أبجد

بالأبيض والأسود

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

بالأبيض والأسود!

سعدية مفرح

 

@saadiahmufarreh

 

من ضمن أحلامي التي تواضعت كثيرا حتى أصدرتها في كتاب شعري قبل عدة سنوات حلم صغير دسسته في نص  من نصوص الكتاب هكذا:

“أريد فيلماً بالأسود والأبيض 

أغني مع بطلته

أتخيلني بكنزتها الضيقة 

وتنورتها الفضفاضة 

أمسح دمعتها 

وأضحك على سذاجتها 

حتى أبرر سذاجات تاريخي كله”.

وما زال هذا الحلم الساذج الصغير يسكنني. ويعبر ببساطة عن غرامي المشتعل بأفلام الأبيض والأسود والعالم الذي كانت تعبر عنه تلك الأفلام بأناقة وبساطة وهدوء وجمال غارق في الحياء الطبيعي واللياقات الاجتماعية والبهجة الحقيقية والشوارع النظيفة والمحلات المرتبة والشرفات العالية والأصوات الفاتنة والموسيقى المتقنة والمشكلات الصغيرة التي تعترض طريق البطلة والبطل قبل أن ينتهي الفيلم بزواجهما السعيد في حفلة تتهادى فيها الفتيات الجميلات كالأحلام السايرة على السلم الموسيقي للأنغام في حلبة الرقص. ولا شيء كالأحلام يمكن أن يكون بديلا لواقع مراهقة تتطلع لخارج الأسوار التي تسورها ما بين البيت والمدرسة تحت ظلال مجتمع أسري شديد القلق والمحافظة والحيرة أمام الخيارات الحياتية المتاحة أمامه. 

وما زال هذا الحلم الساذج الصغير يسكنني. ويعبر ببساطة عن غرامي المشتعل بأفلام الأبيض والأسود والعالم الذي كانت تعبر عنه تلك الأفلام بأناقة وبساطة وهدوء وجمال غارق في الحياء الطبيعي واللياقات الاجتماعية والبهجة الحقيقية والشوارع النظيفة والمحلات المرتبة والشرفات العالية والأصوات الفاتنة والموسيقى المتقنة والمشكلات الصغيرة التي تعترض طريق البطلة والبطل قبل أن ينتهي الفيلم بزواجهما السعيد في حفلة تتهادى فيها الفتيات الجميلات كالأحلام السايرة على السلم الم

و

سيقي للأنغام في حلبة الرقص. ولا شيء كالأحلام يمكن أن يكون بديلا لواقع مراهقة تتطلع لخارج الأسوار التي تسورها ما بين البيت والمدرسة تحت ظلال مجتمع أسري شديد القلق والمحافظة والحيرة أمام الخيارات الحياتية المتاحة أمامه. 

كنت أنا تلك المراهقة وكانت أفلام الأبيض والأسود واحتي الظليلة وسط طوفان من أفلام المقاولات التي اجتاحت السينما العربية مع بداية الثمانينات، فمزاجي الذي تكون في غبار الكتب القديمة لم يكن ليستسيغ صخب الألوان وأغاني عصر الانفتاح الساداتي في مصر آنذاك.

كانت أفلامي بالأبيض والأسود لكن الأحلام فيها ملونة بألوان قوس قزح،  وما زلت استدعي قوس قزح رفيقا لأحلامي كلما عن لي أن أجلس أمام الشاشة الصغيرة لمتابعة فيلم لليلى مراد وأنور وجدي، أو لشادية وكمال الشناوي، أو لمريم فخر الدين وعبدالحليم حافظ. وما زلت استسلم لرغبتي العارمة في الغناء كلما سمعت ورأيت حليم وهو يغني لماجدة أغنيته التي كانت دستوري في الحياة وأنا أعبر بوابة الرابعة عشرة من عمري؛ “أهواك، واتمنى لو انساك، وأنسى روحي وياك، وإن ضاعت تبقى فداك.. لو تنساني، وانساك، وأتاريني بأنسى جفاك، واشتاق لعذابي معاك.. وأرجع تاني”.

ها هي الرغبة ذاتها تداهمني الآن وأنا أستدعي كلمات الأغنية من بين شروخ ذاكرتي المتعبة، و.. “أرجع تاني” لأجدني منسحبة بأسى للخبر الذي قرأته قبل قليل فدعاني لكتابة هذا المقال. إنه خبر رحيل الفنانة مريم فخر الدين التي كانت دائما واحدة من بطلات أفلامي المفضلات في كل شيء؛ بصوتها المتهدج وتنورتها الفضفاضة وكنزتها الأنيقة وشعرها الذي يهفهف على الخدود كما غناه حليم. لم أكن قبل ذلك متيقنة إن كانت ما زالت على قيد الحياة أم أنها قد رحلت فعلا، فقد اختفت أخبارها في الوقت الذي قل فيه اهتمامي بأخبار كأخبارها. لذلك شعرت بما يشبه الحزن وما هو بالحزن عندما رأيت الخبر إلى جانب صورتين لها واحدة قديمة من زمن الأسود والأبيض وتبدو فيها آية من آيات الجمال الأنثوي الفاتن الذي امتزجت فيه السحنة الأوربية بالملامح الشرقية، والآخرى حديثة ملونة تبدو فيها آثار الزمن القاسية شديدة الوضوح على وجهها المتغضن والذي مازال محتفظا بأطياف جمال غابر. لم تكن مريم فخر الدين من هاويات اللجوء إلى مبضع الجراح لإصلاح ما أفسده الدهر ككثير من زميلاتها فقد كانت متصالحة مع نفسها وعمرها إلى درجة تثير الإعجاب والعجب أيضا. لذلك كان الفارق بين الصورتين واضحا بما يكفي ليدلل على ما يفعله الزمن بنا على غفلة منا.

قارنت بين الصورتين وكأنني أقارن بين زمنين من أزمنة عمري. كنت أرى وجهي مندغما بوجهها في الصورتين،  فتتداعى أحلامي المتواضعة على هامش الخبر.. ويسيل الأسى كالطوفان! 

 

 

Your Page Title