أثيريات

د. رجب العويسي يكتب: كيف يضمن التعليم الوفاء لتوقعات جيل الألفية؟

د.رجب العويسي يكتب: ما دور التعليم في بناء وإعادة إنتاج المشترك القيمي؟
د.رجب العويسي يكتب: ما دور التعليم في بناء وإعادة إنتاج المشترك القيمي؟ د.رجب العويسي يكتب: ما دور التعليم في بناء وإعادة إنتاج المشترك القيمي؟

الدكتور/ رجب بن علي بن عبيد العويسي
كاتب ومؤلف وباحث في التنمية والأمن الاجتماعي والتطوير المؤسسي والفكر الشرطي والتعليم


يطرح عنوان مقالنا جملة من  القضايا،  التي على التعليم أن يستدركها عبر مؤسساته ومناهجه واستراتيجيات عمله وأدواته والقائمين عليه، تضمن  امتلاكه أدوات التفاعل مع جيل الألفية، والبحث عن أفضل الفرص التي يمكن توظيفها في سبيل إسعاد نفسه وأسرته ومجتمعه، بحيث يمتلك التعليم جاهزية تفوق  مرحلة ردود الفعل، أو الاستجابات الوقتية إلى الاجابة عن التساؤلات التي يطرحها جيل الالفية في أي زمان ومكان، وتوفير بدائل متعددة  تعزز فيهم  رغبة الاختيار والانتقاء،  وفق معايير تراعي الثقافة التي يتعايش معها والأحلام والطموحات التي يعيشها في ذاته وعقله، وفهم  طبيعة تكوينهم، من خلال نمط الخطاب، وطريقة توفير الاحتياج، وآليات صياغة الفرص وصناعة المواقف، وتعميق صورة الذات والآخر عبر تقدير ذواتهم، ومشترك التفكير والطموح والرغبة لديهم، وتوفير موجهات ذلك في بيئات تعلم  تسبح بهم في عالمهم الواسع، وتمنحهم فرص أكبر للتجريب والتطوير وقيادة الفريق وابتكار أساليب العمل، بما يحفظ لهم مستويات متوازنة من الخصوصية والهوية والسلوك الاجتماعي المقبول في اهتمامهم  بقيم المجتمع وأخلاقياته، ليبني هذا العالم على أرضية قيمية اخلاقية  تؤصل فيه قيم الخير والصدق والشفافية واحترام الانسان وتقدير كرامته، حتى لا ُيسيء استخدامه فيوجهه لغير صالحه.

 على أن إدمان جيل الألفية لشبكات التواصل الاجتماعي وبرامج التقنية وتطبيقات الهواتف الذكية وغيرها، يضع التعليم أمام مسؤولية بناء سلوك اجتماعي راق عبر هذه الشبكات،  يضمن ممارسة أخلاقية تعزز منابر الحوار، وترقى بأولويات البحث، والوصول إلى نقاط التقاء مشتركة يبنون عليها أهدافهم، فيتعاملون معها بمهنية ووعي وحذر، وبالتالي تمكينهم من التعامل الواعي والاستخدام المقنن الصحيح لها وتوظيفها في خدمة تعلمهم وابتكاراتهم ونهضة مجتمعاتهم، لكسب  المزيد  من الصداقات القائمة على الثقة والشعور بالمسؤولية وحب الخير ، وتقريبهم من العالم الاجتماعي الواقعي،  حتى لا يكون عالم الفضاءات المفتوحة، طريق احتواء الاجيال وفضفضتها على مشكلاتها، أو حصولها على الأمان في التحدث عن ذاتها ، بل أن يعمد التعليم على تعزيز علاقاته النشطة مع الوسط الاجتماعي والاسرة ومؤسسات التربية والتثقيف والاعلام والامن والبيئة والاقتصاد وغيرها، وخلق مسارات تضمن لهذا الجيل فرص  الحصول على الدعم والاهتمام من قبل الوسط الاجتماعي الواقعي، بالشكل الذي يجد فيه جيل الألفية أن عالمهم الواقعي الوالدي والأسري والاجتماعي أقرب وأضمن من العالم الافتراضي.

وهنا تأتي قيمة التأثير الذي يحدثه التعليم في سيكولوجيات عملية التربية والتنشئة الاجتماعية ونقل محور التغيير الذاتي لديهم، وفق موجهات محسوسة وأنماط اجتماعية أساسها الحوار والود والتعاون، في التعامل مع التحديات وإدارة واقعهم اليومي بكل مهنية ، وهو ما يعني تقليص فجوة السلبية  والتناقضات التي يراها في عالمه الاجتماعي أو طبيعة العيش الذي يفرض عليه أنماطا مختلفة من القيم والعادات والأخلاق، على أن إظهار الوجه المشرق له في الحياة وابرازه في صورة متجددة  تضعه أمام فرص أكبر في الاختيار من البدائل التي يطرحها عالمه الافتراضي ، فيعمل على  تشخيصها وتقييمها في ظل منطق العقل والضمير،  لينشئ جيلا يحترم ذاته، ويمنع مصادرة فكرة، ويبني  عن نفسه صورة مكبرة  تحمل القدرة على الأداء، واستنهاض الهمم، والرغبة في التفوق، وحماس الانجاز، والتنافسية في  الوصول إلى الهدف ، والابتكارية في إدارة أسلوب الحياة اليومية ، وانتقاء عناصر ثقافته وتخيّر مصادرها  ووقوفه عند أي مصدر للتهديد أو التحدي عبر مراجعة  ذاتية.

إن مسؤولية التعليم أن يعمل وفق مسارات منهجية تضمن لعمليات التطوير  في المناهج وأنظمة التقويم واساليب الإدارة والعمليات الداخلية والأساتذة والمعلمين والقرارات التعليمية،  قدرتها على احتواء الطلبة واقتناعهم بها، تقرأ ميولهم ورغباتهم واتجاهاتهم، وتتناغم  بشكل كبير مع توقعاتهم، لن نكون أوصياء على جيل الألفية،  بل أن نضمن لهم موقعهم في عملية الاختيار ، وأن تكون مشاركتهم ضمان يعطي السياسات التعليمية الضوء الاخضر للانطلاقة،  فإن أي عمل يتم خارج هذا الاطار لن يؤدي إلى  الوفاء بتوقعات جيل الألفية، لأن عملية التفكير والاختيار لم يشارك فيها أو يتخيرها من هم الضامن لنجاح  التعليم.

Your Page Title