بحث وكتابة: عفراء بنت جمعة الهاشمية
استطردت كتب السير والمراجع التاريخية العمانية في الحديث عن الإمامة بشكل غالب، متجاهلة نسبيا ذكر وجود ممالك ظهرت على فترات وفي أقاليم مختلفة، والمتتبع في التاريخ العماني يرى تعاقب الفوضى والصراعات على مدى سنين طويلة، خصوصًا في الفترة بين 809 إلى 1034 والتي ظهر خلالها العديد من الممالك التي انشقت عن نظام الإمامة، ومن أبرز هذه الممالك هي مملكة الصلوت بالإضافة إلى مملكة النباهنة التي كان ظهورها أقدم من صاحبتها، وقد انتهى وجودها بتوحيد الأراضي العمانية تحت راية الإمام اليعربي ناصر بن مرشد -رحمه الله-.
تولى الإمام مالك بن الحواري الإمامة عام 809 هـ بعد أن عقدت له في مدينة نزوى، وقد ورد في كتاب قاموس الشريعة أن ابن الحواري لم يتولّ الإمامة إلا برضا سلاطين عمان الذين عاصرهم، وهم: السيد مزاحم بن بن يعرب بن محمد اليعربي في الرستاق، وكذلك السيد غسان بن راشد بن غسان الصلتي، وفي بهلاء السلطان مظفر بن سليمان بن مظفر النبهاني، والسيد محمد بن عدي بن أبي الصقر الصلتي في نزوى مع الإمام ابن الحواري.
إن هذه الرواية تؤكد الإشارة الأولى لقيام ممالك أخرى معاصرة للإمامة إلى جانب مملكة النبهانة، وهي مملكة اليعاربة ومملكة الصلوت، ونلاحظ ورود ذكر لسيدين من بني صلت، أحدهما كان في ولاية نزوى بصف الإمام، والآخر في ولاية الرستاق، وربما قد شارك الحكم مع السيد مزاحم اليعربي أو أنه حكم بعض قرى ومناطق ولاية الرستاق. أيا كان، فإنه يمكن الاستنتاج من هذا أن مُلك الصلوت ظهر في الرستاق وأحيانا في المناطق المحيطة بها مثل ولاية نخل حسب ما سنرى لاحقا.
وتقول ذات الرواية بأن السيد مزاحم اليعربي قد خرج عن الإمام مالك، فقام الإمام بمحاصرة اليعربي في حصنه بالرستاق، إلا أن الإمام انهزم فعاد إلى مدينة نزوى، ولم يلبث إلا قليلا حتى هاجمه السيد مزاحم وانهزم مجددا مما أدى إلى عزل الإمام، وترتب على ذلك ظهور الجور والفساد والبغي والطغيان والزنا والشراب في الرستاق -على حد وصف الكاتب-.
في عام 839 هـ، تولى أبو الحسن محمد بن خميس الإمامة، ويبدو أن الصلوت كانوا على خصومة مع الإمام بعد أن أمر بخشي نخيل بني ربيعة وهم من أتباع الصلوت، وذلك لأنه تسلّم جوابا من الشيخ ورد بن أحمد بن مفرج البهلوي يأمره بذلك. كما ذكرت المصادر أيضا جواب الشيخ البهلوي بعد تسلّمه سؤالا من الإمام يتعلق باعتزاله الإمامة وذلك بسبب خروج بعض أهل عمان عنه، وهم بنو الصلت من ذرية محمد بن الصلت بن مالك (الصلوت). الجدير بالذكر أنه لم يتم الإشارة ما إذا اعتزل الإمام أو لا، لكن الثابت أنه توفي عام 846 هـ، ويلاحظ أنه بعد وفاة الإمام أبو الحسن، اختفى صوت الإمامة لمدة 39 عاما.
