د.سعيد بن محمد الصقري- رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية
كيف يتم بناء وتوليد المعرفة التراكمية؟ في المجتمعات النائية لا يتم إنتاج فوائض سلعية أو مالية والنشاط الاقتصادي لا يؤدي إلى زيادة وتوسع في الثروات، وإنما تعيش تلك المجتمعات على الكفاف بإنتاج احتياجاتها من ملبس ومسكن ومأكل، ولا يوجد تقسيم وخط إنتاج وتخصص، والمتوقع أن يتعلم ويكتسب الفرد كل المهارات اللازمة للبقاء والعيش. بينما في الاقتصادات التي تعتمد على المعرفة يتم الإنتاج عن طريق عدد كبير من الأفراد تحت إشراف مؤسسة ربحية في بيئة تتسم بالترابط والتكامل وكل شخص متخصص في إنتاج وابتكار شيء مختلف عن الآخر، فتجد في المؤسسة الواحدة عددًا كبيرًا من المتخصصين في مختلف العلوم والمعارف مثل التصميم، وتقنية المعلومات، والمحاسبة، والتسويق، والمحاماة، وتشغيل الآلات وصيانتها وغيرها من التخصصات. فضلا عن ذلك، تقوم المؤسسات الربحية بالتشابك والتعاون مع مؤسسات ربحية أخرى، وهكذا تتسع دائرة المعرفة والتخصص وعن طريق توظيف عدد كبير من المواهب ورؤوس الأموال واستثمارها في الأنشطة الاقتصادية ليتم تحقيق فوائض مالية وأرباح مضاعفة.
إذا ما هي العناصر الممكنة للتقانة وتوليد المعرفة التراكمية؟ العناصر الممكنة لتوليد المعرفة التراكمية تشمل إسهام أطراف عديدة كثيرة، كل في مجاله وتخصصه، في إنتاج جزء من الكل مما يؤدي إلى توسع وتعدد ومضاعفة المعرفة. مثال على الأثر المضاعف للتراكم المعرفي لعبة تركيب الحروف. في اللغة الإنجليزية، يمكن استنباط كلمة واحدة من حرف واحد، و 4 كلمات من 3 حروف ويمكن استنباط 9 كلمات من 4 حروف ويمكن استنباط 595 كلمة من 10 حروف وهكذا تتضاعف الكلمات أضعافا مضاعفة مع زيادة كل حرف. وبالمثل، يتضاعف التراكم المعرفي مع كل تطور في الأسلوب والعمليات والاختراع والابتكار. والمؤسسات التي تمتلك أكبر عدد من الحروف (من المعرفة)، يمكنها إنتاج سلع أكثر تعقيدا.
كما يمكن توليد المعرفة أيضا بالبناء والتوسع من خلال الأنشطة الاقتصادية القائمة أولا، والتوسع من بعد ذلك بإنتاج منتجات قريبة ومشابهة لما يتم إنتاجه حاليا. على سبيل المثال، تطورت الهياكل الإنتاجية في تايلاند من صناعة الملابس إلى الإلكترونيات ثم إلى الآلات. وبالتالي البلدان لا تنمو عن طريق إنتاج السلعة نفسها بشكل أكبر وأكثر.
تطور الهياكل الإنتاجية في تايلاند
المصدر: محاضرة البروفيسور هوسمان في مؤتمر 2040
بالنسبة للدول المصدرة للنفط، من المنطقي البناء والانطلاق من الصناعات النفطية لتنويع قاعدة الإنتاج الصناعي واكتساب وتراكم المعرفة اللازمة لإنتاج منتجات صناعية قريبة من الصناعات النفطية لكنه من المهم التحول تدريجيا لمنتجات صناعية أخرى للمحافظة على النمو الاقتصادي واستدامته.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب “العدوى الصناعية” دورًا كبيرًا في اكتساب التراكم المعرفي في الاقتصادات من خلال تشريعات تشجع على هجرة المواهب وتسهل عملية التنقل والإقامة. فدول مثل كندا، وسنغافورة، وأستراليا، والولايات المتحدة الأمريكية استفادت من المهاجرين إليها بشكل كبير في توسيع وتطوير مهاراتها ومعارفها. على سبيل المثال، 54% من العاملين في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في وادي السليكون هم من المولودين خارج الولايات المتحدة الأمريكية.. وحوالي 52% من رجال الأعمال في وادي السليكون أيضا من المولودين خارج الولايات المتحدة الأمريكية، و”معظم الأساتذة في جامعة هارفارد الأمريكية من المهاجرين”
فضلا عن ذلك، سهولة الأعمال وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، يؤديان إلى تراكم رأس المال ونقل المعرفة ورفع رصيد الاقتصاد من التراكم المعرفي. والاستثمار الأجنبي المباشر يشجّع على تنمية الموارد البشرية بالاستثمار في التعليم والتدريب وهذا يعزز مخزون رأس المال البشري، ويزيد إنتاجية العمالة وعوامل الإنتاج الأخرى.