أثير – تاريخ عُمان
إعداد: نصر البوسعيدي
هو العماني شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمرو بن فضل بن دويك بن يوسف بن حسن بن حسين بن أبي معلق السعدي ، المولود بمدينة جلفار على ساحل بحر عُمان، لكنه فيما يبدو استقر في ظفار، وأخذ منه العمانيون فنون علم البحار وهو من ترك لهم أكثر من ثلاثين مؤلفا نذكر منها:
الفوائد في أصول علم البحر والقواعد.
رسالة قلادة الشموس واستخراج قواعد الأسوس.
كتاب تحفة الفحول في تمهيد الأصول.
العمدة المهدية في ضبط العلوم البحرية.
المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر.
القصيدة الهمزية.
الأرجوزة السبعية.
كتاب الفصول.
كتاب الملل.
شرح الذهبية.
حاوية الأختصار في أصول علم البحار.
النونية الكبرى وتوجد نسخة من أصل هذا المخطوط بوزارة التراث والثقافة – سلطنة عمان.
بدأ “أحمد بن ماجد ” يجوب البحار، وهو في سن العاشرة بصحبة والده في رحلاته البحرية، وقد قاد أول رحلة بحرية له وهو في سن السابعة عشرة، وتعلم علم الفلك والرياضيات والجغرافيا والتاريخ والأدب، وألّف أكثر من ثلاثين كتاباً مثلما أشرنا سابقاً أرسى فيها ،وأسس قواعد علم جديد لعلم البحار الذي لم يكن معروفاً من قبل كما استحدث أدوات ملاحية جديدة أهمها اختراعه «البوصلة البحرية» المقسمة إلى 22 درجة والتي ما تزال مستعملة حتى الآن.
يقول المستشرق الروسي تيودور شوموفسكي والذي ناقش رسالته في الدكتوراه بعنوان ” الموسوعة البحرية العربية في القرن الخامس عشر” التي أعدها اعتمادا على ترجمته ” لكتاب´الفوائد في اصول علم البحر والقواعد” لأحمد بن ماجد :
( ليس من قبيل العبث أن يظهر إلى جانب لقب أسد البحار الذي يصاحب اسم ابن ماجد عادة لقب آخر هو “رئيس علم البحار”. فقد وهب البحر ما يقرب من نصف قرن من حياته. لقد ورث المهنة أبا عن جد وأطال في مسالكهم البحرية ومن مقتبل العمر حتى آخر أيام حياته قاد سفنا يملكها أشخاص مختلفون، عبر الطرق القديمة للمحيط الهندي وفي هذه الرحلات التي تتطلب خبرة مهنية كان ينظر وينصت إلى كل شي، ويزن ويقدر بدقة وينتقي ما هو ضروري، وبمراجعته لتجاربه وخبراته كان يحسن دائما في معلوماته العلمية، ومع مرور عشرات السنين اجتمعت له بعض الشهرة والفن وجمعته التقاليد بالملاحين الأسطوريين الثلاثة في القرن الثاني عشر وبصرف النظر عن الفترة الزمنية التي تفصل بينهم فإن ابن ماجد استحق أن يلقب باسم “رابع أسود البحار” ).
وقد وصفه كذلك أمير البحر التركي محي الدين بيري رئيس- مترجم مؤلف ابن ماجد – بأنه : الباحث عن الحقيقة من الملاحين وأفضل من يوثق به في جنوب الهند في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. ومن بين نصف قرن من الجهد في البحر هناك أربعون عاما من أعمال ابن ماجد تقدم مثالا للدأب والمثابرة على نشر علم الملاحة البحرية.
ويعلن الدكتور أنور عبدالعليم في كتابه “الملاحة وعلوم البحار عند العرب” إن علم البحر ظهر لأول مرة في العصور المتأخرة في القرن التاسع الهجري أو الخامس عشر الميلادي في مؤلفات ابن ماجد لا سيما كتابيه القيمين “كتاب الفوائد في أصول البحر والقواعد” و “حاوية الاختصار في أصول علم البحار”. وقد ضمّنها ابن ماجد كل ما عرف عن البحر على أيامه من الناحية التكنيكية التي تفيد الملاح وتيسر له سبل السير في أودية البحر ودخول الموانئ.
فإلى جانب القياسات الفلكية للنجوم الملاحية المختلفة ومواعيد فتح وإغلاق البحار، يتكلم كذلك عن السواحل والجزر والتيارات، والمد، والرياح ، وطبيعة القاع، وما إليها من إشارات تعين الملاح على أداء مهمته بنجاح، ولم يهمل تطعيمها كذلك بمادة اجتماعية أدبية. وتعرف مثل هذه الكتب في العصر الحديث باسم المرشدات الملاحية.
