زاوية تربوية

د.رجب العويسي يكتب: ما دور الممارسين في خفض درجة التباين بين الطلبة في الفرص التعليمية؟

د.رجب العويسي يكتب: البرنامج الصيفي الذي نريد
د.رجب العويسي يكتب: البرنامج الصيفي الذي نريد د.رجب العويسي يكتب: البرنامج الصيفي الذي نريد
د.رجب العويسي يكتب: ممكنات البعد الوقائي في السياسات التعليمية، ماذا نفعل؟
د.رجب العويسي يكتب: ممكنات البعد الوقائي في السياسات التعليمية، ماذا نفعل؟ د.رجب العويسي يكتب: ممكنات البعد الوقائي في السياسات التعليمية، ماذا نفعل؟


في أروقة الصف الدراسي وقاعة المحاضرات الجامعية تساؤلات تبحث عن أجوبة، وتفاعلات تستدعي التعمق في مشتركاتها واستقراء أحداثها واستلهام معطياتها وتجلياتها في حياة المتعلمين ، ولعل التنوع الفكري والثقافي وتعدد الغايات والأهداف والطموحات والأمزجة والظروف التي يعايشها هؤلاء جميعا، فرصة مواتية لتبني استراتيجيات عمل تعليمية تضمن توظيف هذه المشتركات في بناء تحول في سلوك المتعلمين وتقليل فجوة التباين الحاصلة بينهم في المدركات الثقافية والفكرية والمعرفية والقدرات العقلية والاستعدادات والدافعية، مما يستدعي أن تعمل فلسفة الوعي التعليمي على بناء سيناريوهات تعلم متجددة تستوعب مختلف التوجهات القادمة على المسار الشخصي والتعليمي وفهم الظروف التي يتعايش معها فكر المتعلم ومشاعره ووجدانه وعواطفه لخلق مساحات أكبر من التعايش الذي يطبع على حياته السكينة والأمان والاستقرار فيجد تعلمه فرصة للعيش في عوالم مختلفة وأنماط متغايرة وقناعات متفاوتة، متحديا تلك العقبات التي قد تؤثر في طريقه نجاحه وتعيق مسيرة عطائه أو تقلل من بصمة التأثير التي يتركها في واقعه.

إن حديثنا عن دور التعليم في تعزيز فرص العيش المشترك ينطلق من فرضية ما تمتلكه بيئاته من فرص تفاعلية وعلاقات متكافئة، وأنظمة عمل متعددة في ظل ما تحويه من فئات مختلفة وأمزجة متباينة تؤثر في شخصية المتعلمين وأنماط حياتهم واتجاهاتهم القادمة، فإنها في الوقت نفسه بيئة ثرية لنمو قيم العيش المشترك القائمة على مبادئ الاعتراف بالآخر والتواصل معه واحترامه وتقديره، وبناء أنموذج إنساني حضاري يضمن للمتعلمين أمنهم الفكري ورقيهم المعرفي وسموهم الأخلاقي وخفض درجة القلق لديهم الناتجة من شعورهم بانخفاض سقف التوقعات التي يحققونها في سلم تعليمهم ، وبالتالي تعزيز نمط الأمان والسكينة لديهم من خلال ترقية مفردة العيش المشترك التي تتجاوز في مفهومها سلوك الطالب وتعامله مع زملائه وعلاقته بهم وإضفاء طابع السلام والوئام والتعاون والإنسانية وروح العمل الفريقي، لتتجه نحو الوقوف على أداء الممارسين والقرار التعليمي المؤسسي ونوع الخدمة المقدمة للمتعلم نفسه ومستوى المهنية فيها والتزامها المعايير والمواصفات والمتطلبات المحققة لتعلمه، وتعاطيها مع المشتركات والتباينات الحاصلة بين المتعلمين بشكل يراعي تكافؤ الفرص وحق المتعلم في التحصيل والتعليم عالي الجودة وفرص المشاركة وطرح الأسئلة وحق الرعاية والسؤال عنه ومنحه فرص البحث والتكليف بالواجبات التعليمية والاشتراك في الأنشطة وتخير الأفضل والأجود له منها، بالشكل الذي يعزز فيه قيم المنافسة والتحدي ويؤصل فيه دوافع توظيف مهاراته وملكاته الفكرية والجسدية في المواقف التعليمية.

