أثير- مكتب أثير في تونيس
حاوره ووضّب الأجوبة: محمد الهادي الجزيري
” إنّ عبارة (الأمور طيبة) التي تجدها على لسان كلّ عُماني بهذه البساطة والحيوية والرقة تمثّل جوهر الشخصية العُمانية..”، هل أجد سلاسة أجمل من هذا الكلام ..لكي أقدّم ضيفنا اليوم ..فهو عراقي بالفطرة وجوّال لا يهدأ على حال ..، قدم إلى عُمان بعد تجربة ماليزية وصار زهرة في الباقة العُمانية ..، أجابنا على أسئلتنا رغم مشاغله الكثيرة ورغم إجازته المقدّسة ..وبيّن لنا مدى معرفته بالساحة الأدبية في عُمان ..ووضّح لنا مدى تعلقّه بمطلع الشمس ..، ضيفنا الدكتور فليح السامرائي يدرّس في جامعة نزوى ..مشكور على رحابة صدره وقبوله بإجراء الحوار :
ــ انتقلت من بغداد إلى ماليزيا.. إلى جامعة نزوى عام 2021 ..، فهل كان لديك رأي أو فكرة عن المجتمع العُماني وتسامحه وانفتاحه مع مختلف الجنسيات العديدة ..؟ كيف وجدت الوضع وأنت داخله وليس خارجه ؟
علاقتي بالمجتمع العُماني تعود إلى عام 2012 إذ تعرّفت إلى عُمانيين إثنين في الديار المقدسة وتحديدا في مكة، وما زلت على الصحبة الطيبة معهما وهما الأستاذ سيف الشعيلي والأستاذ سليمان الشعيلي من منطقة بسياء، وتعززت هذه العلاقة مع علاقات جديدة عندما زرت عُمان عام 2016 مشاركا في مؤتمر اللغة العربية الأول في جامعة نزوى، فكانت معرفتي أكثر بالشعب العُماني وتعاملت عن قرب مع هذه التجربة والروح الطيبة المتسامحة، وأخص منهم الأستاذ بدر العامري، إذ وجدت روح الألفة والتعايش يمثلان قمة الرقي عند المجتمع العُماني، ومن يومها والأمور على ما يرام وإلى أبعد مستوى وكما هي دلالة العبارة العُمانية الشهيرة المطبّقة فعلا (الأمور طيبة).
الشعب العُماني معروف بتسامحه وطيبته على مدى التاريخ، فهو شعب أصيل وراسخ في تاريخ المنطقة العربية منذ أقدم العصور، وعروبته المعزّزة بهذه الصفات والخصائص والميزات التي لا تخفى على أحد، ممّن زار عُمان أو حتّى لم يزرها، فيكفي أن تذكر عُمان في أيّ محفل حتّى تأتيك آيات الإعجاب والمديح بحسن الشمائل من كلّ حدب وصوب، وثمّة صفات مشتركة كثيرة بين المجتمع العُماني والمجتمع العراقي من حيث الأصالة وطيبة النفس والتسامح، إذ لم أشعر بالغربة منذ أن دخلت عُمان وأنا أعمل في جامعة نزوى وكأنّني في بلدي، الكلّ هنا يحتفون بي وكأنني واحد منهم على مختلف المستويات بما يجعلني أشعر أنني في بلدي حقاً.
إن عبارة (الأمور طيبة) التي تجدها على لسان كل عُماني بهذه البساطة والحيوية والرقة تمثّل جوهر الشخصية العُمانية، من حيث النظر إلى الحياة خارج فضاء التعقيد والغموض والتشدّد والتعصّب، فالمعنى الذي تنضح به هذه العبارة إنّما تكشف عن حقيقة هذا الشعب الطيب.
