زاوية تربوية

د.رجب العويسي يكتب: تعليم الصيف.. هل سيقدم طرحا تعليميا مبتكرا؟

د.رجب العويسي يكتب: تعليم الصيف.. هل سيقدم طرحا تعليميا مبتكرا؟
د.رجب العويسي يكتب: تعليم الصيف.. هل سيقدم طرحا تعليميا مبتكرا؟ د.رجب العويسي يكتب: تعليم الصيف.. هل سيقدم طرحا تعليميا مبتكرا؟

د. رجب بن علي العويسي – خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية
في مجلس الدولة


ما إن أوشك العام الدراسي على استدال ستاره، وبدء فترة الاجازة الصيفية للطلبة واجازة الهيئات الإدارية والتدريسية عامة، حتى بدأت المدارس الخاصة والمراكز والمعاهد التعليمية والتدريبية وغيرها في فتح أبوابها أمام الطلبة، للالتحاق بما تطرحه في خطتها الصيفية من برامج عبر دورات تعليمية قصيرة ومتوسطة او مساقات تدريسية متخصصة في مواد دراسية أو أنشطة رياضية وثقافية ومناشط حياتية ومهنية وفنية وترويحية أخرى، ومع أن هذا الحرص من أولياء الأمور بالحاق أبنائهم من مختلف الأعمار والمراحل الدراسية في هذه المؤسسات، مؤشر إيجابي لصالح التعليم عامة وثقة ولي الأمر وقناعات واعترافه بدور التعليم، واستشعاره لما تحمله فترة الصيف من فرص ومساحات لبناء الموهبة والمهارة وتصحيح السلوك؛ فإنه يحمل أيضا في مساحته الأخرى الكثير من التحديات والاشكاليات لعالم الطلبة نظرا لاتساع مساحات الفراغ وأهمية توظيفه في بناء مسارات أفضل تكسبهم منهجيات الحياة ، ليشكل التعليم بذلك أهم حصون الأمان واحتواء الفكر وصقل الموهبة وبناء التجربة وإعداد الانسان الواعي لذاته، المدرك لما حوله، والقادر على رسم ملامح التجديد في واقعه؛ فإن تعليم الصيف يقدم في المقابل فرصة ثمينة لقياس مستوى جدية المنافسة ورؤية التجديد في عمل المؤسسات التعليمية الخاصة وكفاءتها في إدارة الحالات الاستثنائية، في فترة زمنية قصيرة.

لذلك كان البحث في صياغة أنموذج لتعليم الصيف يصنع معادلة التوازن في شخصية المتعلم يستدعي قراءة جادة لما تقدمه مؤسسات تعليم الصيف من برامج تعليمية ودراسية وتثقيفية وترويحية وغيرها، ومستوى ما تحمله هذه البرامج من جودة في المحتوى وكفاءة في القائمين على تدريسها بالشكل الذي يضمن تحقيق فائدة نوعية للطلبة الملتحقين بها، بحيث تتعدى مسألة تعليم الصيف مجرد تقضية وقت فراغ أو اشغال المتعلم في تلك الفترة بالتزامات معينة. إن هذا الفهم قد ينعكس سلبا على مسار المنهجية والدافعية والشغف المعرفي والقرائي الذي تولد اليه في فترات سابقة ومراحل مختلفة، إذا لم يجد في تعليم الصيف ما يوازي ما كان يحصل عليه في تعلمه السابق أو يفوق سقف التوقعات وزيادة، فإن المقصود من تعليم الصيف ليس نسخه مكررة من التعليم في بقية أيام العام، فإن ما تحظى به مفردة الصيف من أهمية في قاموس الأجيال؛ تستدعي استثنائية في طرح البرامج، وابتكارية في أدوات التنفيذ ، وخلق مساحات أوسع يستشعر فيها الطلبة حجم ما يحمله التعليم من بدائل وخيارات للحياة ومنصات تفاعلية أخرى تفوق المعلم والكتاب إلى ممارسة حياتية وسلوك إنساني نبيل ومعايير لبناء الذات وتصحيح السلوك وتقدير الإنجاز وبناء الموهبة ، وصناعة البدائل وتجديد الدافعية وشحذ الهمم ، وهي أمور لا تتحقق إلا عبر تعليم يقدر قيمة الوقت ويستفيد منه ويستثمره بطريقة احترافية ويضمن الوصول بالمتعلم إلى الهدف في أقصر وقت وأبلغ طريقة.