إننا نراهن على دور الممارسين للتعليم في بناء فرص التعايش وتعزيز منصاتها في الواقع التعليمي، فمع التأكيد على أهمية تعريض مناهج التعليم للمراجعة المستمرة والتطوير الهادف الذي يتواكب مع طبيعة التحول في سلوك المتعلمين بشكل يضمن قدرة التعليم على تأكيد قيم التآلف والحب والتعارف والوئام ، وعلى تغيير القناعات التي يتلقاها الشباب حول ذاته وثقته بنفسه واستثماره لمواهبه وخبراته ووقته وانعكاسات ذلك على مفهومه للآخر والصورة التي يحملها حوله ، إلا أنه في الوقت نفسه تأتي أهمية استمرار المراجعة لتشمل نمط الممارسة التعليمية للممارسين التعليمين بالشكل الذي يضمن قدرتهم على تعميق مفردة العيش المشترك المتصالح مع الذات والأخر سواء بين المتعلمين ومع بعضهم أو مع البيئة التعليمية بكل أدواتها وتجهيزاتها ومستحدثاتها ومستجداتها المادية والمعنوية في إطار يراعي معايير الذوق وإدارة المشاعر، فإن الواقع يشير إلى أن بعض الممارسات باتت تشكل مظهرا خطيرا في وجه التعايش، فعملية الاستئثار والاقصاء والتهميش التي ينتهجها بعض الممارسين، عبر الاهتمام بالطالب الذكي وترك الآخر، أو إعطاء الفرصة للطالب المشارك وترك غيره، ووضع الطلبة المجيدين في المقدمة وترك غيرهم في الخلف، أو إشعار الطالب المتأخر في الاستيعاب بأنه غير قادر على مواصلة مشوار التفوق والمتنافسة، أو ازدواجيه المعايير في التعامل مع طالب دون غيره في بعض المواقف ، أو في منح البعض فرص أكبر من غيرهم في المشاركة والحوار والتواصل ، أو بعض التلميحات والعبارات التي قد تثير لدى الطالب شعور الخوف والقلق والدونية وضعف الحال ، وغيرها من الممارسات التي بات البعض يستبيحها بحجج غير مقنعه ونظرة تشاؤمية لمفهوم تكافؤ الفرص التعليمية، وبات يشكل هاجسا يلقي بضلاله على مفهوم العيش المشترك في ظل سلوك اجتماعي قد يمجد أحيانا هذه المفردات في سلوك الأبناء سواء في توفير الدروس الخصوصية لهم أو في ادخالهم في مدارس خاصة ذات مناهج عالمية وغيرها، بما يؤكد الحاجة إلى إذابة فوارق الأنا وتحقيق التماهي الاجتماعي بما يحفظ للمجتمع هويته وتميّزه ويؤسس للتنافسية القائمة على تعظيم قيمة الاستثمار في القدرات والاستعدادات الفكرية والمهارية.

إن التعليم بهذا المعنى إطار مرجعي لتأصيل مقومات العيش المشترك في ظل وضوح أهدافه وغاياته وسلاسة محتواه ودقة آليات عمله، وسلوك العدالة والتوازن والاحترام والتقدير والشراكة والتعاون والتنمية التي تدير مسار عمله في بيئة آمنة تبرز خلالها قيم الاعتدال الفكري وتعدد وجهات النظر وإعطاء المتعلم فرص أكبر للحوار وإبداء الرأي وإدارة نمط الاختلاف وفهم أعمق للمشاعر والخصوصيات والنفسيات والارتقاء بلغة الخطاب التربوي الأبوي، فإن توليد الإرادة والرغبة في التغيير الذاتي عبر بيئة عمل مشتركة وآليات تفاعلية منتقاة بشكل يضمن احتواء الجميع، سوف تشكل مدخلا يحقق فيه التعليم رؤية التعايش التي تبدأ من المدرسة وتزدهر في الجامعة وتنشط في المجتمع، فيرتقي بعواطف المتعلم ويهذب اهتماماته ويقنن توقعاته في سبيل حياة ملؤها الاستقرار والتفاؤل والايجابية.

Your Page Title