فضاءات

العيد بهجة وفرحة ومناسبة لتجديد المحبة

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

عبدالرزاق الربيعي

 

 

ليس الأطفال وحدهم من يحب العيد , فالجميع ينتظرون  هلاله :رجالا ونساء , كبارا وصغارا ,أغنياء وفقراء , أصحاء ومرضى , ويقول أهل اللغة العيدُ: ما اعْتَادَكَ من همٍّ أو غيره كما  جاء في الصحاح

 قال الشاعر:

 

فالقَلْبُ يَعْتادُهُ من حُبِّها عيدُ

 

وقال اخرون:  العيد مأخوذ من العود وهو الرجوع والتكرار، وهو اسم لكل ما يُعتاد ويعود ويتكرر، وسُمي العيد عيدًا لعوده وتكرره.

قال تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) )المائدة:112،113،114

 

وهو يوم مبارك  وفي ذلك يقول  محمد بن أبي بكر الرازي في مختار الصحاح:

 

برك  البعير من باب دخل أي استناخ …. و ” البركة”  كالحوض والجمع  “البرك ” قيل سميت بذلك لإقامة الماء فيها وكل شيء ثبت وأقام فقد ” برك ” و ” البركة ” النماء والزيادة و ” التبريك ” الدعاء بالبركة.

 

 والعيد فرحة تغمر القلوب والنفوس يقول ابن المعتز مبشرا برؤية هلال عيد الفطر :

 

أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أضاء هـلالُـه

فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ

 

وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ

 قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ من عَنْبَـرِ

 

“يا ترى هل إحساس الشاعر بجمال هلال العيد جعله يكتب بيتا عد من أروع ما قيل في الشعر العربي بالوصف ؟”

فللعيد نكهته ,ومباهجه التي نتوق اليها ,جميعا  ولكل عمر مباهجه , فبهجة العيد للأطفال تتمثل في الحلوى والأراجيح ودولاب الهواء والملابس الجديدة  وبهجة العيد للشباب تتمثل في الخروج في رحلات ومشاهدة الأفلام السينمائية وزيارة الأماكن السياحية مع الأصدقاء  وللشيوخ لقاءات الأهل وصلة ذوي الرحم واستعادة بهجة العيد  أيام الطفولة التي تظل مخزونة في ذاكرتهم

 

 

يقول الشيخ حميد البغدادي “العيد مناسبة كريمة تعود فيها البسمة إلى الشفاه والفرحة إلى القلوب ، ويتجلى فيها كرم الضيافة وخشوع النفوس واطمئنانها بالشكر والحمد والثناء والتكبير وذكر الله تعالى وتقديم الأضاحي وصلة الرحم وإسعاد الفقراء والأقارب والأطفال، فحين يتردد التكبير صباح يوم العيد، وترج المساجد بالتهليل وتسيل الدموع حزنًا على فراق رمضان الحبيب شهر المغفرة والعتق من النار،   شهر الخير والصبر والكرم والبركة والمحبة والاخاء والطاعة والعبادة والمغفرة   يهدينا الله الرحيم الكريم بهدية العيد وهي أيام فرح وسرور ونسمات تخيم على الجميع، وهذه المناسبة تؤكد المعاني الرائعة للعيد السعيد وتجسيدها لتغسل النفوس ، وتصقلها لاستقبال مرحلة جديدة مليئة بالحب والعطف والحنان والتواصل من جديد مع الأهل والأقارب والاصدقاء لينعم الجميع بفرحة العيد “

 

وهي فرحة كبيرة تغمر النفوس  ,فالعيد هو سيد الأيام كما يرى أبو الطيب المتنبي في تهنئته لسيف الدولة حين قال  :

 

هنيئًا لك العيد الذي أنت عيده

 

وعيد لكل من ضحى وعيدا

 

ولا زالت الأعياد لبسك بعده

 

 تسلم مخروقًا وتعطي مجددا

 

فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى

 

 كما كنت فيهم أوحدًا كان أوحدا

 

هو الجد حتى تفضل العين أختها

 

 وحتى يكون اليوم لليوم سيدا

 

واذا كانت مناسبة العيد تجعل البعض  يشكو من جور الزمان فيغدو  العيد الذي يذكر عادة مرادفا  للفرح والسرور  يقترن بالشكوى والحزن وتكفينا  قصيدة المتنبي الشهيرة التي يقول في مطلعها :

 

عيد بأية حال عدت ياعيد

بما مضى أم لأمر فيك تجديد

 

لنعرف مدى الألم الذي سببه مجيء العيد للشاعر الذي كان في مصر بعيدا عن أحبته

في بلاد الشام  فذلك لأن العيد  لدى الشعراء هو  الفرح المطلق وحين يمر   وفرحة الإنسان ناقصة لسبب ما , يغدو  أثقل ما يكون لذا يجعل الشعراء العيد مناسبة لبث أحزانهم حيث يستثمر  المعتمد بن عباد مناسبة العيد ليقارن  بين حاليه السابق واللاحق بعد زوال ملكه،وحبسه في (أغمات)  فيقول  شاكيا :

 

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا

 وكان عيدك باللذات معمورا

وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ

 فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعةً

 في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا

معاشهنّ بعيد العــزّ ممتهنٌ

 يغـزلن للناس لا يملكن قطميرا

أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه

 ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا

وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَـجٌا

فعاد فطرك للأكبــاد تفطيرا

 

واليوم يعود علينا العيد ونحن نشهد تحولات كبيرة في حياة شعوبنا التواقة لمستقبل مضيء, يعود ونحن نتطلع لغد أفضل يطل على أمتنا , لذا نستقبله بكل فرح الأطفال ومباهجهم , بكل ما في قلوبنا من حب للناس , والحياة ,   ليظل العيد  سيد الأيام ويظل مبعث سرور وبهجة وفرح للجميع ونظل ننتظر ضوء هلاله !

Your Page Title