فضاءات

محمد بن سيف الرحبي يكتب: مرتفعات الأنصب: أراضي “السمبوسة” والممشى اليتيم

بالصور والخرائط: ممشى عام في مسقط يتحول إلى ملكيات سكنية
بالصور والخرائط: ممشى عام في مسقط يتحول إلى ملكيات سكنية بالصور والخرائط: ممشى عام في مسقط يتحول إلى ملكيات سكنية

محمد بن سيف الرحبي- كاتب وصحفي عماني

لم أستغرب أن الممشى الوحيد في حارتنا يقال بأنه سيصبح أثرا بعد عين، لأنني ومنذ إنشائه قبل سنوات استغربت بأن هناك من يفكر بإقامة ممشى لعامة الناس في هذه المنطقة الحديثة بالذات، وقد حرمت الشوارع الداخلية حتى من كتف صغير يضع عليه المشاة أقدامهم، فتآكل الشارع حتى خطّه الأصلي، وعلى السائر مداراة حياته خشية من سائق عابث بالهاتف يذهب بما تبقّى من صحته التي يريد لها أن تتحسن.. بالرياضة!

لا تتخيلوا أن الممشى المثير لكل هذه الأصداء يقاس امتداده بكيلوات الأمتار، بل لا يصل حتى إلى نصف كيلومتر، وكنّا رضينا به، لأنه يقع على شرفة مجرى مائي عميق، تسيل فيه مياه الأمطار، ولذلك يأتي أمر عدم استغرابي مرة أخرى.. ذلك الشق المائي، ما يشبه الوادي، تمّ إدراجه مخططا سكنيا، وتوزّع على العارفين من أين تؤكل لحوم الأكتاف.. على تنوّعها، ومن ضمنها أكتاف الشوارع!.

هذا الممشى اليتيم يقال بأنه سيصادر، وإلا كيف سيدخل أصحاب الفيلل (مستقبلا) وهي ترتفع من منخفض طبيعي كان يمكنه أن يكون متنزها طبيعيا، وهو مهيأ لتوافر أشجار السمر فيه والطيور بكثرة؟!!.

ومع ذلك تقول الدعاية الرسمية بأن المشي مفيد للصحة، وتنصح به في منشوراتها، وكبار القوم يجدون فرصتهم للمشي داخل آلاف الأمتار المقتطعة لهم، بينما تصادر حق الناس في المشي لأنها تهمل توفير البنية الأساسية لذلك، ولا تدرك أن هذا الممشى، على صغر مسافته، سيوفر على وزارة الصحة، لو وجد نسخا مشابهة أخرى، الكثير، فمن يمارس الرياضة لا يحتاج عادة للجلوس إلى طبيب يشكو إليه تداعيات أمراض السكر والضغط والكوليسترول على جسده.

منطقة حديثة، تقع على شرفة جميلة بموازاة الشارع السريع، لكنها تشتكي من بؤس التخطيط، فتجد الأراضي بعضها لا تعرف كيف استوى حسب وصف أحد السكان على شكل “السمبوسة”، عدا المفارقات، بين بيت لا تتسع بينه والشارع لوقوف سيارة بشكل صحيح، وآخر بجواره يمكن للمساحة استيعاب عشر سيارات!.. مساحات أراض تختنق فلا تجد مدخلا مناسبا، وأخرى تمتد أكثر من ألف متر، ولكم تخيّل من يحصل على ذوات الألف متر!

قبل سنوات كتبت مقالا بعنوان “فساد في حارتنا”، ولا أشرح ما أعقب هذا النشر، كأنني من اخترعت هذه الكلمة وجلبتها إلى البلاد فأصابت فئة من العباد، وتوقفت عن تكرارها زمنا، لكن ما يحدث يمكنه أن يخرج الماء من الفم لنتكلم، من أجل قول كلمة حق!
ما الذي كان يمنع من تخطيط هذه المنطقة، وغيرها من المناطق الحديثة، بأسلوب سليم، وحديث.. بدلا من التخبّط، لدرجة أنه يمكن دراسة مرتفعات الأنصب في الأكاديمية كنموذج للتخطيط البالغ السوء للمدن؟!
لكن من يتحمل المسؤولية!!
وهل نامت أعين الرقباء فسطا الذئب على الغنم؟! أو أنها تلك الجملة التي قالها أحدهم قبل سنوات: الشجعان الذين أكلوا الكعكة، وبذكاء!
ضياع رؤية في التخطيط، محسوبيات قادرة حتى على تحويل الممرات المائية وما تبقى للمشاة لتصبح أراضي سكنية، شارع لوي عنقه من أجل عيون سكان بضع فيلل، وآخر من أجل الحصول على تمديد لأحدهم، شوارع بالكاد تتسع لآدمي يسير على قدميه، روائح تنبعث من محطة صرف صحي لم تقدم أي شيء للمنطقة من ضمن المسؤولية الاجتماعية ولو ملعبا للأطفال، أو مكتبة صغيرة تتبرع بها!!



يسألني البعض عمّا يميّز منطقة الأنصب من خدمات تنافسية للإقامة فيها، أجيبهم بأن الماء إما يضعف ضغطه فلا يصل إلى الخزانات، أو تنفجر أنابيبه تحت سطح الأرض، والأمر الثاني هو أننا أكثر مدينة نشمّ الروائح المنبعثة من محطة الصرف الصحي.. ولا يوجد معنا خدمة الصرف الصحي!

وكلمة الشكر واجبة لبلدية مسقط التي أقامت متنزهين في المنطقة؛ متنفسين وجدت العائلات فيهما روحا جميلة لعلها تنسى اشتغالات التخطيط والتخبيط!

Your Page Title