أثير- د.سالم بن سلمان الشكيلي
كنتُ قد عقدتُ العزم على أن يكون لي مقال واحد فقط كل أسبوع طيلة شهر رمضان المبارك، لكنّ بعض الأحداث تفرض نفسها على الكاتب – إن جاز لي تصنيف نفسي من الكتّاب – فلا يستطيع تكميم قلمه أو اعتقال فكره عن الكتابة، والتفاعل مع تلك الأحداث بما يتوافق مع إيجابياتها والآثار المترتبة عليها داخل المجتمع، وخصوصًا إذا كانت تتعلق بمصادر رزق المواطن العماني الذين باتت منهم شريحة باحثةً عن عمل في بلدٍ تستقدم العمالة الوافدة ويوجد بها ما يقترب من مليوني وافد، وهو رقم كبير في بلد عدد شعبها في حدود مليوني نسمة.
قرار معالي الشيخ وزير القوى العاملة الجديد المعني بقصر شغل عدد من الوظائف في القطاع الخاص على العمانيين فقط ومن بينها وظيفة مساعد مدير عام ووظيفة مدير شؤون الموظفين، وغيرها من الوظائف القياديّة الإداريّة والكتابيّة، وبدون رئاء أو نفاق أو مجاملة أقول لمعاليه: شكرًا على هذا القرار الحكيم الذي سيصب بلا شك في تعمين القطاع الخاص وإحلال العُمانيين الباحثين عن عمل مكان من يسيطرون ويهيمنون على دوائر اتخاذ القرار في العديد من الشركات الخاصة الجاحدة لمجتمعها، الذي لولاه لما كانت على ما هي عليه اليوم … أقولها: شكرًا على هذا القرار المنتظر منذ فترة وهو وإن تأخر بعض الشيء إلا أنه جاء ليشّكل واحدة من وسائل المعالجة لما نعاني منه من جانب هذا القطاع من تهميش للعماني الذي يملك من القدرات والكفاءات العالية ما لا يملكه كثير من الوافدين ومع ذلك فهم النسبة الغالبة التي تشغل هذه الوظائف القياديّة والتنفيذيّة.
ونرى بأن هذا القرار الصائب وحتى يؤتي مفاعيله بالصورة المرجوّة منه يحتاج إلى ضمانات قانونيّة وإداريّة هي:
1. إيجاد التوصيفات أو المرادفات لكل وظيفة من الوظائف التي شملها القرار رقم ٢٢١ / ٢٠١٩م، حتى يقطع دابر التحايل عليه بأي صورة كانت كما هو حاصل لقرارات سابقة لوزارة القوى العاملة أو لوحدات إدارية أخرى، ويبدو أنّ البعض استمرأ هذا الطريق؛ فعشرات القرارات يتم ذبحها أو اغتيالها. أخاف يا معالي الوزير في ظل عدم تحديد التوصيفات بدقة أن تفتح مجالا للاجتهاد والتفسير على غير مقتضى القرار، فيأتي من يقول لنا مثلاً وظيفة نائب المدير العام ليست وظيفة مساعد المدير العام، أو وظيفة مدير التنمية البشرية ليست وظيفة مدير شؤون الموظفين أو وظيفة التأهيل ليست وظيفة التدريب أو … أو … إلخ. إنّ أمّ المصائب عندنا كثرة التأويلات والتفسيرات والتي يعيدنا بعضٌ منها إلى نقطة الصفر.
2. التشديد على المسؤولين في وزارة القوى العاملة الموقرة، بعدم فتح باب الاستثناء لأي سبب من الأسباب، فالاستثناء الواحد يفتح الباب لمجموعة من الاستثناءات، وبالتالي يفرّغ القرار من مضمونه وفحواه.
3. وضع آلية فاعلة مرتبطة بمكتب معالي وزير القوى العاملة مباشرة لمراقبة هذا القرار وغيره من القرارات المشابهة في دفع جهود التعمين وإعادة حقوق العمانيين في أن يكونوا أحق بشغل مئات الوظائف بل الألوف في القطاع الخاص بدلاً من الوافدين.
4. محاسبة الشركات التي تتحايل بأي صورة كانت على هذا القرار أو غيره من القرارات، وكذلك محاسبة أي موظف يخرق أو يسهل أو يسدي نصحًا لأي شركة من شأنها مخالفة القرار المذكور.
ومما لا شك فيه أن البلد بحاجة إلى مثل هذه القرارات الاستثنائية التي تعيد رمانة الميزان إلى مكمنها فتعتدل الكفة، نعم معالي الوزير نحن اليوم وبعد أن وصل بنا الحال أنّ أولادنا وبناتنا يبحثون عن عمل والآلاف من الوافدين يحتلون معظم مكونات القطاع الخاص، والأكثر مرارة أنهم يتآمرون للبقاء والاستمرار أكثر وأكثر، هذه المرحلة لا علاج لها إلا مثل هذه القرارات الحاسمة الحازمة ، فإذا طُبقت كما يجب دون الالتفات إلى الوراء أو اليمين أو الشمال، فقطعًا أنها ستؤتي ثمارها وإن أوجعت في جوانب أخرى، فالقرارات الصعبة مثل الكي بالنار تترك ألما وأثرًا، ولا يقدم عليه المرء مختارًا بل مجبرًا مع الأمل في الشفاء من العلة. نعم أقولها بصدق وإخلاص وقد قلت ذلك سابقًا: حدِّدوا مدة زمنية تطبق فيها قواعد قانونيّة استثنائية لا يهم بعد ذلك أن تكون في شكل قانون أو لائحة أو قرار إداري عادي، وخلال هذه الفترة يمنع استقدام العمالة الوافدة في كافة الوظائف القياديّة والإشرافيّة والتنفيذيّة والإداريّة والماليّة والمهنيّة التي تتوافر في السوق المحلي.
ولعلّ الأمل معقود في مجموعة من القرارات وليس قرارًا واحدًا، وهنا على الحكومة بكل مؤسّساتها الوقوف ومؤازرة وزارة القوى العاملة لتنفيذ تلك السياسات ، التي تُنقذ وتحمي شبابنا وشابّاتنا وتمكنهم من الوقوف في بداية الطريق، فمشكلة الباحثين عن عمل لن تُحل إلا بإجراءات صعبة من هذا النوع، ويجب ألا نلقي بالا أو نفتح أذنًا بأن إجراءاتنا والتدابير التي سنتخذها ستقابل انتقاد الخارج، فأولا هذا شأن داخلي لا علاقة للخارج به فمن حقنا ترتيب شؤون بيتنا، وثانيًا أين هذا الخارج من مساعدتنا في إنهاء مشكلة الباحثين عن عمل!
معالي الوزير الموقر: أشهد شهادة حق أنكم لم تدّخروا جهدًا في سبيل حل مشكلة الباحثين عن عمل فيما يخص وزارة القوى العاملة، لكني أعلم أيضًا أنّ القضية أكبر وأبعد من اختصاصات وزارتكم وقدراتها، ومع كل ذلك نناشدكم بأن يَعقُب هذا القرار قرارٌ يكون مضمونه عكسيًا على المعتاد، قرار يحدد على سبيل الحصر المهن المسموح باستقدام عمالة وافدة فيها مثل ، عمال النظافة والحلاقة والطبخ وتلك المهن التي لا تتوفر في السوق المحلي، وليكن مفعول هذا القرار لمدة سنتين بعدها يُصار إلى تقييم كل الإجراءات والتدبير ويُبنى على الشيء مقتضاه.
معالي الوزير هل بعد قرار الأحد الماضي من مزيد؟ أرجو أن يكون كذلك.