تاريخ عمان

في ظهور الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

 

 

 

مبايعة السيد أحمد بن سعيد بالإمامة: 

وبعد أيام دار نظر أهل العلم حبيب بن سالم ومن معه من الأشياخ على إمامة السيد أحمد بن سعيد بن أحمد البوسعيد وحضر الأشياخ كلهم بالرستاق وعقدوا له الإمامة ليلة الأثنين وثلاث وعشرين يوماً من شهر جمادي الآخرة من شهور السنة اثنتين وستين سنة ومائة سنة وألف سنة من الهجرة واستقام له الأمر وخلصت له حصون عمان سوى حصن الحزم عند اولاد سيف بن سلطان وحصن نخل عند السيد محمد بن سليمان بن عدي اليعربي، وأكثر ال يعرب وملك عمان وسار فيها سيرة حسنة. 

ثم إن أهل الحزم بدت منهم أحوال غير جائزة وأضروا أهل الرستاق من النهب والسلب والسرقة، فأرسل إليهم الإمام أحمد بن سعيد أن يكفوا عن أصحابهم فأبوا عن ذلك وازدادوا عتواً وطغياناً فسار إليهم بقومه ودمر فلجهم وجذ نخلهم ورجع عنهم، ثم إنهم لم يرجعوا عن غيهم فزحف عليهم بقومه وحاصرهم أشد الحصار وطال الحصار عليهم ثم تحرك أهل الظاهرة ووصلوا إليهم تائبين بقوم كثير. ولما وصل الحزم خرج قوم الإمام منها وأصلح الله شأنهم. 

ثم اختلفت الكلمة بين سيدنا محمد بن سليمان وسيدنا الإمام أحمد بن سعيد أعزه الله ونصره فعزم على حربهم وحشدوا قوماً من بدو وحضر ومن الشرقية، وتوجه إلى نخل ونصب الحرب للحصن وضربوه بالمدافع حتى انهدم أكثره ثم إن السيد محمد بن سليمان سار للظاهرة وجمع قوماً من الظاهرة من بدو وحضر ورجع إلى نخل لنصرة أصحابه ولما وصلوا نخل خرج الإمام منها وأصلح الله حالهم بعد ذلك.

ثم إن سيدنا الإمام أحمد بن سعيد توجه إلى ينقل ومكث بها مدة من الأشهر، وخرج مبارك بن مسعود الغافري لوادي سمايل والسيد بلعرب بن حمير وعلي بن ناصر اليعقوبي إلى نزوى وعندهم قوم كثير وحاصروا نزوي، فعلم إذ ذاك الإمام أحمد بن سعيد وجمع قوماً وتوجه إلى وادي سمايل وكان مبارك بن مسعود ومن عنده قوم كثير، ودخل الوادي وواجهوه مشائخهم ببومة وعفى عنهم ولم يؤاخذهم بما فعلوا، وكانت هذه الواقعة يوم الأثنين التاسع من شهر صفر من شهور سنة 1176هـ. 

ثم توجه إلى نزوى وواجهه السيد بلعرب بن حمير وعلي بن ناصر بقرية فرق, وقتل السيد بلعرب بن حمير وعلي بن ناصر وانكسر قومها بعدما قتل من الفريقين خلق كثير، وكانت هذه الواقعة يوم السبت 14 من شهر صفر من هذه السنة. ودخل نزوى على حال السلامة وتلقوه أهلها بالكرامة بعد أن رأوه أهل للإمامة، ورجع منصوراً متوجاً محبوراً ظافراً وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون. 

ثم من بعد ذلك بمدة سنتين أو ثلاث دبر ولده سيدنا هلا بن الإمام إلى وهي الغبي ليخلصوا له معاقلها، وسار إليهم ومكث عندهم مدة من الأشهر وخلصت له الغبي وأقام فيها والياً بن عمه مسلم بن عمير بن محمد، ووصل عنده كبار بني غافر ومشايخهم الشيخ ناصر بن الإمام محمد بن ناصر ومسعود ابن علي ومن معهم لا أحصيهم بأسمائهم وواجهوه بمسكد ساروا بصحبته إلى الرستاق على حال جميل مكرمين محشمين إلى أن وصلوا إلى الرستاق فأشار من أشار على سيدنا الإمام بقبضهم فقبضهم وقيدهم، ولا يخلوا الشيخ ناصر بن محمد من ذلك، وأرسلهم إلى مسكد. فلما وصلوا إلى مسكد وكان الوالي بها يومئذ خميس بن سالم بن محمد البوسعيدي أمر بحملهم إلى الكيتان فحملوهم وقيدوهم وأصبحوا ميتين ولم نعلم بما وقع عليهم والله أعلم بهم وذلك تقدير العزيز الحكيم، ليقضي الله أمراً كان مفعولا، والله في عباده سر خفي لأن الفتنة كالنار اليسيرة تحرق الأشياء الكثيرة. والفتنة أشد من القتل، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وأسباب موتهم من الله ليقضي به ما أراد في خلقه.