وبالتالي ما يطرحه هذا الطموح من الحاجة إلى التفكير في سيناريوهات تعليمية بديله، ومساقات تدريسية غير عادية، وطرح نوعي لبرامج تعليمية متجددة تصنع الالهام والفراسة، وتبني الموهبة وتؤسس قيم إدارة المشروعات الذاتية، واهمية استغلال المساحة الفارغة من الصندوق لاكتشاف المزيد من الخيارات وتوليد البدائل، بحيث ينقل المتعلم من التنظير الى التطبيق ومن زيادة الحشو في المحتوى المعرفي والعلمي للكتاب المقرر تدريسه إلى استيعاب عملياته وتوفير تطبيقاته وبناء اتجاهات إيجابية للحياة، هذا الأمر يمكن تحقيقه عبر مسارات التنوع والتنويع التي تطرحها هذه المراكز والمؤسسات في برنامجها الصيفي من جهة وعبر قدرتها على تقديم مادة اثرائيه تؤسس في المتعلم قناعات إيجابية عن التعليم والحياة والعمل، إذ أن المساحة الزمنية المتاحة لتعليم الصيف والفترة القصيرة التي قد لا تزيد عن خمسة أسابيع فما دون للدراسة الصيفية؛ تتطلب المزيد من الاحترافية في طريقة التدريس، والمرح في إدارة مفهوم التعلم النشط، الذي يحتفظ فيه الطالب بمساحات اكبر من التفاعل الذاتي الذهني والفكري والنفسي داخل الموقف التعليمي لينعكس على ذات المتعلم واستشعاره الثقة في تعلمه، لذلك لن يصبح للكم المعرفي والحشو الذهني والسرد الفكري وما يعطى للطلبة الملتحقين بها من واجبات بيتية أو التزامات منزلية أي مردود ، بل قد يمثل منعطفا خطيرا يلقي بظلاله على جاهزية المتعلم وقناعاته حول تعلمه وسرعة استجابته للحدث التعليمي؛ هذا الأمر ينطبق أيضا على ما يحمله القائمين على التعلم ونظم التقييم والمتابعة وآليات التشخيص والرصد ، من حرص على استيعابهم لمتطلبات الحالة ومقتضيات الموقف وزيادة المساحة التي تمنح للتجريب والممارسة والمشاركة والحوار والعمق في طرح الموضوعات وابداء الرأي ، لتصنع لتعليم الصيف عنونة جديدة وعناوين مغايرة ومفاهيم تقترب من نبض النفس في سلاستها وديناميكيتها، فتنطلق بالمتعلم خارج الصندوق وتسمو به فوق المدركات السلبية وحالة التذمر أو الشعور بالتهميش والاقصاء الذي يمارس ضده في المواقف التعليمية العادية وما أكثرها.

لذلك نعتقد بأن هوية تعليم الصيف وأنماطه وآلياته، تستدعي تحولات في إعداد المعلم والممارسين التعليميين، وفق أطر وموجهات تختلف عن بقية الأيام الدراسية الأخرى، ومع التوسع في المحتوى يأتي أهمية التقنين ومعه أيضا تأتي قيمة اختيار المفاهيم لطرحها في بساط النقاش والحوار، وتناولها في مسارات البحث والمراجعة والطرح ، وعندها يمكننا القول بأن تعليم الصيف قد حقق غاياته وأفصح عن مفاجآته وطرح أجندته على البساط المجتمعي لتعميق مسارات النقاش ونبادل الحديث حوله؛ إننا بذلك نريد من تعليم الصيف أن يكون صديقا للجميع، يمتلك أدوات الاقناع والتحليل والتشخيص وممكنات الاحتواء والتأثير، متناغما مع الاحتياج، متوافقا مع رغبة النفس في التجديد، مستفيدا من المواقف المتراكبة، مؤصلا للثقة، موجها لثقافة الاختيار والانتقاء، إنه مساحة يعيد فيها الطلبة قراءة عالم: الطبيعة، الجمال، والاستمتاع، الفرح، البهجة، الابتسامة، المهنة، الأسرة ، والمؤسسة، والوطن.

ومع ذلك لنكن واقعيين في طرحنا أيضا، فتحقيق هذه المعايير في تعليم الصيف والقياس عليه في تلك الفترة غير صائب والتعميم غير عادل، والتوقعات منه ليست عصا سحرية لحل قضايا التعليم؛ ولكنه قد يوفر مؤشرات إيجابية حول نوع التعليم الذي تريده الأجيال أو ما يمكن إدخاله في خطط التعليم من لمسات الذوق والجمال والتأثير والايجابية والتجديد ، فيتدارك بذلك القلق الذي ما زال يلازم الطلبة في فهمهم له أو قناعاتهم حوله وثقتهم فيه، فيضع اليد على مكامن الإخفاق ويجيب عن التساؤلات التي يبحث فيها الطلبة عن إجابات حول الكثير من المواقف الحياتية، وتبقى ما يحيط بتعليم الصيف من وضوح منهجياته ومرجعياته، ودقة متابعاته وأنماط التقييم والتشخيص في عمليات التعلم والتعليم وطرائق التدريس، والاقتراب به من البرامج المهنية والحياتية؛ سوف تفتح للمتعلم نوافذ الامل والبحث والاختراع والتجريب ، فتصنع لحضوره القوه ولأدواته القبول .. فهل سيعيد تعليم الصيف انتاج واقعه في ظل معطيات كثيرة تعيشها أجيال اليوم، وهل سيعمل على تقديم طرح جديد لنمط التعليم الذي يريده المتعلم؟، وهل سيبادر القطاع الخاص والأهلي والحكومي على حد سواء في تدعيم المنصات التعليمية الصيفية بمساحات مهنية فتؤسس في الطلبة فرص أكبر لبناء شخصياتهم ونقل تجاربهم والتعبير عن أطروحاتهم واستكشاف مواهبهم، تساؤلات قد يحتاجها التعليم لإثبات حضوره القادم.

Your Page Title