محمد بن علي الوهيبي- كاتب عُماني
حكى لي أحدهم عن قيام مستأجر عربي لأحد البيوت في بلد أوروبي بقطع شجرة كانت موجودة في فناء البيت شعر من وجهة نظره بأنها غير مهمة، كما أن وجودها يعيق من حركته داخل سكنه، فقام بقطعها دون الرجوع لصاحب الدار، وما إن تم قطع تلك الشجرة حتى قامت قيامة المنظمات الأوروبية البيئية واللجان الخاصة بالمتغيرات المناخية ومجالس رعاية الأشجار واستنفر الجميع للمطالبة بطرد من قام بهذه الفعلة الشنيعة التي مكنته من التعدي على هذه الشجرة، بل والمطالبة بإيقاع أقصى عقوبة عليه، حيث ضمن تشريعاتهم وقوانينهم ذلك؛ حفاظًا على بيئتهم وتنوعها .
خطرت على البال تلك الحكاية أثناء زيارتي الأخيرة إلى السليل، وجدته وقد قُطّعت أوصاله، وانطفت نيرانه وخمد شراره، ورمّدت مواقده وذبلت زهوره ونباتاته الصغيرة وما بقي من أشجار السمر والسدر والغاف سوى القليل وهذا القليل بدا لي وكأنه يودع الحياة، ورحل ما بقي من كائنات السليل إلى الجبال البعيدة خاصة بعد اقتطاع مساحات كبيرة منه لصالح إحدى المؤسسات في البلاد، وأخرى كمخططات سكنية، بالرغم من أن بلادنا مترامية الأطراف ولا تنقصها المساحات اللازمة لمختلف الاحتياجات والأغراض دون التعدي على الأماكن النادرة ذات الطبيعة الخلابة والحياة الفطرية.
كيف يريدوننا أن نتخلى عن هذا المكان الأثير وهو المتنفس الأخير لمحافظة مسقط وهو الذي اشتق اسمه من مسايل الماء، وهو بمثابة العقد المنثور على صدر المليحة قريات.
والسليل لمن لا يعرفه هو حديقة طبيعية، وهو من هبات الخالق عزوجل، ورافد مهم للطاقة المتجددة، ناهيك عن أنه مصدرٌ للإلهام والجمال الرباني المدهش .

وهو يقع على الطريق الرئيسي الذي يربط ولاية قُريات بولاية العامرات ويبعد عن وادي عدي بمسافة (65) كيلو مترا تقريبا، ويتميز بطبيعته الجُغرافية المتفردة، وبتضاريسه المتنوعة بين السهل والجبل والمسطحات الرملية والحصوية ومجاري الأودية، وكان السليل فيما مضى غابة تلوح من بعيد بغطائها النباتي الفريد، وكنا نشعر بمناخها اللطيف في مُختلف فصول السنة؛ الأمر الذي أسهم في التنوع البيولوجي للبيئة البرية والطبيعية للمنطقة.
وكان مرتعًا وبيئة مناسبة للوعول والظباء، والأرانب البرية، وطيور اليمام والعصافير، والصفارد والعفاد والقطا ومحطة مهمة لطير العقعق أو الشقراق المعروف بألوانه الجميلة، وكان السليل أيضًا بيئة خصبة للزواحف البرية والجبلية، ويبدو أن كل تلك الكائنات نفرت منه وهجرته وقررت ألا تعود إليه.
وكان هذا المكان وجهة مهمة ومفضلة للسياحة في محافظة مسقط، بما كان يمثله من نموذجٍ للحياة الفطرية والطبيعية في عُمان، ويتوجب علينا الآن الإسراع في المُحافظة عليه كتراث طبيعي.
وحق علينا أن نسعى وبإلحاح إلى إعادة الحياة إليه من جديد وبأن يخضع لرعاية أكبر، وأن تُفرض عليه رقابة مُتواصلة ومشّددة ، ليعود ويبقى متنفسا طبيعيا، وينبغي أن يُضمَّ إلى المحميات الطبيعية في عُمان، ويشمله تعريف المحمية الطبيعية أو المنطقة المحمية، وهي المنطقة الجغرافية المحددة المساحة، التي تُخصص للمحافظة على الموارد البيئية المتجددة، ويُشرف عليها من قبل الجهات المختصة بما تحتويه من نباتات و يوانات وطيور مهددة بالانقراض، ويستلزم حمايتها من التعديات الإنسانية والملوثات وفقا للأنظمة والقوانين الموضوعة لهذا الشأن .
*صور المقال من شبكة المعلومات العالمية “الإنترنت”