ولما علم بنو غافر بموتهم حاصروا الوالي السيد مسلم بن عمير بن محمد البوسعيدي وأحاطوا به فعلم مولانا الإمام أحمد بن سعيد بحصارهم فأرسل إليهم أن يكفوا عن ذلك فلم يقبلوا صرفاً ولا عدلاً، فأخذ في جمع الأقوام من يمن ونزار ومن كافة عمان الشرقية، وصحبة كافة الولاة وكافة السادات عبدالله بن محمد والي سمد الشان، وأخوه سيدنا المعظم خلفان بن محمد ووالي بهلا مهنا بن محمد بن خلفان ومن قدر الله، من كافة عمان لم أحصيهم عدداً لكثرة عددهم وخوف الإطالة وكانوا مقدار ثلاثين ألفاً، وتوجهوا إلى الغبي وهي السر فلما وصلوا السليف أراد مولانا الإمام المقيل بالسليف وأبى محمد بن عيسى بن علي النيري ومحمد بن سلمان العني ومن معهم من الأقوام إلا للدخول والنزول في الغبي، فالتقوهم الأقوام بمكان يسمى سيح الطيب وتصادمت الأقوام وانكسر قوم مولانا الإمام أعزه الله بحيث أنهم خالفوا أمره، ووقع فيهم القتل ويقال إن من قتل من قوم سيدنا الإمام بلغ سنة الاف فيما رواه الراوي وأكثرهم مات عطشاً من شدة الحر، وكانت جملة خيل وركاب فيما قيل. ولم يطلبوهم بنو غافر حيث إنهم اشتغلوا بالنهب والسلب وذلك في شعر ربيع الثاني أو الجمادى سنة 1185.

ووصل سيدنا الإمام وعبدالله بن محمد والوكيل وصلوا سالمين والحمد لله رب العالمين لم يقتل منهم سوى مهنا بن خلفان بن محمد وعبدالله بن سالم بن مبارك من ال البوسعيد.

وأما ما كان من الوالي مسلم بن عمير لما أن رجع الإمام عنه وايس من الناصر والمعين أرسل لهم يطلب منهم الأمان وأمنوه وخرج بجميع ماله وعياله وبما عنده على حال جميل، ةلم يتعرض له أحد بسوء ووصلوا على أمان إلى حيث أراد من الأمكنة. 

 

حملات فارسية جديدة ونصرة البصرة: 

وفي زمان سيدنا الإمام أحمد بن سعيد أراد أن يتعرض كريم خان رئيس العجم وخانهم وأراد ان يسير قومه على عمان المحروسة وأرسل بقدر ستة آلاف وعبروا إلى الجزيرة ووصلوا إلى بلد سعيد بن قضيب الهولي وهي جزيرة لنجة، فعلم مولانا الإمام وأرسل أولاده وبني عمه سيد خلفان بن محد الوكيل وخلفان بن محمد الوالي الأكبر، ومن معهم سادات البوسعيد والتقوا بتلك الجزيرة وحصروهم بها، وطلبوا الأمان بعد عجزهم عن مصادمتهم فاحتلوها وعبروهم بالأخشاب إلى برهم في أمان ولم يغنموا منهم مالاً ولا خيلاً ولا سلاحاً. 

ثم من بعد ذلك أرسل أخاه صادق إلى البصرة وحاصرها حتى ملوا الحصار فأرسل أهل البصرة إلى سيدنا الإمام يريدون منه النصرة فامنهم بالأقوام والمراكب بقدر ثمانين مركباً محملاً أدوات ووناجى وأرسل فيهم أولاده سادتنا قيس وسيف ابني الإمام أحمد ومعهم الشيخ الأكبر ماجد بن سعيد بن قاسم المعري الحارثي البرواني.

فلما وصلوا جهة البصرة وجدوا العجمي صنع سلسلة من حديد أعظم ما يكون وركبها من البر في البحر إلى البر قاطعة على أهل عمان. فلم يجدوا سبيلا لدخول البصرة فأقاموا هنالك إلى أن أعانهم الله برحمته وجنده إذ ما كانت ليلة من الليالي إلا والسلسلة انقطعت من البرين جميعاً ووصلت إليهم بأخشابها الحاملة لها، فظنوها قوما عبروا إليهم بالبحر فضربوها بالمدافع فلم ترجع عنهم فبان لهم أن السلسلة قطعها الله وأوصلها إليهم، فبان لهم النصر والفتح ودخلوا البصرة والمدافع تضربهم من البرين وضربهم مدفع بركان يسمى جردلان وفيه مدفع كبير كل رصاصة سبعة أمنان مسكد أو ستة، ودخلوها على حال جميل. 

