أثيريات

هل يؤثر عملُ المرأةِ على تربيةِ الأبناء؟

هل يؤثر عملُ المرأةِ على تربيةِ الأبناء؟
هل يؤثر عملُ المرأةِ على تربيةِ الأبناء؟ هل يؤثر عملُ المرأةِ على تربيةِ الأبناء؟

أحمد الشبيبي- اختصاصي استشارات أسرية

نظرًا لتطور المجتمعِ العماني خاصة، والعربيِّ بشكلٍ عام، فقد أصبحَ خروجُ المرأة للعمل ودخولُها مجالَ الوظيفة وريادةِ المشاريع، أمرا شائعًا ومنتشرًا، فهل لهذه التطوراتِ أيُّ أثرٍ على تربيةِ الأبناء وعلاقةِ الزوجين إيجابًا أو سلبًا؟ ذلك ما سنحاولُ التعرُّفَ عليه في موضوعنا هذا، انطلاقا من الاستفساراتِ والاستشاراتِ التي وَرَدَتْ على مركز زُلْفَى للاستشارات الأسرية، وغيرِها من الدراساتِ الاجتماعية.

إن الجديدَ في هذا الموضوعِ ليس هو عملَ المرأة، بل ظروفُ هذا العملِ وطبيعتُه، وإلا فإن المرأةَ لَطالمَا كانت تَعملُ في الحقولِ وتُساعدُ في أعمالٍ مختلفة، بالإضافةِ إلى اختصاصِها ببعض الحِرَفِ اليدوية، مثل الطَّرْزِ والحِياكَة، إلا أنَّ قيامَ المرأةِ بهذه الأعمالِ في القديم لم يكن له تأثِيرٌ ملحوظٌ على حياةِ الأسرة؛ إذ لم تكن المرأةُ تتغيَّبُ عن البيتِ وقتًا طويلا، ولم تكن أماكِنُ العملِ مختلِطَةً كما هو الحالُ في زمانِنا، ومن هنا كان عملُ المرأةِ في العصرِ الرَّاهنِ مختلفًا عن عملِها في القديم، وبالتالي فإن انعكاساتِه على تربيةِ الأبيناءِ وعلاقَةِ الزوجين سيكونُ مُختلِفًا.

هل أتَزَوَّجُ امرأةً عاملة؟

يُلاحظُ بأن نظرةَ المجتمعِ نحو المرأةِ العاملةِ بدأت تتبدل من الرَّفْضِ المطلَق، إلى نوعٍ من القَبُولِ والتَّعايُشِ مع هذا الوضعِ الجديد، بل إن بعضَ الشبابِ يُفضّلونَ الزواجَ بامرأةٍ لها وظيفةٌ ودَخْل، بدلَ الزواجِ بامرأةٍ لا تعمل، وذلك بهدفِ التعاونِ على مصاريفِ البيت وتكالِيفِ المعيشة، وتلبيةِ طلباتِ الأبناءِ والحياةِ التي تزدادُ تعقيدًا يومًا بعدَ آخر.
بينما نجدُ بأنّ فئةً أخرى من الشباب والآباء، يَرفضونَ تزوِيجَ أبنائِهم من امرأةٍ عاملة، وذلك إمّا بسببِ نظرتِهم عن المرأة العاملة، أو تَخوُّفِهم من تَقْصِيرِها في حقِّ زوجِها وبيتِها وأبنائِها، ولكن هل يُؤثر عملُ المرأةِ على قيامها بواجبِها تُجاهَ البيتِ والزوجِ والأبناء؟


خروجُ المرأةِ للعملِ وأثرُه على حياتِها وبيتِها:

عند مناقشتِنا للآثارِ المترتِّبَةِ عن خروجِ المرأةِ إلى سوقِ العمل، لا بد من مراعاةِ جانبين: أولًا جانبُها النفسي، وجانبُ الأبناءِ والزوجِ والبيت، وغالبًا ما تكون لحالَتِها النّفسيَّةِ انعكاساتٌ على قيامِها بواجبِها تُجاهَ أسرتِها.
لا يمكنُنا إصدارُ أحكامٍ مطلقة، والقولُ بأنّ المرأةَ التي تدخلُ سوقَ العملِ وتَخُوضُ غمارَ رِيادةِ الأعمال، هي امرأةٌ غيرُ مرتاحةٍ نفسيًّا، وأن المرأةَ غيرُ العاملةِ والمستقرَّةِ في بيتِ زوجِها أحسنُ حالًا وأهْنَأُ نفْسًا، فقد تجدُ امرأةً موظَّفَةً تعيشُ راحةً نفسيةً وسعادَةً زوجيَّة، بينما تَجدُ بالمقابلِ امرأةً غيرَ عاملةً تُعانِي من مشاكلَ نفسيةٍ وزوجيةٍ بسبب عدم عملِها، وتقصيرِ زوجِها في تلبيةِ احتياجاتِ البيت.


