أخبار

ما مسؤولية الشخص الاعتباري في جرائم الامتناع الملحقة بجريمة غسل الأموال؟

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

مسقط-أثير
إعداد: إيمان بنت حمد الشعيلية، باحثة ماجستير في كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس


من المعلوم أن جريمة غسل الأموال تعد إحدى أخطر الجرائم الاقتصادية، لا سيما وأنها تندرج ضمن الجرائم المنظمة الدولية، حيث اكتسب موضوع محاربتها أهمية كبيرة على المستويين الدولي والمحلي، وذلك من خلال سن التشريعات لمكافحة تلك الجريمة.
وقد أقر المشرع العماني في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 30/2016 المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري، حيث إنه لا يمكن تجاهل حقيقة الأشخاص الاعتبارية ودورها الاجتماعي والاقتصادي الكبير في المجتمع وأخطارها الهائلة إذا ما انحرفت إلى طريق الإجرام. كما أن المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري أصبحت حقيقة تشريعية أقرتها أغلب التشريعات الجزائية، وهو ما أكد عليه قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7/2018 في المادة (21).
لذا فإن توجه المشرع العماني كان واضحا إزاء المسؤولية الجزائية للشخصية الاعتبارية وذلك من خلال إقرار مسؤوليتين جنائيتين؛ مسؤولية جنائية عن جريمة غسل الأموال، ومسؤولية أخرى أساسها الامتناع عن تنفيذ مقتضيات قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي هذا المقال عبر “أثير” نحن بصدد الحديث عن مسؤولية الشخص الاعتباري في جرائم الامتناع الملحقة بجريمة غسل الأموال.
حرص المشرع العماني على مكافحة غسل الأموال من خلال تقرير مسؤوليات والتزامات القانونية على الأشخاص الاعتبارية بمقتضى المواد (33-50) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، التي بيّنت مسؤولية هذه المؤسسات والعاملين فيها عند إخلالهم بالالتزامات المفروضة عليهم بحيث تشكل جريمة يعاقب عليها القانون.
وقبل التفصيل في هذا المقتضى وجب الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي مدى اعتبار المؤسسات والمهن والجمعيات وغيرها شريكة أو مساهمة أو مساعدة في جريمة غسل الأموال بمناسبة عدم قيامها بالتزامها المفروضة عليها، بمعنى هل يمكن اعتبار إخلال المؤسسة المالية بالتزاماتها بمثابة تقديم مساعدة للعميل الذي يدخل أموالا غير مشروعة إلى المؤسسة من أجل إضفاء الشرعية عليها؟ هل يمكن تكييف فعل المؤسسة المالية على أساس تقديم المساعدة في جريمة غسل الأموال وعدّه غاسلًا للأموال؟
للوهلة الأولى يمكن الاعتقاد بإمكانية ذلك من منطق أن الالتزامات المفروضة على المؤسسات المالية إنما تقررت من أجل إسهامها في التصدي لجرائم غسل الأموال وبالتالي منع المجرمين في استخدامها في ذلك، فأي إخلال بهذه الالتزامات هو بلا شك عامل مسهل في ارتكاب تلك الجرائم إلا أن النص القانوني يضعنا في موقف لا يمكننا جعل عدم الالتزام الصادر من المؤسسة المالية فعل مساعدة في جريمة غسل الأموال، فطبقا لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب نصت على مسؤولية خاصة للمؤسسات المالية في شأن عدم تنفيذها لالتزاماتها المفروضة.
ويجد المشرع العماني فلسفته فيما استقر عليه الفقه الجنائي، أن الاشتراك في الجرائم لا يتم إلا بفعل إيجابي على اعتبار أن وقوعه بصورة سلبية مستبعد، وعليه فإن إخلال المؤسسة بالتزاماتها المهنية في مجال مكافحة غسل الأموال لا يتم بأفعال إيجابية وإنما يقع بسلوك سلبي هو الامتناع عن إتيان واجب تفرضه مهنته، وحيث الاشتراك الذي تقوم به جريمة غسل الأموال هي جريمة قائمة بذاتها ومستقلة حيث تقوم على فعل “تقديم المساعدة” فيظهر أن عبارة تقديم تجعل السلوك الإجرامي إيجابيا، ولا مجال لجعله سلبيا، وإن كان من المقبول أحيانًا إمكانية المساعدة عن طريق الامتناع فإنه من غير الممكن تصور فعل “تقديم المساعدة” بطريقة الامتناع.
ثم إن جريمة غسل الأموال هي جريمة عمدية يتطلب قيامها توافر القصد الجنائي العام والخاص على حسب صور السلوك الإجرامي، فمن جهة، فان الإخلال غير العمدي المنسوب إلى المؤسسة المالية في شأن عدم تنفيذها لالتزاماتها لا يعد قصدًا بطبيعة الحال، وبالتالي تنتفي المسؤولية. كما أن الإخلال المتعمد من قبل المؤسسة المالية بالتزاماتها المهنية ينطوي على اتجاه إرادتها إلى عدم تنفيذ الالتزامات المفروضة على عاتقها مع علمها أنه يفرض عليها واجب قانوني يلزمها التقيد بها، وعنصر القصد هنا قائم على إرادة تحقيق هذا الإخلال، في حين يتجسد عنصر القصد الذي يتحقق به الركن المعنوي لجريمة غسل الأموال في اتجاه إرادة الجاني إلى تقديم المساعدة لمرتكب أحد الأفعال المكونة للسلوك الإجرامي لهذه الجريمة مع علمه بالمصدر غير المشروع للأموال محل هذا الفعل، وعليه لا يمكن اعتبار الإخلال المتعمد للمؤسسة المالية في شأن الالتزامات المهنية يتضمن نية تقديم المساعدة في جريمة غسل الأموال.
