أثير-جميلة العبرية
قالت لي عند طلب الحوار معها عن الشباب ” للأمانة؛ جدول ارتباطاتي مزدحم جدا جدا لكني وعدتك ولا يمكن أن أخلف وعدي، خاصة أن الأمر مرتبط بثروتي وثروة عُمان… الشباب”.
هي المكرمة الدكتورة ريا المنذرية نائب اللجنة الوطنية للشباب سابقا وعضوة مجلس الدولة التي أتاحت لـ “أثير” الفرصة للحديث معها عن الشباب العماني في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم والتطور السريع في وسائل التكنولوجيا الحديثة وما ترتب عليها من تأثيرات عولمية في كافة المجالات الحوارية والفكرية والاجتماعية.
استهلينا الحديث عن من يمثل الشباب في وطنه ومجتمعه، فأجابتنا قائلة:”الشباب ثروة الوطن، والعمود الأساس الذي تستند عليه عملية التنمية، والفكر المتجدد الذي يُحوّل المسار المعتاد في البناء والتطوير إلى مسارات متنوعة يعمرها الإبداع والابتكار. إنهم الانطلاقة الفعلية لأي تغيير حقيقي ينشد الأفضل، هم الطاقة المتوهجة، والأمل المشرق باستمرار، والعزيمة المتقدة التي لا يمكن السير بثقة دون استلهام وهجها”.
وأضافت: لطالما اعتُبر الشباب الركيزة الأساسية لأي تغيير إيجابي ينشد إحداث النقلة النوعية للأفضل لأي مجتمع كان، وبالتالي لا يمكن لأي تنمية وطنية أن يتحقق نجاحها الفعلي دون اعتماد حقيقي على الشباب.
وأشارت المنذرية إلى أن قوة الشباب تُستمد أولا من رغبتهم الجادّة في تأدية أدوارهم المأمولة منهم؛ فبدون الرغبة الصادقة لا يحدث الحراك الإيجابي الذي يطمح إليه المجتمع، وثانيا من إيمان المجتمع بقدراتهم وثقته بطاقاتهم ومدّ يد الدعم والمساندة لهم في حال مواجهتهم لأي تحديات تفوق إمكاناتهم. كما أن هنالك مطلبًا أساسيا في هذا الجانب، يتمثل في اهتمام الشباب أنفسهم باستثمار أي فرصة تتاح لهم مهما كان حجمها؛ ففي كل فرصة منفذ للتعلم واكتساب الخبرة، ولا شك أن بتصاعد عزائم الشباب وارتقاء مهاراتهم وقدراتهم؛ يتصاعد مستوى تقدم المجتمع بأكمله، وأي تراجع يحدث في هممهم يؤثر سلبًا على المجتمع، خاصة أنه يعوّل عليهم صناعة التغيير الإيجابي بما يمتلكونه من فكر متجدد وطاقات متوهجة.
وعن ماذا تحقق المسؤولية التي تغرس في الشباب أوضحت الدكتورة أن استشعار قيم المسؤولية لدى الشباب يجعلهم معززين لثقافة أداء واجبهم اتجاه مجتمعهم، ومن خلال المسؤولية يزداد وعي الشباب وإدراكهم بقيمتهم في الحياة واحتياج الآخر لهم؛ فيسعون بالتالي إلى تطوير ذواتهم بما يسهم في تأدية أدوارهم وفق مستوى الطموح المنشود. وبطبيعة الحال؛ لا يمكن لأي إنسان أن يبادر في الحراك والتأثير ما لم يكن مستشعرًا لمسؤوليته اتجاه نفسه ومجتمعه، أو يحرص على أن يترك الأثر الطيب الذي يجعله موظفا لقدراته بالأسلوب الصحيح.
وعددت المكرمة أسلحة الشباب التي يمتلكونها وهي “هممهم العالية، وطاقاتهم المتقدة، وفكرهم المتجدد، وقدراتهم المختلفة، وذواتهم -بحد ذاتها- ثروة لا تُقدّر بثمن، ومصدر دعم وتمكين لهم في مجتمعهم، لكن الأهم أن يظل اهتمامهم بتطوير أنفسهم حاضرا باستمرار، ورغبتهم صادقة في صناعة التأثير والتغيير، مع التأكيد على أهمية أن تمتد لهم أيادي التحفيز والمساندة بما يضمن استدامة تأثيرهم وتوظيف ما يمتلكونه من قدرات وطاقات.
