منذر السعيدي
يعد معدل الأعمار في الأقطار المتطوِّرة من القضايا الجادة، التي ينظر لها بمنظار الرعاية والاهتمام، فعلى أساس هذا المعدل العمري للمجتمع تتوجَّه أنشطة الدولة نحو ما يخدم مصالحها، ويطوِّر إمكانياتها، ويوجه أنشطتها الآنية والمستقبلية.
فهناك دولٌ ذات معدلات أعمار عالية، والتي يعد كبار السن فيها الأغلبية الساحقة من شريحة السكان، واليابان كمثالٍ، وبلدان أخرى ذات معدلات أعمار تنبض بالحيوية والشباب، وهي ما يطلق عليها الدول أو المجتمعات الفتيَّة، والتي يُشكِّل الشباب فئة كبيرة منها، والدول العربية عامة، والسلطنة خاصة من هذه الدول التي يمثِّل الشباب نسبة عالية من نسيجها السكَّاني.
ومع ارتفاع أي نسبةٍ من المراحل العمرية الثلاث الرئيسة: (الطفولة، الشباب، المسنين) تبزغ قضايا وتحديَّات ومتطلبات تختصُّ بهذه الفئة العمرية، والتي تتطلب جهدًا مؤسسيًّا وقانونيًّا كبيرًا؛ لإشباع حاجات هذه الشريحة، وتوفير مستلزماتها، ومجتمعنا الفتي الذي يضج بالشباب لا شك أنَّ له قضية مهمة، ألا وهي قضية توفير فرص العمل للشباب إن لم تكن لبّ قضاياهم.
وهو ما أدركه ولاحظه جلالة السلطان منذ وقتٍ مبكرٍ، وتحديداً في العام 2013 م عندما وجَّه جلالته في ندوةِ سيح الشامخات؛ لإنشاء صندوق الرفد؛ وفقاً للمرسوم السلطاني (6/2013)، والذي يهدف إلى تمكين الشباب من خوض غمار العمل الحر، وتأسيس مشروعاتهم الخاصة.
وهذا الصندوق بحقٍّ يُطابق اسمه تفاصيل مهامه وأدواره؛ حيث إنه يعكف على رفد رؤوس الأموال لمشاريع الشباب، لكي يتمكن هؤلاء من خلق فرص عملٍ لأنفسهم؛ بعيداً عن التزامات الوظائف المقيَّدة بمواعيدٍ زمنيةٍ وقوانينٍ وضعيةٍ تقيِّد حركتهم.
من ناحيةٍ أخرى عند مطالعة إحصائيات صندوق الرفد للعامين 2014 و 2015 م نجد أن الصندوق قد موَّل عدد 1668 مشروعا بقيمة إجمالية تبلغ 66 مليون ريالٍ، ووفرت هذه المشاريع ما يربو على 3 الآف وظيفة للمواطنين والمواطنات.
ولا ننسى دور الحاضن الأول للشباب المحب لخوض غمار العمل التجاري، وإنشاء مشروع خاص به، وكل رواد الأعمال الحقيقيين المتفرغين لأعمالهم الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة)، التي تقدِّم الاستشارة، والدعم، والمساندة، والأخذ بيد كل شابٍ وشابةٍ إلى طريق ولادة مشرُوعِه.
فالمبالغ التي تدعم بها هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة مبالغ لا يستهان بها، تصل إلى حاجز 100 ألف ريالٍ عُمانيٍّ لكلِّ مشروعٍ، وكما تشير الإحصاءات في العامين 2014 و 2015 م فإن المستفيدين ليسوا بالقدر المأمول، ولا يتوازى مع نسبة الشباب ممن هم في سن العمل.
فنرى أن الدعم المالي غير كافٍ في هذه الحالة، والإعلان والدعاية بمختلف وسائلها لا تكفي كذلك لإنتاج شباب يتَّجهون للعمل الحر بملء إرادتهم، فلا يمكن بين ليلة وضحاها أن نزرع حب العمل الحر والخاص في نفس الشاب، حتى وإن شحت الوظائف في القطاعين العام والخاص.
فالدعم المالي والحملات الدعائية يجب أن يضاف إليها المناهج التعليمية في المدرسة والجامعة، وهذه إحدى التوصيات التي خرجت من ندوة سيح الشامخات (تقديم مقرر دراسي في ريادة الأعمال للطلبة في مختلف مؤسسات التعليم العالي)، والتي عليها أن تغرس في نفوس الطلاب النواة؛ لحبِّ العمل الحر، وسبل التوجه له، وكيفية بدء المشاريع الخاصة، وطرق إدارتها، وتنميتها، وتعريفهم بالفرص الاستثمارية المتاحة، بين أحضان الوطن وخارجه، التي تكون بمثابة الثمرة لهذا العمل، فهذا ما سيتيح للشاب رؤية واضحة، يستطيع التحرك والتخطيط من خلالها، وتحديد مصيره المهني منذ وقتٍ مبكرٍ، تجنبه حالة التجمد التي يقبع فيها الكثير.