موسى الفرعي يكتب: تجلّي القوة العمانية في صورها العديدة

موسى الفرعي يكتب: تجلّي القوة العمانية في صورها العديدة
موسى الفرعي يكتب: تجلّي القوة العمانية في صورها العديدة موسى الفرعي يكتب: تجلّي القوة العمانية في صورها العديدة

أثير- موسى الفرعي

إن القوة تكمن في تحررها من إلزام المحيط القسري، الذي يحيلها إلى خنوع وضعف وانصياع لرغبات الآخرين وأفكارهم. أما عمان فهي تنادي بالسلام منذ أن كانت لكنه سلام الأقوياء كما أشار إلى ذلك السلطان الخالد -رحمه الله- في مطلع القرن المنصرم، وهذا التحرر يقوم على وضوح المبادئ وثباتها، وعُمان لا تعمل بأجندات خفية، بل ترى الحق وتتبع سبيله، وما يشهده عالمنا من انتهاك للآدمية وسقوط للإنسانية جراء الفاشية الصهيونية يشير إلى السلام القوي ويفضح الاستسلام الخانع والتواطؤ المخزي، فقد تجلى خلال هذه الأحداث موقف سلطنة عمان من القضية الفلسطينية وقولها للحق في وجه أكبر الدول دون انتظار مباركة من أحد أو خشية منه، فمبادئ السياسة العمانية مبنية على السلام القادر والعدالة المستحقة للإنسان في هذا العالم، فالسلام لا يعني المحاباة والمساومة بل التأكيد على ثوابت ومفاهيم غير قابلة للتناقض أو الازدواجية وذلك السلام الذي أشار إليه صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله- في افتتاح دور الانعقاد السّنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان مؤكدا المبادئ الثابتة لإقامة الدولة الفلسطينيةِ وعاصِمَتُها القُدس الشرقية، ورفضه لما يتعرض له الفلسطينيون، مؤكدا ضرورة تَحَمُّل المجتمعِ الدولي مسؤولياتِه والتزاماتِه تجاه القضية الفلسطينيةِ، والمسارعة في إيجاد حلولٍ جذرية لتحقيق آمالِ الشعب الفلسطيني في إقامة دولتِه المستقلة، وبذلك يَعُمُّ السلامُ في منطقتِنا ويَنعمُ العالم أجمع بالأمن والأمان.

كما دعا معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية المجتمع الدولي إلى إجراء تحقيق مستقلّ حول العدوان الإسرائيلي ومحاكمته على استهدافه المتعمّد للمدنيين في قطاع غزة ومنشآتهم وحرمانهم من احتياجاتهم الإنسانية، وأكد في موضع آخر أن حماس حركة مقاومة وأبعد ما تكون عن الإرهاب وبذلك يكون أول وزير عربي يصرح بمثل هذا، وهو أمر لا يتأتى إلا لمن يقف على أرض قوية وثابتة من المبادئ والقيم، وأبدى أسفه الشديد لاستخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض ( الفيتو ) في مجلس الأمن أمام مشروع القرار الأممي الداعي لوقف إطلاق النار على قطاع غزة ووصف ذلك بأنه إهانة مخزية للمعايير الإنسانية وتضحية بأرواح المدنيين الأبرياء من أجل القضية الصهيونية.

هذه هي القوة المتحررة القادرة على إبداء (لا) الرفض أو المباركة دون خشية، وهذه الرؤية الصافية والانتصار للحق هي صفة ملازمة متناغمة في الدولة العمانية ممثلة في بعدها السياسي والديني وتطلعات الإنسان ويقينه، وهذا الموقف القوي يدعو إلى التأمل في إمكانات تحقق سيناريوهات عدة كخطوة موازية لهذا الحضور المشرِّف للحكومة العمانية، وفي ظل هذا الحراك العماني في المنطقة تجاه القضية الفلسطينية علينا الاعتراف بأنها لن تكون مؤثرة إن كان المحيط السياسي حولها واقفا على حياد ولا يؤدي واجبه، فالتكامل الفعّال هو ماء الحياة للنتائج الكبرى. كما أن خارطة العمل العمانية تتجه بوصلتها تجاه روسيا والهند والصين وسنغافورة باعتبارهم قوى كبرى في العالم، فلا يخفى على أحد بأن الهند خامس أقوى اقتصاد في العالم بناتج محلي إجمالي قيمته 3.39 تريليونات دولار، حسب بيانات عام 2022، التي أظهرتها قاعدة بيانات البنك الدولي، وهذا ما يجعل الانفتاح على التجارة الحرة معها قيمة مضافة للاقتصاد العماني سواء بالصادرات العمانية أو الواردات، وسنغافورة التي يعد اقتصادها حرا ومتطورا وُصنف بأنه الأكثر انفتاحا على العالم. كما تُعدّ روسيا لاعبًا رئيسًا في أسواق النفط والغاز، وهي واحدة من أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم، وتأتي في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، بينما تستحوذ على المرتبة الثانية في الصادرات، وتمتلك أكبر احتياطيات غاز في العالم، وهي ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي بعد الولايات المتحدة، وذلك ما أشار إليه صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم بن طارق أثناء لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين من اهتمام سلطنة عمان بالاستثمار في الاقتصاد الروسي، كما أكد أن النظام العالمي الظالم القائم حتى الآن يحتاج إلى التغيير، ومن الضروري وقف “هيمنة الغرب” وبناء علاقات جديدة. كما أن الصين التي تعدّ ثاني أكبر اقتصاد عالمي له حضور كبير وبالغ الأهمية في الخارطة العمانية، وقد تناقلت الكثير من الصحف الغربية دراسة سلطنة عمان إمكانية إعطاء الصين قاعدة عسكرية، وذكرت وكالة “بلومبرغ” أنه تم إطلاع الرئيس الأمريكي بايدن، على خطة صينية لبناء منشأة عسكرية بعُمان، وأن المسؤولين العسكريين الصينيين ناقشوا الأمر مع نظرائهم العمانيين الذين أعربوا عن استعدادهم للموافقة على هذه الصفقة.

بهذه المعطيات يمكن أن نقرأ الزيارتين المرتقبتين لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أبقاه الله- إلى سنغافورة والهند، إضافة إلى زيارة صاحب السمو السيد ذي يزن هيثم بن طارق إلى روسيا، وفي ذلك مجموعة من الرسائل لا يمكن إغفالها، وهي أن سلة الاقتصاد العماني لم تعد حصرا على الغرب بل منفتحة مع الشرق أيضا وبصورة كبيرة، وبفارق هذه المرة، وأن القوة العمانية وحضورها لا يقرأ فقط في مسارها السياسي بل هو موازٍ للمسار الاقتصادي، وذلك كله دون التخلي عن المبادئ والقيم، إذًا؛ فإن عُمان تقدم درسا كبيرا في إمكانية تحقيق النجاح والتنمية والسلام والعدالة دون الحاجة إلى تقديم تنازلات. هذه هي عمان المؤمنة بالسلام القوي.

Your Page Title