ــ انتقلت من بغداد إلى ماليزيا.. إلى جامعة نزوى عام 2021 ..، فهل كان لديك رأي أو فكرة عن المجتمع العُماني وتسامحه وانفتاحه مع مختلف الجنسيات العديدة ..؟ كيف وجدت الوضع وأنت داخله وليس خارجه ؟
ـ قد درّست في جامعات عراقية وماليزية.. والآن في جامعة عُمانية..، فهل توجد فوارق في النظام التربوي التدريسي ..أم هناك تطابق تام ؟
الفوارق موجودة وتخضع لسياسة ونظام كل دولة، وهذا الفارق يعود بالأساس إلى طبيعة وقوانين الدولة ومدى حرصها على النظام التربوي؛ فقد وجدت الفارق الأكبر وبلا مجاملة في السلطنة إذ إنّ القانون أكثر تطبيقا واهتماما وانفتاحا، فضلاً على الحرص على الوقت والاهتمام بأركان العملية التربوية كافة مما جعل العملية التربوية أكثر نجاحا من الدول التي ذكرتها.
لعلّ عنصر العدالة الذي أتلمّسه واضحاً في فلسفة العملية التربوية والتعليمية هو من يجعل الأفق مفتوحاً باتجاه المستقبل، والسعي الحثيث إلى الإفادة من التطورات الحاصلة في مختلف شؤون الحياة لرفد هذه المسيرة التربوية والتعليمية بها، فالنظام وحده عادة لا يكفي من دون مجتمع يرقى حضاريا إلى مستوى هذا النظام، ويؤمن به ويتقبّله ويتفاعل معه ويبلغ به درجة النجاح المطلوبة، وهو ما وجدته شاخصاً في كلّ مرفق من مرافق العملية التربوية والتعليمية في جامعتنا “نزوى” والجامعات العُمانية على نحو عام….
ـ قد درّست في جامعات عراقية وماليزية.. والآن في جامعة عُمانية..، فهل توجد فوارق في النظام التربوي التدريسي ..أم هناك تطابق تام ؟
ـ جامعة نزوى ..معروفة بعلمها وتراثها وبمجلّاتها..هل تأقلمت معها ؟وهل لاقيت صعوبات أو تسهيلات في بداية عملك بها ؟
بالتأكيد جامعة نزوى في مقدمة الجامعات العُمانيّة التي لها دور فعلي ومؤثر وعميق في الحركة العلمية والثقافية العُمانية، أمّا ما يخص التأقلم فأنا جئت إلى عُمان عاشقا ومحبا لأرض عُمان وشعبها، وأن الحياة في سلطنة عُمان وطبيعة المجتمع العُماني المرحة والمتسامحة تجعلك تشعر بالألفة والأمان، وبسرعة التأقلم ولم تواجهني ولله الحمد أية صعوبات؛ سواء ما يخص العمل الأكاديمي أم ما يخص اقامتي في مدينة نزوى التأريخية العريقة وطيبة أهلها، التي هي جزء من طيبة المجتمع العُمانيّ فجامعة نزوى سهلت لي كل شيء.
جامعة نزوى جامعة متكاملة ومتفاعلة مع المجتمع العُماني على أكثر من صعيد، فعلى المستوى العلمي هذه جامعة مشهود لها عُمانياً وخليجياً وعربياً، وعلى المستوى الثقافي والحضاري فلها جهود كبيرة ومفيدة في أكثر من مجال ومحور معرفي وثقافي وأكاديمي، ولعلّ من المفيد أن أقول أنني بعد مدة قصيرة من وجودي في الجامعة أدركت تماماً أنها المكان اللائق والمناسب للعمل والإنتاج…
ـ جامعة نزوى ..معروفة بعلمها وتراثها وبمجلّاتها..هل تأقلمت معها ؟وهل لاقيت صعوبات أو تسهيلات في بداية عملك بها ؟
ـ لديك العديد من العناوين الأدبية والنقدية.. آخرها كان هذا العام : ” فضاءات الأدب العُماني الحديث ” فهل تعطينا فكرة ولو موجزة ومكثفة عنه ..؟ وهل ثمّة مشاريع كتب أخرى؟
عندما وصلت إلى سلطنة عُمان واطلعت شيئاً فشيئاً من كثب على الحركة الثقافية والأدبية العُمانيّة، وجدت نفسي معنياً عناية كبيرة بهذا الفضاء الجميل على نحو أساسي ومركزي لأنّ الوجود في المكان يفرض على الكائن هوية واضحة لهذا الوجود، ومن هنا بدأت العناية بمراجعة الأدب العُمانيّ الحديث والاقتراب من وسطه عن طريق أدبائه المبرّزين كلّما وجدت إلى ذلك سبيلاً، وسأبقى حريصاً على هذا التواصل كي أكون جزءاً فاعلاً ومنتِجاً من هذا الحراك الثريّ.
