أثير- د. محمد بن حمد العريمي
بعد حوالي 22 عامًا من آخر وجود له بها؛ زار السلطنة وتحديدًا قرية السويح بولاية جعلان بني بو علي مؤخرًا الأستاذ المصطفى محمد قدّور شرّاكي، وهو معلم تاريخ من مملكة المغرب الشقيقة كان يعمل بمدرسة السويح للبنين منذ عام 1988، ثم مدرسة أحمد بن ماجد الثانوية بولاية صور، قبل أن يقدم استقالته ويعود إلى بلده في عام 1998.

فكرة السفر
كانت لدى الاستاذ مصطفى نيّة كبيرة في زيارة السلطنة والالتقاء بطلبته ومعارفه السابقين؛ خاصةً وأنه كان شخصية محبوبة من قبل الجميع، وتربطه علاقات ودّ وصداقة مع العديدين من أبناء القرية لم تنقطع برغم توالي السنين، بل إن بعضهم كان قد زاره في بلده المغرب.
وعندما حصلت وفاة السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه- بدأ الأستاذ مصطفى في إجراءات السفر إلى السلطنة للتعزية في وفاة السلطان نظرًا للحب والاحترام الكبيرين اللذين يكنهما في داخله تجاه السلطان الراحل، ولإعجابه الكبير بشخصيّته الفذّة، وحاول الحصول على تأشيرة من السفارة العمانية لمدة أسبوع يقوم خلالها بواجب العزاء فلم يستطع بسبب إجراءات الحصول على التأشيرة التي تتطلب موافقات من داخل السلطنة، فاتصل ببعض معارفه في السلطنة من أبناء قرية السويح الذين قدموا له دعوة زيارة لمدة شهر كامل، فحضر برفقة زوجته التي تربطها علاقات اجتماعية وطيدة مع عدد كبير من نساء القرية.

جهود وإنجازات
قدم الأستاذ مصطفى أحمد قدّور إلى السلطنة لأول مرة في عام 1988 حيث تم تعيينه كمدرس لمادة الدراسات الاجتماعية بقرية السويح التي تقع على ساحل بحر العرب بولاية جعلان بني بو علي، وظل يعمل بالقرية حتى تم نقله إلى مدرسة أحمد بن ماجد عام 1993 والتي ظل بها حتى عام 1998 سنة تقديم استقالته وعودته إلى بلده لظروف عائلية، وكان قرار نقله قد أتى بتوجيه من مدير عام المنطقة وقتها نظرًا لجهود الأستاذ الكبيرة في مجال الكشف الأثري في القرية.

وكان الأستاذ مصطفى مهتمًا بالتنقيب عن الآثار، والبحث عنها، وساعدته خلفيته الدراسية في مجال التاريخ والآثار في ذلك، ونظرًا لوجود وقت فراغ كبير في قريةٍ صغيرة وقتها كالسويح، فقد كان يقوم بجولات استكشافية في المناطق المحيطة بها، وعثر خلال هذه الجولات على مواقع أثرية تعود إلى ٦٠٠٠ سنة ق. م اعتمادًا على تقديرات البعثة العلمية الأثرية الإيطالية والفرنسية المشتركة بالترخيص من وزارة التراث القومي والثقافة آنذاك، وكان الأستاذ مصطفى قد أرسل بعضًا من هذه العينات مرفوقة برسالة توضيحية إلى الوزارة بواسطة المواطن سعيد بن صالح السنيدي بعد العثور على هذه الأدوات.
وبعد مرور سنة من الرسالة وعدم وصول رد من قبل الوزارة على رسالة الأستاذ، علِم أن هناك بعثة علمية أثرية تعمل في موقع رأس الجنيز المجاور، فتواصل معهم بشكل مباشر وطلب منهم المجيء لمعاينة الموقع، وبعد زيارتهم للموقع في سنة 1992 برئاسة البروفيسور الإيطالي موريسيو توزي؛ والبروفيسور الفرنسي سيرج كلوزيو؛ تأكدوا من أن هذه المواقع هي فعلاً مواقع أثرية حقيقية وصحيحة؛ ووضعوها في برنامج تنقيبهم بعد التنسيق مع وزارة التراث، والآن يعد موقع السويح من المواقع الأثرية المهمة في خارطة السلطنة الأثرية.

