مسقط-أثير
تصفح أوراقه: د. محمد بن حمد العريمي
صدر حديثًا عن دار بيت الغشّام وبالتزامن مع معرض مسقط الدولي للكتاب كتاب جديد يضاف إلى رفوف المكتبة التاريخية العمانية، ألا وهو كتاب (الإمام الصلت بن مالك وعهد الصلوت) للمؤلفين محمد بن نبهان الصلتي، والدكتورة مديحة عبد العزيز الجلاصي، ويعد أول كتاب يسلّط الضوء على مملكة الصلوت، وذكر بعض سلاطينها، وإن كانت هناك كتب ودراسات سابقة تناولت عهد الإمام الصلت بن مالك.

يشتمل الكتاب الذي يقع في 190 صفحة عدا الملاحق، وقدّمه للقرّاء الشيخ أحمد بن سعود السيابي، على مقدّمة طويلة نسبيًا تناول فيها المؤلفان أهمية الموروث الحضاري للشعوب وأهمية الحفاظ عليه، والأسباب التي دعتهما للقيام بهذه الدراسة، وأهمية الدراسة ونتائجها.
كما يحوي الكتاب ثلاثة فصول: تناول الفصل الأول سيرة الإمام الصلت بن مالك، بينما ركّز الفصل الثاني على أئمة آل الصلت بن مالك الخروصي، وسلّط الفصل الثالث الضوء على الصلوت من حيث نسبهم والدور السياسي الذي قاموا به، كما احتوى الكتاب على مجموعة من الأشكال والخرائط والصور والوثائق المهمة.

تساؤلات الكتاب
يحاول الكتاب الإجابة عن عدد من التساؤلات التاريخية ومن بينها: ما هي صفات الإمام الصلت وخصاله؟ وبماذا تميّز حكمه؟ وكيف نجح في توطيد أواصر نفوذه وإرساء دعائم دولته؟ وما أسباب الصراع الذي اندلع على إثر عزل الإمام الصلت وانعكاسات ذلك سياسيًا وفكريًا وحضاريًا؟ وما دور قبيلة الصلوت في التاريخ العماني؟ وما الذي دعا القبيلة إلى الانتقال من المنطقة التي كانت تستقر بها؟ وإلى أين تمت الهجرة؟ ومن أبرز أعلامهم وشخصياتهم؟

الإمام الصلت بن مالك
بدأ المؤلفان هذا الفصل بذكر أهمية قبيلة بني خروص ودورها السياسي والفكري في تاريخ السلطنة، وأهم الأقوال التي ذكرها بعض المؤرخين حولهم، وعدد الأئمة التي أنجبتهم القبيلة، ثم تطرقا في بقية صفحات الفصل إلى شخصية الإمام الصلت بن مالك من حيث نسبه، وأهم الأقوال حول تاريخ ولادته ومكانها، ونشأته، ومبايعته بالإمامة سنة 237 هـ، وأبرز العلماء الذين قاموا بمبايعته.

