أثير-مكتب صلالة
كتب: سهيل العوائد
يحدث في كل خريف أن تلتقي أطياف مختلفة من الناس، في الملتقى السنوي الخريفي لـ “سلالة جينجر” في أودية وشعاب نيابة جبجات، وتحديدًا في وادي “سعلفن” الشهير حيث يرتبط هذا الوادي وقمته الشهباء التي تعانق السماء المسماة “حار أصعيب” مع ملاك جينجر بيت” شريوت” بعلاقة قديمة توثق علاقة الإنسان بالأرض والحياة في هذه المنطقة.

ويعد هذا الملتقى الاجتماعي من المواسم الخريفية الجميلة التي تستقطب الكثير من الرواد والزوار في محافظة ظفار.
إنه ببساطة ملتقى سنوي ريفي اجتماعي تسوده أجواء جميلة من التآخي والسلام والوئام وتفرح به الكثير من الأنفس والقلوب ، وتتخلله جلسات ثقافية واجتماعية منوعة، فتلتقي الناس من مختلف القبائل والمناطق لتجلس في حلقة دائرية حول موقد النار (اشرفت)، ويتبادلون التهاني والسلام ويتناقلون الأخبار والأحداث؛ فيضحكون، ويتسامرون إلى غسق اليل، جليسهم حكايات الزمنْ الجميل وزادهم حليب الغنم المطبوخ بالحجر (المعذيب بيش). يغرفون من حليب الغنم المعذوب ويتشاركون الخبز الذي يطبخ على أشرفت موقد النار الذي يسمى محليا (مطبلوت)، ويبدأون السهر على مستجدات الأخبار وصوت النانا وحكايات الزمن الجميل، وما إن تنتهي السهرة ويغادر الضيوف المكان، يذهب عادل إلى (الخدر) مكان إيواء الغنم، وذلك للاطمئنان عليها قبل أن يخلد إلى النوم.

وقبل أن تشرق شمس الصباح يستقيظ عادل وأخوته باكرا لحلب الغنم، استعدادا لفوجٍ جديد من الضيوف، الذين يقصدون سلالة جينجر في كل صباح، فيرحّبون بالضيوف، ويقدمون لهم الحليب المعذوب، والشاي المطبوخ على الجمر، ويتصبحون معهم بصباحات سلالة جينجر والطبيعة الهادئة الغناء على كهوف وجنبات وادي سعلفن البهيج، ثم يقدّمون للضيوف ما تبقى من الحليب ليحملونه معهم إلى أصدقائهم و بيوتهم.

إنه الكرم الأبدي لسلالة “جيجنر” ولملاكهن بيت شريوت، فلقد آثروا إكرام ضيوفهم ومن يقصدهم على أنفسهم، ولم يتاجروا بحليبهن، وحرموا أنفسهم من الاستفادة من بيع سمنهن وهم في أمّس الحاجة إلى مورد مادي، يعينهم على تربية ورعاية أغنامهم.

إنه السخاء في أبهى حُلَلِه والعطاء في أروع صُوره. وقد كانوا في أيام الضنك والضيق مقصد القريب والبعيد في ظفار، حيث كان فيما مضى من وقت ما يسمى بالمنيحه، إذ كان الناس من مختلف أنحاء ظفار يأتون إلى بيت” سعدون” في فترة إنتاج الحليب، وذلك من أجل أخذ “المنايح” وهي عبارة عن غنم حلوب تُمنح للناس المعسرين وخاصة الأسر المعسرة، من أيتام وأرامل ومحتاجين، ويتم منح هذه الأسر المعسرة عددًا من الأغنام، في وقتٍ كان الناس يعيشون في ظروفٍ صعبة من الفقر والحاجة وندرة الطعام، وكانت تلك الظروف الصعبة تشكّل اختبارا حقيقيا لمعنى واصل الكرم عند الناس ، إذ كانت تعد “المنيحه”من أهم وأنبل أشكال الكرم في ذلك الوقت، وقد تبقى هذه المنايح عند المعسرين لسنوات عديدة، يعيشون على حليبها ويستفيدون من ألبانها ولحومها حتى تتغير أحوالهم وتتحسن ظروفهم .

وحول هذه السلالة يقول عبدالله بن محمد الشحري لـ “أثير” :نحاول أنا وأخوتي أن نحافظ على هذه السلالة من الأغنام التي ورثناها أبًا عن جد، وأن نستمر في درب العطاء واستقبال الضيوف كما هي عاداتنا، ونتمنى من الجهات المختصة أن تقوم بتوفير الرعاية البيطرية اللازمة في ظل انتشار الأمراض الوبائية التي تفتك بالحيوانات المحلية في محافظة ظفار، وذلك للحفاظ على ما تبقى من هذه السلالة المحلية النادرة من الأغنام.
من جهته يقول سالم بن داعان الشحري للصحيفة : إن سلالة جينجر تعد بمثابة المظلة الاجتماعية التي تحتضن الجميع، إذ تتوافد الناس من جميع المناطق لتجلس على مائدة واحدة حول سلالة جينجر.

ويقول عامر المهري وأحد رواد وزوار سلالة جينجر: إننا في منطقة جبجات ندين بالكثير لهذه السلالة وملاكها، الذين كانوا وما يزالون يضربون أروع الأمثلة في العطاء والكرم والسخاء.
هذه هي قصة سلالة جينجر التي تُعبّر عن تاريخ وتراث وعطاء وحياة.