موقع السويح الأثري
تم الكشف عن موقع السويح شمال قرية السويح وعلى طول الشاطئ عن التتابع الطبقي الكامل لمستوطنة الصيادين الذي يبدأ من فترة الألف السادس قبل الميلاد حتى فترة الألف الرابع قبل الميلاد ، ويسمح هذا الكشف بإعادة تاريخ الأدوات الصوانيــة المنتشرة على السطح بترتيب زمني منظم ، والتي غالبا ما كانت تؤرخ إلى فترة ما قبل التاريخ.
وفي أحد مواقع السويح عثر على مبان ٍدائرية محدودة بحفر أعمدة لمساكن وملحق أرّخت إلى الألف الرابع قبل الميلاد، كما عثر في موقع آخر من مواقع السويح على أنواع من أدوات العصر البرونزي المحلية ، خصوصا الكسر الفخارية وقطع الأدوات البرونزية ، بالإضافة إلى أصداف بحرية.
واستدلالا من اللقى التي عثر عليها علماء الآثار في مواقع السويح المتعددة، فإن السكان مارسوا الصيد البحري مستغلين الموارد البحرية المتوفرة ، كما مارسوا أيضا الصيد البري، وكان غذاؤهم يتكون أيضا من لحوم الماعز والأغنام ، كما مارسوا أيضا جمع الرخويات والأصداف والثمار.

السلطان قابوس
يشعر الأستاذ مصطفى أحمد قدّور كما عبر في حديثه لـ “أثير” بأن الإحساس الذي يحمله تجاه السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – هو إحساس إنساني نتيجة معايشة واقتراب؛ ويراه من أحكم حكام العرب؛ حيث نهج سياسة رشيدة في تنمية البلد ومظاهر هذه التنمية بارزة اقتصاديا واجتماعيًا وعمرانيًا في كل مظاهر حياة الشعب العماني؛ وهذا أمر لمسه حقيقةً من خلال مقارنة ما ترك عليه السلطنة وما وجدها عليه بعد ٢٢ سنة.
ويرى كذلك أن مظاهر الحياة في السلطنة بشكلٍ عام، وفي المنطقة التي عاش بها قد تغيّرت خلال هذه المدة بشكل ممتاز؛ وهذا واقع وحقيقة بفضل السياسة الحكيمة الرشيدة الحقيقية التي أنجزها السلطان الراحل – طيّب الله ثراه- في بناء النهضة المستمرة منذ توليه العرش إلى أن وافته المنية؛ وبالتالي يُعدّ أبا حقيقيا للشعب العماني وكل الشعب يعدونه كذلك؛ وكل مظاهر الإحساس بالأبوة ستبقى مستمرة متواصلة بين الراحل وشعبه.
كما أن السلطان الراحل قد جعل من السلطنة بلد السلم الداخلي والسلام العالمي لأنها أصبحت موطن الالتقاء من أجل الصلح وحل الخلافات ما بين الدول العربية وغير العربية بطرق سلمية؛ الشيء الذي عجزت عنه منظمات دولية مهمة.
ويأمل الأستاذ مصطفى كل الخير في عهد السلطان هيثم بن طارق حفظه الله الذي يقينًا سيسير على نهج السلطان الراحل في استكمال ما بدأه ثم الإضافة إلى ذلك بفضل تعاون وتفهم ومساعدة الشعب العماني بأكمله للجهود التي ستبذلها القيادة الجديدة للسلطنة.
رمال بحر العرب في المغرب
نتيجة للارتباط الكبير بين الأستاذ مصطفى والبيئة التي عاش فيها في عمان؛ فقد أخذ معه عينة من تراب قرية السويح المطلة على ساحل بحر العرب، بالإضافة إلى نماذج أخرى ذات ارتباط بالبيئة، وقام بعرضها في منزله من خلال متحف مصغّر كي تكون جسر ارتباطٍ يقرّبه من المكان الذي عاش فيه فترةً جميلة من سنيّ عمره.


المراجع
- البوابة الإعلامية. وزارة الإعلام، https://omaninfo.om/pages/187/show/636
- موقع الساحة العمانية. موضوع بعنوان المواقع الأثرية، 9 يناير 2010.
https://omaninfo.om/pages/187/show/636