وأبوح لك بأمر ذاتي يخصّني وهو ليس سرّا: أنّ سبب إخراجي لهذا الكتاب أيضاً يمثل شكلاً من أشكال الوفاء لهذا البلد الطيّب وقد وفّر لنا فرصة العيش الكريم، فالحياة ليست مجرد جنس أدبي تنتجه ويحقق التداول المطلوب في مجاله الأدبي والثقافي، بل هي حالات ومواقف وحراك إنساني تاريخي لا يتوقف، فكتابي هذا إذن ما هو سوى عربون محبة لعُمان وأهل عُمان وثقافة عُمان وأدب عُمان…
ـ لديك العديد من العناوين الأدبية والنقدية.. آخرها كان هذا العام : ” فضاءات الأدب العُماني الحديث ” فهل تعطينا فكرة ولو موجزة ومكثفة عنه ..؟ وهل ثمّة مشاريع كتب أخرى؟
– رغم قصر المدّة التّي تعيشها في مطلع الشمس ..من حقّنا ونحن نحاور كاتبا له العديد من المتون الأدبية ..عن المشهد العُماني ؟ هل ثمّة أسماء شدّتك إلى كتاباتها ؟
التجربة الأدبية العُمانية الحديثة تجربة واسعة وعميقة، والأسماء التي تمثل الصورة الكلية لهذه التجربة ليست بالقليلة، وما يلفت الانتباه لذلك أيضا حضور أسماء مهمة من الأدباء العُمانيين خليجيا وعربيا، ولذلك نحتاج إلى كثير من التروي والهدوء للدخول إلى عالم التجربة الأدبية العُمانية وذلك لتنوع هذه التجربة وغناها، فهي تجربة لا تختلف عن كثير من التجارب العربية في مختلف أرجاء الوطن العربي، وأخذت تخطو خطوات كبيرة ومنتجة على أكثر من صعيد لتأكيد حساسية هذه التجربة ونوعيتها وخصوصيتها.
كان عملي على القسم المتاح من أعمال بعض من الأدباء، إذ لمست في تجاربهم ما يشير إلى عمق التجربة لديهم وأخص منهم على سبيل المثال لا الحصر: سعيد الصقلاوي، عبد الرزاق الربيعي، حسن المطروشي، سعيد السيابي، نسرين البوسعيدي، جوخة الحارثي، ومحمود الصقري، لكن هناك عدد كبير من الشعراء والأدباء المهمين لم أتناول تجاربهم لعلّ في مقدمتهم الشاعر الكبير سيف الرحبي، الذي له تجربة شعرية كبيرة تستحق العناية النقدية والأكاديمية لما له من دور في تجديد القصيدة العربية الحديثة…
– رغم قصر المدّة التّي تعيشها في مطلع الشمس ..من حقّنا ونحن نحاور كاتبا له العديد من المتون الأدبية ..عن المشهد العُماني ؟ هل ثمّة أسماء شدّتك إلى كتاباتها ؟
ـ كيف توطّد اختلاطك بالناس وعاداتهم ..أصار لك أصدقاء منهم يزورنك وتزورهم من حين إلى حين..؟
معرفة الناس كنوز كما يقول المثل وطبيعتي الذاتية هي الاختلاط بالناس وارتياد المناطق الشعبية التي اجد فيها متعتي، فضلاً على هذا فإنك تجد مختلف شرائح المجتمع وطبقاتهم وثقافاتهم وحالاتهم، وهذا الأمر يتيح لك فرصة التعرف بهم ومعرفة خفايا نفوسهم؛ وهذا أيضا ينعكس إيجابا في سبر غور الأدب العُماني من خلال علاقته بطبيعة المجتمع، أما ما يخصّ الصداقات فبالتأكيد لي من الأخوة العُمانيين الكثير من الأصدقاء الذين تحولت صداقتي معهم إلى علاقة أخوة، ونتبادل الزيارات واللقاء والجلسات الممتعة وكما يقال بالعُماني (رمسات).
