كيف مزجت رواية “مئة عام من العزلة” بين الخيال والواقع؟

كيف مزجت رواية “مئة عام من العزلة” بين الخيال والواقع؟
كيف مزجت رواية “مئة عام من العزلة” بين الخيال والواقع؟ كيف مزجت رواية “مئة عام من العزلة” بين الخيال والواقع؟

مسقط-أثير
إعداد: عهد الغابشية


“تأليف الكتب مهنة انتحارية” قالها الروائي غابرييل غارسيا ماركيز بعد الانتهاء من كتابة روايته الشهيرة “مئة عام من العزلة”، الرواية التي انعكف على كتابتها حوالي ثمانية أشهر، كي تظهر بصورتها الخيالية الملموسة بالواقع.

حصل ماركيز على جائزة نوبل للآداب عام 1982م إثر كتابته لهذه الرواية، وقال عندما تسلم الجائزة:” لقد أدركت أن عبقريتي الحقيقية موجودة في جذوري ببيت أركاتيكا بين النمل وحكايات الجد والجدة، على أرض كولومبيا في أميركا اللاتينية”.

ماركيز شخصية مهووسة بكتابة القصص حتى قال عنه والده :”سينتهي بك المطاف إلى أن تأكل الورق”. تكاثرت الكلمات المحبطة لماركيز من كل حدب وصوب، لكن إرادته وشغفه كانت فوق كل شيء، بل وفي عام 1949م ترك دراسته من أجل ذلك.

كيف مزجت رواية “مئة عام من العزلة” بين الخيال والواقع؟
كيف مزجت رواية “مئة عام من العزلة” بين الخيال والواقع؟ كيف مزجت رواية “مئة عام من العزلة” بين الخيال والواقع؟

تدور أحداث الرواية العالمية “مئة عام من العزلة ” حول “ماكوندو” وهي مدينة معزولة رسمها ماركيز في مخيلته وطرحها بصورة واقعية لا يشك القارئ بأنها من الخيال، وهذا ما يميز الواقعية وسحرية الحركة التي سلكها ماركيز والتي تمزج بين الخيال والواقع بطريقة غير معتادة، تجعل وكأن الراوي أمامنا يحكي لنا القصة بأسلوب شائق، بعيدًا عن التكلف والغموض، ومئة عام من العزلة تعد الواجهة لهذه الحركة.

كما تمتزج أحداث الرواية وتتشابك عندما يسرد ماركيز قصة حياة عائلة “بوينديا” خلال مائة عام ومع أجيال متتالية حتى تنتهي الأحداث إلى آخر فرد من هذه العائلة الذي وقع في خطيئة زواج غير مرغوب فيه، يصبح القارئ هنا في وسط بين خيال الأحداث وواقعيتها، فيرى بعضهم أن أحداث القصة السياسية والاجتماعية مشابهة للمشاهد التي عاشها ماركيز في “أراكاتاكا” الكولومبية وهي مسقط رأسه، ومن جهة أخرى يرى القارئ أن أحداثها تحوي لمسة من قصص الأجداد والجدات، وكما نعلم بأن قصصهم غالبًا ما تكون من واقع عاشوه وصوروه لنا بطريقتهم الماتعة والشائقة الخاصة، وماركيز من الروائيين الذين يهتمون بقصص الجدات وكما قيل بأن بعضًا من خياله استوحاه من قصص جدته.

السحر والخيال الذي يتميز به ماركيز جعله روائيًا عالميًا يتسابق محبو الأدب وغيرهم إلى قراءة كتبه، وقال في تصريح له لصحيفة الإسكتادور بهذا الخصوص:”مهنتي الحقيقة هي ساحر”، سحره يجعل القارئ مصدقًا للخيال.

في هذه الرواية تعددت الشخصيات، وهو الشيء الذي جعل ماركيز يدرس الشخصية ويعيشها قبل أن يسطرها لنا بصورتها الجذابة، وهذا ما يلمسه القارئ؛ فلكل شخصية عالم خاص رسمها الكاتب بدقة متناهية ومع توالي الأحداث ينسجم القارئ مع الشخصيات وكأن علاقة ما تربطه بهن.

” مئة عام من العزلة” رواية إسبانية ترجمت إلى حوالي أكثر من ثلاثين لغة، لكن السؤال المتبادر في ذهن القارئ، ما مدى تأثير هذه الترجمة على جمالية النص الأصلي؟

الجدير بالذكر أن الترجمة تفقد النص جانبًا من جماله، فيما يتعلق برواية “مئة عام من العزلة” على سبيل المثال تحوي اللغة الإسبانية كلمات واستعارات ليس لها مرادف في الإنجليزية أو العربية، وفي جانب آخر تتضمن الرواية أمثالًا إسبانية لها طعهما الخاص عند أهل هذه اللغة ولا يشعر بجمالها ومعناها الآخرون، وهنا يأتي دور المترجم البارع الذي لا يدع فرصة لمثل هذه العقبات في أن تؤثر على جمالية النص الأصلي؛ فالترجمة مهنة يجب على المترجم أولًا أن يحترم النص الذي بين يديه ولا يحوّره ويغير منه لدرجة فقدان جماله، كما أن المترجم الذي يتقن اللغتين، المترجم منها والمترجم إليها تتميز ترجمته دائمًا بالإبداع.

ومن أراد أن يتلذذ ويشعر بعظمة هذه الرواية العالمية عليه بترجمة صالح العلماني، الذي يُعدّ أفضل مترجم لها، كونه مختصًا بالترجمة الإسبانية ودرس أدبها بشكل خاص، فهو ترجم الرواية من لغتها الأم إلى العربية، وليس مثلما لجأ غيرهم إلى ترجمة الرواية بعدما تُرجمت للإنجليزية.

Your Page Title