تولى عمر بن الخطاب الصلتي في عام 885 هـ الإمامة بعد انقطاعها ما يقارب أربعة عقود، ويعد الإمام عمر إحدى الشخصيات من بني الصلت بن مالك التي تولت الإمامة، وقد عاصر الإمام الملك النبهاني سليمان بن سليمان، وقد احتوت المصادر أنه في السنة التي تولى فيها الإمامة، حدثت واقعة بينهم في سمائل نتج عنها هزيمة الإمام ابن الخطاب، إلا أن العلماء اختاروه إماما من جديد، واستطاع بعد ذلك هزيمة سليمان النبهاني، وقد اشتهر الإمام عمر بمحاكمته الشهيرة التي انتهت بحكم تغريق أموال سلاطين نبهان ونسلهم حتى الملكين سليمان بن سليمان وحسام بن سليمان. وبعد وفاة الإمام عمر بن الخطاب عام 894 هـ، تعاقب على الإمامة ما يقارب أربعة أئمة، لم يمكثوا فيها إلا قليلا، وبعد أن سيطر السلطان سليمان بن سليمان النبهاني على مدينة نزوى عام 896 هـ، اختفت الإمامة لمدة 10 سنوات.
في عام 906 هـ، وعلى إثر حادثة فلج الغنتق، تمكن محمد بن إسماعيل التخلص من الملك النبهاني سليمان بن سليمان وطرده من مدينة نزوى بعد أن تم تعيينه إماما، وفي عهد هذا الإمام استطاع البرتغاليون السيطرة على المدن الساحلية لعمان في عام 913 هـ، في الوقت الذي مارس اليعاربة سلطتهم على مدينة الرستاق تحت حكم السلطان محمد بن بلعرب بن سلطان اليعربي، وكذلك السلطان الصلتي سلطان بن مسعود بن عدي بن شاذان على مدينة نخل، وهذا السلطان الصلتي ورد اسمه في إحدى الوصايا التي عرضت على الشيخ أحمد بن مداد وقد كتب حولها جوابا مذكورًا بالتفصيل في كتاب إتحاف الأعيان.
عادت الفوضى والصراعات مجددا بانتهاء حكم الإمام محمد عام 942 هـ، فقد تولى ابنه بركات الإمامة من بعده في العام نفسه ، ولم يرض به الشيخ أحمد بن مداد الذي قام بتعيين الإمام عمر بن القاسم في بهلاء، فحدث صراع بين الإمامين انتهى بفوز الإمام بركات، ثم استطاع سلطان بن محسن النبهاني إخراج الإمام بركات من مدينة نزوى والسيطرة عليها عام 964 هـ.
اختفت الإمامة مجددا مؤقتا، فآخر ذكر للإمامة في هذه الحقبة كانت للإمام عبدالله المنحي الذي انتهت إمامته عام 968 هـ في بهلاء، وقد سيطر بنو نبهان على نزوى والمناطق المحيطة حيث حكم ما يقارب ثمانية سلاطين نباهنة من تاريخ 964 هـ إلى أن تم تعيين الإمام ناصر بن مرشد وقام بتوحيد عمان ابتداء من 1034هـ.
إن كتب السير العمانية ليست كتبًا تاريخية بحتة، فهي توثق الأحداث والشخصيات التي يدور فلكها حول الإمامة، فنلاحظ أن الفترات التي تختفي فيها الإمامة مؤقتا، لا يتم الحديث أو الإشارة إليها، وما ذكرناه أعلاه من سلاطين من بني نبهان أو من بني صلت قد تم الإشارة إليهم بسبب معاصرتهم للأئمة والعلماء والشيوخ. ومع ذلك، فقد وجدت إشارات لسلاطين آخرين من الصلوت في مواضع متعددة ومختلفة غير السير العمانية سنذكرها بعد قليل، إلا أنه يجب القول بأن هذه المعطيات التي تمثلت في إشارات ورد ذكرها سواء في المصادر والسير العمانية، أو في الدوواين الشعرية وحتى في شواهد القبور تؤكد وجود ممالك عاصرت الإمامة، وتدعيما على هذا، من الجيد الاستشهاد بقول الشاعر الغشري سعيد بن محمد:
ولكم في بني نبهان عاثوا في الورى لم يحمهم جيش ولا أنصار
وكذا أولو البأس الشديد وهم بنو صلت فلا تبقى لهم آثار
حتى أتى نصر الإله لناصر إذ آزروه عصابة أبرار
كما أننا نعلم بأن النباهنة باعتبارهم مملكة قائمة كانوا أقدم حضورا من مملكة الصلوت، على الأقل بناء على ما وجدناه من ذكر عنهم، وهذا الذكر المتكرر لسلاطين الصلوت ظهر بين عامي 809 هـ إلى أعوام سبقت تولي ناصر بن مرشد بن اليعربي للإمامة، مما يحتمل المعنى أن مملكة الصلوت كان لها وجود راسخ وثابت في تلك الحقبة.