وأكدت الدكتورة أن الحوار المباشر مع الشباب له دور كبير في قراءة فكرهم وهواجسهم، وتلمّس احتياجاتهم وتحدياتهم وتطلعاتهم، ولابد أن يُبنى الحوار على حديث واقعي لا يغفل الشق الإيجابي والشق السلبي في أي حالة يعيشونها. كما أن تعزيز ثقافة تقدير أنفسهم ورفع مستوى الثقة بها بالإضافة إلى توجيههم بأسلوب يواكب تفكيرهم والبحث معهم عن فرص فعلية تستثمر قدراتهم؛ جميعها عوامل مساعدة في تشجيع الشباب على استثمار الفرص المتاحة أمامهم مهما كان مستواها أو طبيعتها.
كما أكدت أيضا في حديثها أن مستوى الاهتمام بالشباب – عموما- في تصاعد مستمر وإن كنا نطمح لأكثر من ذلك، كما أن فرص الحوار المباشر معهم أصبحت أكثر اتساعا، فهنالك ثقافة إيجابية بدأت تتعزز في المجتمع تتعلق بضرورة فتح قنوات الحوار المباشر مع الشباب والاستماع إليهم عن قُرب وإشراكهم في صناعة القرار المرتبط بهم، وهذه الثقافة ظاهرة صحية أرجو أن تتعزز أكثر وأكثر بما يرضي طموحات الشباب أنفسهم، الذين يتسمون بالحرص العالي والرغبة الجادة في خدمة وطنهم بكل ما أوتوا من طاقة وقدرة، وأرى أن إشراكهم في رسم الخطط والتطلعات حق من حقوهم التي تكفل استثمار قدراتهم بشكل فعلي يمكّنهم من أداء أدوارهم بما يحقق أهداف التنمية الوطنية.
وبسؤالنا لها عن التأثير المباشر وغير المباشر للعالم الخارجي والتغيرات التي يشهدها والذي يستطيع أي منا أن يتابعه الآن في جهازه الذكي أجابت:” لا يمكن في أي حال من أحوال أن نعزل أنفسنا جميعا عما يدور من حولنا، وإن حدث هذا فيعدّ أمرا سلبيا له تبعاته غير المحمودة. لذا من الطبيعي أن يتأثر الشباب إيجابا أو سلبا بالمتغيرات الحاصلة من حولنا، تأثيرا يطال جوانب مختلفة في الشخصية، خاصة جانب الفكر. وألمس شخصيًّا أن التأثيرات الحاصلة على الشباب العُماني – في مجملها- إيجابية، دفعته ليكون في حراك مستمر للبحث عن المعرفة وتطوير الذات بما يضمن استيعابه لكل ما يحصل من حوله؛ فباتت حتى ميولاته واهتماماته بل تطلعاته متجددة باستمرار، وأصبحنا نشهد له إنجازات رائعة في مجالات ما كنا نسمع عنها سابقا، خاصة تلك المتعلقة بالجوانب التكنولوجية المختلفة”.
وتكمل ” تبقى مستويات التأثير وطبيعته معتمدة على الشاب نفسه؛ هل سيتعامل مع المتغيرات من حوله بما يرتقي به ويدفعه للأمام، أو يكون تأثيرها عكسيًّا عليه؟ وهي مسألة نسبية تختلف من شخص إلى آخر. إلا أنه – إجمالا- أرى أن سمات الخير والإيجابية والالتزام بالمثُل والقيم التي نشأنا عليها في مجتمعنا العُماني الأصيل؛ حاضرة في شخصية الشاب العماني ولله الحمد، مع التأكيد على ضرورة تعزيزها باستمرار من خلال الأساليب التي توائم طبيعة تفكيرهم واهتماماتهم”.
وفي ختام حديثنا معها قالت المكرمة الدكتورة للشباب العُماني بمناسبة يومهم عبر “أثير” : حافظوا على عُمان، واستلهموا من كل تحدٍّ تواجهونه دروسًا عميقة في الإصرار والصمود والمواصلة؛ فالتحديات ستظل حاضرة في حياتنا، لكن الأهم أن نجعلها بمثابة جسر العبور إلى تحقيق طموحاتنا، وكل عام وعُمان الحبيبة تتقدم بنا معًا”.