وطال قيامهم بالبصرة ولم يصل إليهم أحد من المدد من جانب سلطان البرين وخاقان البحرين عبدالحميد ولا من عند باشا بغداد وقل الزاد عليهم والمعاش وطالت عليهم المدة فرجعوا عنهم على حال جميل وكان القائم بالبصرة سليمان باشا وثامر بن سعدون شيخ المنتفج ورئيسهم وكبيرهم، وكان يقول للشيخ ماجد بن سعيد ماجد ياخوي ماجد نحن سقماء وانتم حكماء داوونا والمعافي هو الله، وكثير من أخبارهم لم أذكرها لشهرتها.

تمر أولاد الإمام على أبيهم: 

رجعنا إلى أخبار أولاد سيدنا الإمام وهم سعيد وسيف وسلطان. فقد اختلفت الكلمة بينهم ونزغ الشيطان –لعنه الله- بينهم، فوصلوا إلى مسكد وقبضوا الكوتين وأخرجوا العسكر القائمين فيها من جانب مولانا الإمام أحمد بن سعيد، وكان زائراً اخاه الوالي عبدالله بن محمد بسمد الشان فبلغه الخبر فرجع مسكد ووصل سيدنا الإمام إلى مسكد، وصح الاتفاق بينه وبين ولديه أن يكون الكوتان بيدهما عاقبة لزمامها عن الحوادث، وكان ذلك منهما بأسباب أخيهما سعيد بن الإمام حيث أن سيدنا الإمام ولاه نزوى وأزكي وسمايل وأكثر حصون عمان، ثم ساروا سادتنا الوكيل وسيف بن الإمام لمواجهة سيدنا الإمام في بدبد، ولما واجهوه قبض ولده سيفاً وقيده وحمله للرستاق، وسار الصلح بينه وبين أولاده ليتخلص له الكوت الميراني وهو كوت الغربي ويفسح لولده سيف فخلصوه وفسح لولده سيف وبقيا مدة من الأشهر ولهما حصن بركا فوصل إليهما أخوهما سعيد بن الإمام على أمان فقبضاه وقيداه وحملاه إلى الكوت الجلالي وهو الكوت الشرقي، وبقى مقيدا وأقام مولانا الإمام أحمد بن سعيد الحرب للكوت الجلالي وأحاط به من كل مكان بالمدافع والبنادق، وركب له بوم براً وبحراً، وكان في كوت الجلالي الشيخ المعظم جبر بن محمد بن محمد الجبري خال أولاد الإمام وأقام الحرب مدة إلى أن في بعض الليالي عامل سيدنا سعيد خادم من خدام الإمام يقال له سالمين منح مملوك الإمام وكان عندهما بالكوت وأخرجه ليلا من جانب البحر بحبل وأوصله إلى جزيرة مسكد وفيها سيدنا الإمام فاستبشر بقدومه وخلاصه غاية البشرى وحباه الله عزاً ونصراً، وكان القيد أعظم ما يكون والحلق التي برجليه كل واحدة بقدر نصف من مسكد أو أقل.

واستقام الحرب ليلاً ونهاراً إلى أن خرج من الكوت أكثر القائمين وبقي الشيخ جبر فيه وسادتنا لا قدروا على الوصول إليه لا من البحر ولا من البر.

ثم وصل المشايخ سلطان بن محمد بن سلطان البطاشي والشيخ علي بن المصطفى المدني ساكن ريام ومن معهما من المشايخ والشيخ ماجد بن سعيد والله أعلم ومن معه وناصحوا الشيخ جبر أنك أخرج على أمان بجميع ما عندك وكان هو مريضا من ألم برجليه ولا يقدر عليهما فقال لا أقدر أخرج إلا بنطر من أولاد الإمام. فكتبوا لهما طروسا وتوجه إليهما الشيخ علي بن المصطفى وناصحهما وقبلا النصيحة وأمروه بالخروج من الكوت وخرج على حال جميل وأوصلوه إلى بركا في الأخشاب بجميع ماعنده من رجال ومال، وبقي في بركا أولاد الإمام هما ومن معهما إلى أن قدر الله خروهما من عمان إلى جانب مكران، وقصدوا إلى عند نصير خان وأعطاهما بلداناً ومكثا هناللك على حال جميل.

وفاة الإمام: 

وبعد بعض من المدة مرض سيدنا الإمام وتوفاه الله من دار الدنيا إلى دار الأخرة وذلك في يوم الأثنين 19 من الشهر المحرم سنة 1198 وسادتنا لم يصلوا من جانب مكران فعقدوا الإمامة لأخيهما سيدنا سعيد بن الإمام وذلك ليلة 23 والجمعة من الشهر نفسه.

 

) تاريخ عُمان المقتبس من كتاب كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة ) تأليف سرحان بن سعيد الأزكوي العُماني وتحقيق عبد المجيد حسيب القيسي

)

تاريخ عُمان المقتبس من كتاب كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة ) تأليف سرحان بن سعيد الأزكوي العُماني وتحقيق عبد المجيد حسيب القيسي

 

Your Page Title