بناء على ما سبق، نتناول طبيعة المسؤولية الجزائية للمؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية والجمعيات والهيئات غير الهادفة للربح عن الاخلال بالتزامات المهنية، فيما يلي:-
1- مسؤولية التحقق من هوية العميل
وفق للمادة (33) من القانون، تقع على عاتق المؤسسات المالية قبل إجراء أي معاملة مصرفية لمصلحة أي عميل سواء كان شخصا عاديا أم شخصًا اعتباريا بذل الجهود للتحقق من الشخصية الحقيقية للأشخاص الذين يتقدمون للحصول على خدماتها المصرفية المختلفة. كما يجب عليها اعتماد سياسة واضحة وصريحة متمثلة برفض تقديم خدماتها للعملاء الذين لا يقدمون المستندات الدالة على شخصياتهم الحقيقية.
ويتم التحقق من هوية العملاء بناء على مصادر ومستندات وبيانات ومعلومات موثوقة ومستقلة صادرة من جهات رسمية، ويتم التأكد من البيانات الخاصة للشخص المعنوي عن طريق طلب صورة من السجل التجاري سارية المفعول ونموذج المفوضين بالتوقيع ، وعقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي، أما بالنسبة للأندية والجمعيات التعاونية والخيرية والمهنية ، فيتم طلب إحضار شهادة رسمية من الوزارة المختصة تشمل المفوضين بالإدارة والتوقيع.
2- مسؤولية الاحتفاظ بوثائق وأوراق هوية العميل
ألزمت المادة (44) الأشخاص الاعتبارية الاحتفاظ بالمستندات والسجلات والمعلومات المتعلقة بهوية العميل ونشاطه وسجله معاملاته، وذلك حتى يسهل الرجوع إليها في حالة طلبها من قبل السلطات المختصة عند الشك أو ظهور بوادر لجريمة غسل الأموال.
كما اشترط المشرع العماني في المادة ذاتها على أن يتم الاحتفاظ بهذه السجلات والمستندات الخاصة بالعميل مدة (10) سنوات وإتاحتها للسلطات القضائية عند الطلب. كما أن اللائحة الخاصة بالمؤسسة هي التي تقرر نوعية وعدد وبيانات والسجلات والمعاملات التي يلزم الاحتفاظ بها.
3- مسؤولية الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة
وفقا لنص المادة (47) من القانون، فإن المشرع العماني استثنى المؤسسات المالية من الأحكام المتعلقة بالسرية المهنية وسرية المعاملات المصرفية فيما يتعلق بالتزام المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية والهيئات والجمعيات غير الهادفة للربح من الإبلاغ عن أي معاملة مشبوهة في كون أن المال المتعامل به من عائدات الجريمة أو أنها تتضمن غسل أموال سواء تمت هذه العمليات المالية أو أنها لم تتم أو أثناء القيام بإجراءاتها وفقا للوائح تلك المؤسسات، حيث يقع عليها الابلاغ عن هذه المعاملات المشبوهة وإلا عُدّت المؤسسة مرتكبة لجريمة امتناع عن الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة، ونجد تبرير هذا الاستثناء كون أن الأمر تعدى إلى حماية مصلحة أكبر وهي حماية اقتصاد وأمن وسكينة الدولة من جرائم قد تدمر الدولة وكيانها. ولقد أحسن المشرع العماني عند أخذه بهذا الاستثناء وذلك حتى لا تتأخذ هذه القاعدة كسبب لتسهيل وإخفاء جريمة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب ومرتكبيها واستغلال هذه القاعدة في ارتكابها.
4- مسؤولية الإبلاغ عن عمليات غسل الأموال
تختلف جريمة عدم إبلاغ الجهات المختصة بمتابعة ومكافحة جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عن جريمة الامتناع عن الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة حيث إن في الجريمة الأولى يكون الموظف عالما بوقوع الجريمة والمجرمين في حين أن جريمة عدم الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة يكون في حالة شك بوجود معاملة قد تكون متعلقة بجريمة غسل أموال وقد لا تكون، ولعل ذلك واضحا من خلال نص المادة (50) من قانون مكافحة جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي أكدت ضرورة إبلاغ الجهة الرقابية.
ونخلص إلى أن الالتزامات المفروضة على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية والجمعيات والهيئات غير الهادفة للربح فرضت في سبيل مكافحة جريمة غسل الأموال، ولما لها من دور في الكشف عن العمليات المشبوهة ومنع استخدام تلك المؤسسات كأداة أو وسيلة تسهل ارتكاب جريمة غسل الأموال.











Your Page Title