رصد-أثير
في صباح أحد الأيام قبل عامين، استيقظت إحدى ولايات السلطنة على واقعة مفجعة، حيث تم العثور على جثة هامدة مجهولة الهوية على قارعة طريق الباطنة السريع باتجاه مسقط.
القضية التي رصدتها “أثير” من مجلة الادعاء العام “المجتمع والقانون” تبدأ بانتقال فريق من مركز الشرطة المختص مكانيًا إلى موقع البلاغ، وتبين بأن الشخص في العقد الخامس من عمره، يرتدي ملابس عمانية وهو مفارق الحياة، وتوجد به إصابات ظاهرية، وتشير المعطيات إلى وجود شبهة جنائية، فانتقل على الفور عضو الادعاء العام وفريق من مسرح الجريمة، والطبيب الشرعي إلى الموقع، حيث اتخذت إجراء المعاينات اللازمة على المسرح والجثة، ورفع العينات، وتحريز الآثار والمواد المتعلقة بالجريمة، كما تم نقل الجثة إلى الطب الشرعي، لفحصها وتشريحها وبيان أسباب الوفاة، بموجب الأذونات القضائية الصادرة من الادعاء العام، كما أذن لشركات الاتصالات بتزويد جهات التحري والاستدلال بالكشوف المقيدة للمكالمات الصادرة والواردة، من وإلى هاتف المجني عليه، للتوصل إلى الجاني.
بمواصلة إجراءات البحث والتحري والاستدلال، تمكنت شرطة عمان السلطانية من القبض على الجاني الذي اعترف بقتله المجني عليه، فأحيل إلى الادعاء العام محبوسًا، حيث تم التحقيق معه هناك واعترف بالجرم المنسوب إليه، مفصلًا اعترافه بالقول: في يوم الأربعاء بحدود السابعة مساء، ورده اتصال هاتفي من المجني عليه، طالبا منه الخروج برفقته لشراء الخمر، فذهبا بمركبته، واشتريا زجاجة من الخمر وماء وثلج، وجلسا في مكان متوارٍ عن الأنظار، يتناولون الخمر، وبعد مضي أكثر من ثلاث ساعات تقريبا، أي بحدود الساعة الثانية عشرة ليلا، قام المجني عليه من مكانه، وأخذ يحتضنه، أي يحتضن المتهم، في إشارة إلى اتجاه إرادته إلى ممارسة الفحش معه، وهو الأمر الذي دفع بالمتهم إلى دفعه عنه، ثم أحضر من المركبة مفك براغي إطارات، المعروف باسم (ويل بانة)، فانهال عليه ضربا في أنحاء متفرقة من جسمه، حتى أسقطه مغشيا عليه، فنقله بسيارته إلى مكان بعيد عن الأنظار، وواقعه جنسيًا بداخل المركبة انتقامًا منه، وكان المجني عليه لا يزال حيًا وقتها، ثم اتجه به إلى الشارع السريع، وأنزله في مكان متوارٍ، وضربه عدة مرات بالأداة ذاتها (ويل بانة) على رأسه، ثم دهسه بالمركبة عدة مرات، وهرب من الموقع، ثم اتصل بالشاهد يسأله عن مكان وجوده، فأخبره بأنه ساهر مع أصدقائه، فذهب برفقتهم، وجلس معهم حتى الساعة الثالثة والنصف فجرًا، ليتجه أخيرًا إلى منزله، وغيّر ملابسه قبل أن يتجه إلى مسقط، حيث تم القبض عليه.
بعد الانتهاء من استجواب المتهم، وسماع الشهود، وجمع الأدلة المادية والفنية وعرض الأوراق للتصرف؛ ثبت للادعاء العام مقارفة المتهم لجناية “القتل العمد مع سبق الإصرار)” المؤثمة بنص المادة (1/302) من قانون الجزاء، وجناية هتك عرض ذكر مصاب في بدنه وعاجز عن المقاومة المؤثمة بنص المادة (258) من القانون ذاته، وجنحة (تعاطي الخمور في مكان عام) المؤثمة بنص المادة (286) من القانون ذاته، وجنحة (التعامل في الخمور) المؤثمة بنص المادة (285) من القانون ذاته، وجنحة (سياقة مركبة بحالة سكر) المؤثمة بنص المادة (50 مکررا) من قانون المرور، وجنحة ارتكاب أفعال مخالفة للآداب العامة بداخل المركبة المؤثمة بنص المادة (6/49) من القانون ذاته، وجنحة (عدم تجديد رخصة تسيير المركبة المؤثمة بنص المادة (52) بدلالة المادة (5) من القانون ذاته.
وبناءً عليه، قرر الادعاء العام بتاريخ، إحالة المتهم محبوسًا إلى محكمة الاستئناف (دائرة الجنايات) لمعاقبته بعقوبة الإعدام طبقا للأوصاف والقيود الواردة بقرار الإحالة المعزز بقائمة أدلة الاتهام.
في يناير 2020، قضت محكمة الجنايات بإدانة المتهم بجناية القتل عمدا ومعاقبته عنها بالسجن المطلق، وإدانته بجناية هتك عرض المجني عليه وبجنحة ممارسة أفعال مخالفة للآداب العامة بداخل مركبة، ومعاقبته عنهما بالسجن خمس سنوات، باعتبار عقوبة الوصف الأشد، وإدانته بجنحة تعاطي الخمر في مكان عام، ومعاقبته عنها بالسجن ثلاثة أشهر والغرامة ثلاثمائة ريال، وإدانته بجنحة التعامل بالخمور، ومعاقبته عنها بالسجن ستة أشهر، وإدانته بجنحة سياقة مركبة تحت تأثير الخمر، ومعاقبته عنها بالسجن مدة شهر والغرامة أربعمائة ريال، وإدانته بجنحة عدم تجديد رخصة تسيير مركبته، ومعاقبته عنها بالغرامة مائة ريال، تدغم عقوبات السجن الأخف في الأشد، ومعها تجمع عقوبات الغرامة لتكون العقوبة النافذة بحق المحكوم عليه السجن المطلق والغرامة ثمانمائة ريال مع مصادرة مركبة المحكوم عليه.
ويعود السبب في تخفيف العقوبة المقضي بها على المتهم من عقوبة الإعدام إلى عقوبة السجن المطلق إلى ما وقر في يقين عدالة المحكمة بعدم وجود ظرف سبق الإصرار والتصميم، ذلك أن الوقائع تؤكد أن القتل لم يكن وليد تخطيط سابق؛ وإنما حصل آنيًا وفي لحظته، ولا ينال من ذلك أن المتهم كان يرمي إلى تحقيق النتيجة من خلال النشاط المتتالي على المجني عليه، فذلك وإن كان مما يقيم نية القتل لديه؛ لكنه لا يكفي لإقامة ظرف سبق الإصرار الذي يلزمه توافر عنصر زمني وآخر نفسي، بأن يقوم المتهم بتقليب الفكرة، ويخطط لتنفيذها، ويقدم عليها وهو هادئ النفس، الأمر الذي لا يتوفر في القضية محل الحكم.