اسهامات ابن ماجد في تقدم علم الملاحة:
وقد كان ابن ماجد رائدا من رواد علم الملاحة من الناحيتين العملية والنظرية، فمن الناحية العملية كان من أبرز اسهاماته:
1- البوصلة:
يعتبر ابن ماجد أول من طور البوصلة الملاحية بالمفهوم الحديث وكانت تسمى الحقة، وعن العرب عرفها الأوروبيون أثناء الحروب الصليبية، ويصحح الدكتور أنور عبدالعليم ما يشاع عند الغربيين من أن الربان الإيطالي فيلافيو جيولا أول من ابتكر تعليق الأبرة الممغنطة على محور لتتحرك حركة حرة. فابن ماجد سبقه في ذلك، إذ يقول في كتابه “الفوائد” الذي يرجع تاريخ المسودة الأولى منه إلى عام 1475م “ومن اختراعنا في علم البحر تركيب المغناطيس على الحقة بنفسه، ولنا فيه حكمة كبيرة لم تودع في كتاب” وهذا نص واضح لابن ماجد لا يحتاج إلى شرح مفصل.
2- القياس بالأصابع وتحديد القبلة:
أوجد ابن ماجد صلة بين تقسيم دائرة إلى الأفق إلى 32 جزءا تماثل أخنان (من لفظ خان أو منزل وهو قسم من أقسام البوصلة الملاحية) وبين استخدام قبضة اليد والذراع مبسوطة في اتجاه البصر أمام الراصد. فقبضة اليد من الخنصر إلى الابهام والذراع ممدودة إلى الأمام تمثل 1/32 جزءا من محيط الدائرة مركزها نقطة اتصال الذراع بالكتف. وربما كان هذا هو الأساس الذي بموجبه تم تقسيم الحقة العربية (البوصلة) إلى 32 قسما. فلو استقبلنا الشمال لأمكن باستخدام قبضة اليد فقط التعرف على أي اتجاه آخر على دائرة الأفق.
3- آلة الكمال:
وقد أدرك ابن ماجد إن طريقة القياس المتقدمة طريقة بدائية، فأدخل عليها تحسينات، فيما ،بعد باستخدام ما يسمى بالخشبات ،أو الألواح، وأطلق عليها اسم آلة “الكمال” وهي عبارة عن خشبة مربعة على شكل متوازي مستطيلات يربط في وسطها خيط معقود على مسافات بنسب يتفق تدريجها مع ظل تمام منتصف الزاوية بين الأفق وعين الراصد والنجم المرصود.
4 – إدراكه لطبيعة الرياح الموسمية والتيارات المنعكسة في المحيط الهندي:
وقد عبّر عن ذلك في كثير من مؤلفاته وأراجيزه بما أسماه مواعيد غلق البحر وفتح البحر ومواسم السفر. فمن ذلك قوله: أهل جميع الأقاليم الجنوبية إذا أرادوا السفر بآخر الرياح الدبور (أواخر الصيف) فلا بد لهم من الأمطار إلى حدود خط الاستواء وكذلك
أرض سفالة (ساحل افريقيا الشرقي جنوبا) والأخوار إلى أرض الزنج ومثلهم أرض تيمور وجاوه وما يليها، ومن ملوك الغور ولجاوه جميع الجزر الجنوبيات لا يسافرون إلا في آخر الديماني كل منهم على قدر مكانه ومركبه.
5 – تفسيره تألق ماء البحر ليلا: شاهد ابن ماجد الملاح مرارا ظاهرة تألق ماء البحر ليلا وعللها بالطل “أي الندى” أو نتيجة وجود كائنات حية “كالحيات” ويقول إن وجود هذه الظاهرة مما يفسد قياس ارتفاع النجوم حيث لا يتضح الحد الفاصل بين الأفق والماء.
6 – تعريفه المياه الاقليمية:
ولابن ماجد تعريف للمياه الاقليمية جدير بالاعتبار على الأقل من وجهة النظر التاريخية، ففي كتاب “الفوايد” يقول عن المياه الدولية: ولكن البحر ليس هو بحر أحد من هؤلاء الطوائف (أي لا يتبع أهل الصين والهند والزنج والفرس وغيرهم كما يفهم من سياق الكلام) إنك إذا غيبت البرور (أي البر) عن نظرك ما عندك إلا معرفتك بالنجوم والهداية بها، أي إنك تصبح في البحر الطليق، ولا يحكم مسارك سوى الملاحة الفلكية. ومعنى هذا إن المياه الاقليمية في نظر ابن ماجد تمتد إلى الحد الذي يغيب فيه الساحل عن بصر الملاح من فوق مركب شراعي وهو يبتعد عن البر.
المرجع : سندباد في عمان . يوسف الشاروني الهيئة المصرية العامة للكتاب ط 1. 1986