كما أورد المؤلفان عددًا من القصائد التي قيلت في مدح هذا الإمام العادل، وما أرّخته المصادر الفقهية حول عِلم الإمام وثقافته الفقهية الواسعة وحرصه على حضور مجالس العلماء والفقهاء، وأبرز الفتاوي التي أفتى فيها.
كما تناول الكتاب أبرز الأحداث التي وقعت في عهد الإمام الصلت ومن بينها: السيول الجارفة (الجائحة) التي حدثت سنة 251هـ وتضررت بسببها مناطق عديدة مثل سمايل وبدبد ودما، وحصول زلزال في صحار أواخر عهده سنة 265 هـ تسبب في خرابٍ كبير نتج عنه انهيار العمران وانتشار الهلع بين الناس، وكذلك نقض الحبشة لعهدهم الذي أبرموه مع الإمام في الالتزام بعدم الاعتداء بين الطرفين، وهجومهم على سقطرى، وردّة فعل الإمام حول ذلك، وأبرز الجوانب المتعلقة باسترداد سقطرى من رسائل وقصائد، وأبرزها وصية الإمام الطويلة لقادة جيشه وجنوده وأبرز الدروس الأخلاقية المرتبطة بها.
وسلّط المؤلفان في هذا الفصل الضوء على قضية فكرية شهيرة أخذت حيزًا من اهتمامات العلماء العمانيين لفترات طويلة، وانقسموا بسببها إلى مدرستين فكريتين، وكانت لها تداعيات سياسية واجتماعية على عمان، ونقصد بها أزمة عزل الإمام الصلت من حيث أسبابها ونتائجها، حيث تناولوا هذه القضية بشيء من التفصيل، وتطرقا فيها إلى أسباب عزل الإمام والآراء التي قيلت فيه، وقارناها بمواقف مشابهة حدثت في عهد بعض الأئمة السابقين، وعرَضا استنتاجهما الشخصي في القضية والذي توصلا اليه من خلال تحليل الأحداث المرتبطة بالقضية.
كما أشار الكتاب إلى نتائج عزل الإمام وأثرها على عمان في الفترات التي تلتها من حيث الفتن القبلية التي نتج عنها حروب أهلية وتدخلات خارجية، ومن حيث الانقسام الفكري بين المدرستين الرستاقية والنزوانية، وأبرز علماء كل مدرسة، ورأيهم الفقهي في القضية.
وتناول الفصل الأول كذلك التطور الفكري وأبرز الإنتاجات العلمية في عهد الإمام الصلت، والمراسلات العلمية مع عدد من علماء الأقاليم الأخرى كحضرموت والمغرب، وأبرز العلماء الذين ظهروا في عهده، والمؤلفات المهمة التي كتبت، وكذلك التأثير الفكري المهم لظهور المدرستين الرستاقية والنزوانية.
أئمة آل الصلت بن مالك
تناول الفصل الثاني أئمة آل الصلت بن مالك وهم: الإمام الخليل بن شاذان، والملك محمد بن مالك بن شاذان، والإمام الخليل بن عبد الله بن عمر، والإمام عمر بن الخطاب الخروصي، والإمام محمد بن عبد الله الخليلي، حيث تناول الفترات الزمنية التي ظهروا فيها، وسرد لبعضٍ من أخبار إماماتهم، وأبرز صفاتهم، وأهم الأحداث التي ارتبطت بفتراتهم، وهي فترات زمنية كانت بحاجة لمزيد من تسليط الضوء عليها نظرًا لقلة المصادر التي تناولتها من الجانب التاريخي، وقلّة المعلومات المتوافرة عن الأئمة الذين ظهروا في الفترة ما بين الإمامة الثانية وظهور الدولة اليعربية.

الصلوت ودورهم السياسي
تناول هذا الفصل أوضاع قبيلة الصلوت بعد فترة عزل الإمام الصلت من حيث انتقال أبنائه إلى مناطق أخرى في عمان، وأهم آثارهم السياسية والفكرية والعمرانية، وأبرز الشخصيات التي ظهرت من القبيلة في المجالات المختلفة.
واعتمد المؤلفان في كتابة هذا الفصل على العديد من المخطوطات النادرة، والقصائد الشعرية التي تناولت طرفًا من أخبار الصلوت، أو ورد ذكرهم فيها، مثل مخطوط راشد بن عميرة، وكتاب قاموس الشريعة، ومخطوط كتاب الحقيقة، ومخطوطات شعرية مختلفة، مثل بعض قصائد الشاعر موسى بن حسين (الكيذاوي)، واللوّاح الخروصي، وهذان الشاعران نشآ في بيئة جغرافية قريبة من البيئة التي عاش فيها الصلوت.
كما اعتمد المؤلفان على بعض الآثار والشواهد المادية الباقية في وادي بني خروص كالمساجد، وحصن الصلوت، والكتابات الصخرية المنتشرة على صخور جبال الوادي، وشواهد قبورهم التي تحمل ألقابًا سياسية عديدة كالسلطان والسيد.
وأشار المؤلفان في هذا الفصل إلى الإطار الجغرافي لوادي بني خروص من حيث موقعه، وتسمياته القديمة، وأبرز آثاره ومنها “قرية الصلوت” التي تناولها المؤلف وذكر آثارها المختلفة كحصن الصلوت ذو الأبراج الدفاعية، ومسجدين مسجد العبّاد.

ومؤلفا الكتاب هما الدكتورة مديحة عبد العزيز الجلاصي وهي باحثة تونسية مهتمة بالتاريخ والآثار، ولها العديد من المقالات الأثرية المنشورة في عدد من المجلات العمانية من مثل: “الصيانة والتوظيف في المساجد الأثرية بمسقط”، و”لمحة عن المساجد الأثرية بمحافظة مسقط”، و”مدينة بنزرت الإسلامية: الفسيفساء الحضارية”، والأستاذ محمد بن نبهان الصلتي، وهو مخطط أعمال استراتيجية بشركة حيا للمياه، وباحث مهتم بالتاريخ العماني.