يمكن حصر السلاطين الصلوت الذين ذكروا في تلك المواضع المتعددة على النحو الآتي:
1) السلطان بلعرب بن بلعرب بن محمد بن بلعرب الصلتي، وقد ورد اسمه في ثلاثة مواضع مختلفة، فقد عثر على شاهد قبره وقد كتب عليه اسمه وتاريخ وفاته في عام 982 هـ، كما ذكره الشاعر سالم بن غسان اللواحي في عدة قصائد، أحدها وهو يعزي السلطان بلعرب في وفاة كريمته فاطمة، والقصيدة الأخرى في رثاء هذا السلطان، ونلاحظ أن الشاعر بين سطور القصيدة قد ذكر كنية السلطان وهي أبا مالك. وفي مخطوطته التي يشرح فيها بيتا من شعره، ذكر الطبيب العماني الشهير راشد بن عميرة السلطان بلعرب بن بلعرب بن محمد الصلتي. إن الأسماء التي ورد ذكرها في مخطوطة راشد بن عميرة أشارت إلى ثلاثة من سلاطين ذاك الزمان، منهما اثنان من بني صلت، وهما السلطان بلعرب بن بلعرب بن محمد، والسلطان علي بن شاذان بن محمد، وكلاهما يتصل نسبهما إلى السيد محمد بن عدي أبي الصقر الصلتي الذي عاصر الإمام ابن الحواري.
2) السلطان محمد بن بلعرب بن بلعرب بن محمد الصلتي، الذي ورد اسمه في شاهد قبره مع تاريخ وفاته 983 هـ، وقد ذكر اللواح في إحدى قصائد مدحه للسلطان محمد بن بلعرب بن صلت والذي يكنى بأبا فارس، وهو ما يُعتقد أنه ابن السلطان المذكور آنفا.
3) السلطان زايد بن مبارك بن علي الصلتي الذي مدحه الشاعر الكيذاوي موسى الحسيني في إحدى قصائده، ولم يظهر أي ذكر لهذا السلطان في موضع آخر، وحسب ما ورد في كتاب الإمام الصلت بن مالك وعهد الصلوت، فإن هذا السلطان زايد لعله حفيد السلطان علي بن شاذان بن محمد الصلتي المذكور في مخطوطة الطبيب بن عميرة.
4) السلطان محمد بن شاذان بن بلعرب الصلتي، الذي ورد اسمه في شاهد قبر، وأنه توفي عام 1002 هـ، وقبر هذا السلطان هو آخر قبر يحمل شاهدا به ذكر لسلطان صلتي، الجدير بالذكر أن شاهد قبر السلطان بلعرب بن بلعرب قد حمل عبارة: “ كتبه محمد بن شاذان بن بلعرب الصلتي”، ويُعتقد أن كاتب هذه العبارة هو السلطان محمد بن شاذان، خصوصا أن وفاته كانت بعد وفاة السلطان بلعرب بتسعة عشر عاما تقريبا.
المصادر والمراجع:
الإمام الصلت بن مالك وعهد الصلوت، المؤلفان، محمد بن نبهان الصلتي ود.مديحة عبد العزيز الجلاصي.
إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان، الجزء الثاني، الشيخ سيف البطاشي.
قصص وأخبار جرت في عمان، محمد بن راشد المعولي، تحقيق سعيد بن سلطان الهاشمي.
قاموس الشريعة، الجزء السادس والثمانون، ص 157، 158.
اللواح الخروصي سالم بن غسان حياته وشعره، راشد بن محمد بن هاشل الحسيني.