إنّ التعايش مع المجتمع العُماني كما أجده شخصياً هو ضرورة كبرى للوصول إلى حالة من التفاهم الكليّ، فلا يكفي أن يكون المجتمع العُماني متسامحاً وطيباً وأنيقاً في تعامله الإنساني معي، إذ لا بدّ من طرفي أن أتلقّى هذا التسامح وهذه الطيبة وهذه الأناقة تلقياً صحيحاً يقوم على التفاعل الحيّ والموضوعي، ومن ثمّ بلوغ طبقة أساسية وجوهرية أرى نفسي فيها وكأنني جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع……..
ـ كيف توطّد اختلاطك بالناس وعاداتهم ..أصار لك أصدقاء منهم يزورنك وتزورهم من حين إلى حين..؟
ـ كيف تقضي وقت فراغك ..هل استهوتك مناطق معيّنة بنزوى (علمت منك قبل الحوار أنّك في عطلة)..؟ وهل ثمّة أماكن راقت لك وخاصة أنّ عُمان معروفة بجمالها وسحرها؟
الحقيقة أوقات الفراغ قليلة قياساً بالجهود الأكاديمية داخل الجامعة؛ فالعمل يأخذ النصيب الأكبر وما يتاح عندي من فراغ استثمره للعائلة؛ ويكون على شكل جولات لمناطق جميلة نكرر الزيارة لها أو جديدة لم نزرها، المناطق الجميلة في نزوى بشكل خاص هي السوق القديم والقلعة وفلج دارس ولا استغني عنها مثل عدم استغنائي عن البر، وأما بشكل عام فإن ولايات الداخلية جميعا مناطق تستهويني وخاصة ولايات بُهلاء ومنح والحمراء، أما المكان الذي سحرني بلا حدود فهو (متحف عُمان عبر الزمان)، فهو بناء تاريخي عظيم ومميز ويدل على أن صاحب الفكرة والمصمم والمنفذ من العظماء في التفكير، ويليق بعُمان هذا الصرح المميّز.
ـ كيف تقضي وقت فراغك ..هل استهوتك مناطق معيّنة بنزوى (علمت منك قبل الحوار أنّك في عطلة)..؟ وهل ثمّة أماكن راقت لك وخاصة أنّ عُمان معروفة بجمالها وسحرها؟
ـ اعتدنا على نبش ذاكرة محاورينا ..لتحدّثنا عن واقعة طريفة أو نادرة معيّنة وقعت لهم ..هل حدثت لك مع العُمانيين الطيبين طرفة ما ..تريد مقاسمتها مع قراء أثير؟
الطرائف مع الأصدقاء والأحبة كثيرة وأكثر ما يقع منها عندي طلبتي، ودائما أقول لهم عجائب الدنيا سبع وأنتم الاعجوبة الثامنة، وكذلك ما يقع مع العمالة الوافدة وخاصة ما يتعلق باللغة وإشكالاتها، أنا بطبيعتي شخصية مرحة وأحب الناس والأشياء وأتفاعل مع ما يصادفني بيسر وسهولة ومحبة، وحتى حين تحصل مفارقة على أي مستوى من المستويات أسعى فوراً إلى تحويلها إلى طرفة ونكتة مهما كان الأمر فيه التباس أو مشكلة، لا أحب تعقيد الأمور لذا تجدني أتعرّف على الأمكنة والأشخاص بسرعة فائقة وأتفاعل مع الناس بمختلف مستوياتهم.
ـ اعتدنا على نبش ذاكرة محاورينا ..لتحدّثنا عن واقعة طريفة أو نادرة معيّنة وقعت لهم ..هل حدثت لك مع العُمانيين الطيبين طرفة ما ..تريد مقاسمتها مع قراء أثير؟