحكايات”.
– الجائزة الثانية للكومار الذهبي 2009 عن رواية “الرجل العاري”.
ـ يُتوّج بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة فرع “الرحلة المترجمة” عن كتابه “محور الذئب” سنة 2022.




وفي الفكر والثقافة نشر ثلاثة كتب هي: “العتق والرقّ… مقالات في ثورات الربيع العربي، وما تلاها” و”رسائل باريس… مقالات في الفكر والسياسة”، و”معارج الفكر… إطلالة على الثّقافة الأجنبية”..

وله ترجمات روائية عديدة، منها ثلاث لستيفان زفايغ، هي: “الخوف”، و”مانديل بائع الكتب القديمة” و”رسالة من مجهول”. وترجم “انتقام الغفران” لإيريك إيمانويل شميت، “عدو” لجان إشنوز، “بوذا في العالم السفلي” لجولي أنوتوسكا، و”ذهول رعد” لإميلي نوتومب، “ليلة مع صابرينا” لبيدرو ميرال، و”مذكِّرات شيهم” لآلان مابانكو: “ليلى يا عقلي” للمستعرب الشهير أندري ميكيل ، و”الفارس على السطح” لجان جيونو و”سفر إلى آخر الليل” لسيلين….

كي نقدّم نموذجا لكتابات ضيفنا المبجّل للقرّاء، اخترنا هذا النصّ القصير يتحدّث فيه أبو بكر العيادي عن “مدينة الرمل”

“شهباء غبراء يخرقها الضوء من كل جانب، ويترامى في أعطافها العجاج والرياح الرملية الحارقة، وأسرابٌ من خلقٍ فائرٍ على الدوام، يهرف بكلام لا يفقه معناه.
مدينة مشرعة للشمس والرمل والدسائس.
مدينة يتكلم أهلها جهرًا بما لا يطوون عليه الجوانح، ويقضّون أيامهم في وجوم يتوجّسون من خوفِ ما قد تطالعهم به الأماسي والأصباح.
مدينة ليلها صمتٌ مثل صمت المقابر، إذا ندّ صوتٌ اضطرب له السامع واختلج ومضى في سرعة تشبه الذعر”.



هذا هو أبوبكر العيادي كاتبا تونسيا لحما ودما، يعتني بمشاريعه الجمّة ويكتب لمن يريد أن يقرأ، يكتب ليخلّد نفسه المبثوثة في ما حبّره وما ترجمه من آداب أخرى، وما هذه المحاولة البسيطة في الكتابة عنه، إلا اعتراف له ببعض ما قدّم للأدب التونسي والعربي والعالمي من خلال كتاباته وترجماته. متّعه الله بالصحة.

Your Page Title