أثير – الدكتور رجب بن علي بن عبيد العويسي
كاتب ومؤلف وباحث في التنمية والأمن الاجتماعي والتطوير المؤسسي والفكر الشرطي والتعليم
يأتي البحث عن دور التعليم في ترقية ثقافة المزاج والذوق العام، كأحد عملياته في إعادة الانتاج الثقافي ، بما يضمن كفاءة المتعلمين في التعامل مع أنشطة الحياة اليومية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمهنية والانتاجية بمهنية وذوق ، وهي ضمانات باتت تمنح التعليم ثقة الأفراد فيه وتقدير المجتمع له ، لتصبح مسألة احترام المزاج والذوق العام والإتيكيت معيارا لجودة التعليم، وإطارا يتواكب مع معادلة المهارة والخبرة أو التجربة، لتنطبع على سلوك الفرد في طريقة حصوله على حقوقه وقيامه بمسؤولياته وواجباته، وفي تعامله مع مواقف حياته اليومية في إطارها الشخصي أو الاجتماعي أو الوظيفي ، ليتجاوز حالات الاندفاع وضيق النفس وسرعة اصدار الأحكام والممارسات القولية والفعلية السالبة، إلى اعتماد الدليل والاستناد إلى الاحصائيات، والاستفادة من المؤشرات، والاستناد إلى الأخبار من مصادرها الأصلية ، في انتظار الدور، أو اجراء معاملة، أو أداء مسؤولية، أو الحصول على خدمة ، أو قيادة مركبة وغيرها، وينطبع هذا السلوك على تعامله مع أسرته، وفي سلوكه في المؤسسة وموقعه الوظيفي فيها ، وطريقة تعامله مع منجزات وطنه والممتلكات العامة والخاصة ، ومراعاة التزامه هويته الوطنية في لبسه وطريقة التعبير عن فرحه، وموقفه من الإشاعة، والتزامه منهج الصدق في نقل الاخبار والنقد البناء، لينعكس ذلك على مسألة التعايش، ومراعاة الخصوصيات واحترام مشاعر الآخرين وأذواقهم، والتزام منهج الهدوء وحكمة التصرف ومهنية الخطاب واحترافية الكلمة، وحس المسؤولية في التعبير عن الرأي.
من هنا كان دور التعليم في صياغة إطارها وبناء مداخلها، ركيزة تنطلق منها أدوار مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى كالأسرة والاعلام، وتعظيم دور القدوات في المجتمع من العلماء والمثقفين والكتاب والرياضيين والفنانين والمبدعين ومتخذي القرار ، عبر منهج التربية على احترام الذوق والمزاج العام وتأسيس قواعد الاتيكيت ومبادئه وفق مسارات الدين والأخلاق واستنطاق القيم والعادات الأصيلة ، وإيجاد مسارات متابعة وتقييم ومعالجة تضع المتعلمين في مواقف محاكاة واقعية، في ظل ما تحتضنه بيئة التعليم والتعلم من تعددية المواقف وثراء التجارب، وتنوع الخبرات ووجود نماج وأنماط موقفيه مختلفة في صورتها المعقدة أو البسيطة، وبالتالي أن يؤسس التعليم بمختلف مستوياته منهجيات وقواعد واضحة لعملها ، ويبني في ظلها معايير تتناغم مع بنية الانسان الفكرية وثقافته الاجتماعية ومراحلة العمرية، وتتعاطى مع المستجد في هذا المجال بأسلوب عصري وبآليات مبتكرة تضمن بقاء مساحات التقارب ممتدة متناغمة لبناء شخصية المتعلم، واستنطاق القيم في نماذج ومواقف محاكاة راقية، ومساقات تعليمية ( تدريبية وتدريسية وتقييمية واثرائية ) مقننة، في مناهج التعليم المدرسي والعالي والجامعات الحكومية والخاصة ومؤسسات التعليم المهني والتقني والديني، بحيث تستوعب هذه المناهج كل المعطيات المرتبطة بثقافة الذوق والمزاج العام والاتيكيت، معززة بالقوانين والتشريعات والاجراءات التنفيذية في التعامل مع الممارسات اليومية ، إذ من شأن ذلك ابتكار أدوات متجددة تقترب من طبيعة المستهدفين، وتتناغم مع المتغيرات والمستجدات الحاصلة في حياة الأفراد والمجتمع.
إن التعليم بحاجة إلى أن يثبت اليوم مسارات أكبر للثقة في أدواته، وبناء ثقافة مجتمعية تلتزم معايير الذوق وتقرأ جوانب الاتيكيت الوطني ، تضمن تحقق سلوك مستدام لا يرتبط بالمزاجيات الشخصية ، أو الحالات الوقتية بقدر ما هي استراتيجيات حياة تلتزم حسن الاختيار وطريقة الانتقاء، وتعتمد على التوازن بين الاهتمام بالرغبات والاحتياجات الشخصية، وبين ما هو متوفر في ثقافة المجتمع وقيمه ، وموجهات التطوير والتجديد الحاصلة في أنماط الخطاب الرسمي وغير الرسمي، وما ينتج عنها من التزامه قيم الايجابية والتفاؤل وحس الاهتمام ، وسرعة الاستجابة ، ودقة التنظيم، وترتيب الأولويات، وتصحيح الممارسة ومراجعة آلية التعامل مع الآخرين، ومراعاة خصوصياتهم وثقافاتهم والظروف المعايشة،… فهل سيضمن التعليم في استراتيجيات عمله ومناهجه وأدواته بناء هذه الثقافة وتأصيلها في سلوك الأجيال ووضع هذا الملف في صدارة أولوياته التحسينية القادمة؟