والذي يَنبغِي التّركيزُ عليه، هو أنّ سعادةَ المرأةِ العمالةِ وراحتَها، مَرْهونٌ بقدرتِها على التحكمِ في مشاعرِها، واختيارِها للعمل الذي يُناسبُها، ويُمكِّنُها من القيامِ بحقوقِ البيت والأبناء، فإذا كانت تشتغلُ في وظيفةٍ بدَوامٍ جزئيٍّ لا يتجاوزُ خمسَ ساعاتٍ في اليوم، مدةَ ثلاثةِ أيامٍ في الأسبوع، فإن هذا العملَ قد لا يُؤثِّرُ سلْبًا على حياتِها وأسرتِها، ويُوفّرُ لها بالمقابلِ دخلًا تستطيعُ من خلالِه المساعدةَ في تحسينِ الحالةِ الماديةِ للأسرة، لكنَّ عملَها في وظيفةٍ تأخذُ مهنا جُلَّ وقتِها وجهدِها، سيؤثِّرُ غالبًا بشكلٍ سلبي على تربيَّتها لأبنائِها واهتمامِها بزوجِها وبيتِها.

بعضُ العواملِ المؤثرةِ على خروجِ المرأةِ للعمل:
هناك عواملُ خارجيةٌ تؤثِّرُ على المرأةِ العاملة، وتجعلُ خروجَها للعملِ ينعكِسُ سلْبًا على أسرتِها وزجِها وأبنائِها، ومن تلك العوامل ما يلي:
o علاقةُ المرأةِ بالأسرة؛ فإن كانت علاقتُها بأسرتِها طيِّبَةً، وتربطُها بوالدَيْها وإخوتِها وزوجِها محبَّةٌ عميقةٌ وثِقةٌ متبادلة، وتقديرٌ واحترام، فإن هذه العلاقةَ ستُساعدُها على نجاحِها في عملِها، وستمَكِّنُها من القيامِ بواجبِها تُجاه أسرتِها وبيْتِها بتَفانٍ وتضحيّة، وأمّا إن كانت علاقَتُها بهم هَشَّة، وثقةُ الطرفيْن في بعضِهما شبهُ منعدِمَة، فإن خروجَها للعمل سيزيدُ الوضْعَ سوءًا والعلاقةَ اضطرابا.

بعضُ العواملِ المؤثرةِ على خروجِ المرأةِ للعمل:


o رعاية الأبناء؛ فإذا كانت المرأةُ تترُك أبناءَها عند خروجِها للعمل في عُهْدَةِ جدَّتِهم أو خالَتِهم أو عمَّتِهم، ولا تَغيبُ عنهم لوقتٍ طويل، وتُحاولُ التّعويضُ عن غيابِها بتوفيرِ أكبَرِ قدْرٍ من الاهتمامِ والمحبَّةِ لأبنائِها عند وجودها بالبيت، فإن خروجَها للعملِ في هذه الحالَةِ لن يُؤثِّرَ على تربيةِ الأبناء، لكنَّها إن تركَتْهم مع عامِلَةٍ، فقد لا تعتَنِي بهم كما ينبغي، وغالبا ما يَكتسِبُ الأبناءُ في هذه الحالةِ أخلاقًا وقيَمًا سيِّئَة، ويكونُ غيابُ الأمِّ عن البيت سببًا في تعلُّمِهم سلوكاتٍ مشِينَة، وهنا يكونُ خروجُ المرأةِ للعملِ عاملًا من عواملِ انحرافِ الأبناءِ.

وفي حالةِ ما إذا وجدت المرأةُ صعوبةً في المزاوَجَةِ والتّوفيقِ بين أسرَتِها ووظيفَتها، فيمكنُها إطلاقُ مشروعِها الخاص، حتى تتمكَّنَ من التّحكّمِ في وقْتِها، كما يُمكنُها الاقتصارُ على العملِ من المنزل، لتبقى دائمًا بجنْبِ أبنائِها، وتعمَلَ على القيامِ بواجباتِها الزّوجيَّةِ والأسريّة.

عملُ المرأةِ ونجاحُها في دورِها الأسريّ:

ليس من العدلِ الحكمُ على المرأةِ العاملةِ بأنَّها فاشلةٌ في حياتِها الزّوجيةِ والأسرية، وأنها مُقصِّرةٌ بالضرورةِ في حقِّ زوجِها وأبنائِها، فهناك الكثيرُ من النساءِ العاملات، اللواتي يَعشْنَ استقرارًا أسريًّا وسعادةً زوجية، بالإضافةِ إلى كونِهِنَّ يُقدّمْنَ خدمَةً جليلَةً للمجتمع؛ حيث نجدُ بأنَّ عملَ المرأةِ في بعضِ القطاعات، وبخاصةً التي لها صلَةٌ بالأطفالِ والصِّحةِ والرِّعايَة الاجتماعية، كانت له آثارٌ إيجابيّةٌ على المجتمع، بالإضافةِ إلى حُسْنِ تربيَتِهِنَّ لأبنائِهِنَّ، ونجاحِهِنَّ في زواجِهِنَّ، والنساءُ العاملاتُ معنا في مركزِ زُلْفَى للاستشاراتِ الأسريَّة، خيرُ دليلٍ على ذلك.

Your Page Title